قراءة في رواية: عصافير دارون

أحمد العربي

تيسير خلف روائي وباحث فلسطيني – سوري، هذه أول رواية اقرأها له.

عصافير داروين: رواية مكتوبة على لسان راوي يتحدث وفق تسلسل زمني متتابع، الحدث الروائي هو دعوة من معرض شيكاغو الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر ١٨٩٤، الدعوة للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني للمشاركة في فعاليات تقام في احدى المدن الامريكية، مع دول أخرى كثيرة، تحوي أعمال و مسلكيات ذات خصوصية عثمانية، تعبيرا عن التميز والتنوع. الشخص القائم على الفعاليات بروفيسور أمريكي له رأي بأن الجنس البشري متدرج في التطور، وعلى رأس الهرم يوجد الجنس الأوروبي، طبعا الامريكان منهم لان أصلهم مهاجرين اوروبيين، أما بقية الاجناس من عرب وترك وافارقة، فإنهم في آخر السلم التطوري، وهذا ما سيعرف بعد ذلك بنظرية العرق الأفضل، وهي أساس التمييز العنصري، التي سوف يعتمدها موسيليني وهتلر، وحقهم بالسيطرة على العالم. المهم ستصل الدعوة للسلطان عبد الحميد، ويستشير موظفيه الكثيرين عمّا لديهم من أفكار، لإرساله ليعبر عن العثمانيين وخصوصيتهم. وبعد بحث جاءت خيارات عدة، كان الفائز فيها، مشاركة خيول عربية اصيلة مع عروض ومباريات بالسبق، مع تمثيل بعض الحكايا التاريخية مثل صراع داعس والغبراء التي استمرت أربعين عاما، بسبب فرس فائزة. أعجب الخيار السلطان عبد الحميد وطلب من مسؤول الاستخبارات والأمن عنده متابعة الموضوع، وهو بالمقابل كلف احد اصدقائه بمتابعة العمل. بدأ راجي المكلف بالعمل يبحث عن خيول عربية اصيلة، للمشاركة في العمل، بحث في بلاد الشام كاملة، وصل الى حسن الرماح احد المربين للخيول الاصيلة، واخبره بالمطلوب، رفض بداية أن يقدم خيوله، التي يراها أهم شيء في حياته، واتفق معه بعد ذلك على أن يذهب بصحبتهم، وكلفه بالبحث عن خيول اخرى، كانت للخيول شجرة انساب مصدقة من الدولة، وبعد بحث استطاع أن يجمع حوالي الخمسين من الخيول الاصيلة مع فرسانها، كما تم جلب بعض الجمال والأغنام، يصحبوها معهم إلى أمريكا لكي تكون جزء من القرية التركية او العثمانية. على مستوى آخر وصل خبر القرية التركية في أمريكا الى كبار التجار في السلطنة من آل سرسق وزلزل وغيرهم، وجدوها فرصة للاستفادة المادية، قرروا تشكيل شركة تتابع الموضوع، وضعوا لها رأسمال وشاركوا كلهم، انتخبوا من بينهم رئيس للشركة، لكنهم استمروا بالغمز واللمز والمنافسة بين بعضهم. اعطوا وكالة لأحد اصدقائهم الامريكيين ليتابع الموضوع في امريكا. نقلت الخيول مع فرسانها مع الجمال والأغنام إلى أمريكا. كانت رحلة متعبة، وكان الفرسان وخاصة حسن حريصا على الخيول ويتابعها كل الوقت، مع ذلك مات بعضها من عناء الطريق ودوار البحر وطول مدة السفر. وصلوا امريكا، وهناك ظهرت مشكلة جديدة، وهي ان الوكيل بدأ يعمل لمصلحته مستبعدا أصحاب الشركة من الإجراءات، وتبين أنه كان يتلاعب بهم، ولم يكن مكان الخيول ومتطلباتها ومركز حركتها بالمواصفات المطلوبة، غيروا المكان الى مكان افضل زادت المصاريف، استطاعوا ان يصنعوا قرية نموذجية وحصل إقبال  من الجمهور الامريكي، ابدع الفرسان في عروضهم، وتحصل ايرادا جيدا، لكن الوكيل الامريكي استحوذ على المال وادعى أنه لم يفي الديون التي تطلبها العمل، ولم يعط للفرسان أي أجر، مما تطلب منهم اضرابا، حصّلوا من خلاله بعض الأجر. وقع المشروع وأصحابه في أمريكا ضحية عقود توكيل جعلتهم يعملوا دون اي مردود والمستفيد الوحيد الوكيل الامريكي، الذي استثمرهم في أول مدينة ونقلهم إلى مدن أخرى ليقوموا في ذات الفعاليات، وكانت أكبر كارثة حلت عليهم، هي حصول حريق ادى لموت بعض الخيول. كما تم سرقة أوراق الاصول للخيول، التي تنزل قيمتها السوقية من آلاف الدولارات الى المئات، استمر العمل دون فائدة للشركة أو للفرسان والعاملين بشأن الخيول. وعند انتهاء المناسبة، أصبحوا يفكرون بالعودة مع الخيول الى لبنان، وجدوا انهم مطالبين بحكم دعاوى أقامها الوكيل عليهم بأموال و ديون ومستحقات لم يستطيعوا دفعها، لذلك صادروا الخيول بأسعارها الزهيدة وملحقاتها كجزء من الديون المترتبة لصالح الوكيل، وسافر التّجار هربا من محاكمات واحتمال سجن، مراكمين خساراتهم، وبقي الفرسان الذين قبلوا العودة من دون خيولهم، الا حسن الرماح فلم يقبل مفارقة فرسه الاصيل نجمة، وبقي بجوار اسطبلها، وعندما نقلت الخيول الى اسطبل المحكمة بعد دعوى الوكيل، اصبح حسن مشردا في الشارع. يحنّ عليه المتسكعين في الليل بكسرة خبز وقليل من الحساء. يتحلّق معهم حول برميل تشتعل فيه النار للتدفئة، شاردا عن الدنيا يفكر بفرسه التي افتقدها، استمر وضعه هكذا الى ان جاء الثلج واحتموا في مدخل بناء لكن الثلج والبرد كان اقوى من تحمله مع المتسكعين، في الصباح وجدوا متجمدين وموتى.

هنا تنتهي الرواية.. وفي هامشها يتحدث الكاتب عن أن أصل الخيول العربية الاصيلة الموجودة في امريكا الان تعود الى تلك الخيول التي أُخذت إلى أمريكا للمشاركة في القرية التركية قبل قرن وعقود من الآن.

في تحليل الرواية نقول:

٠ قيمة الرواية بكونها تقدم شبه وثيقة تاريخية عن أصل الخيول العربية في أمريكا. كما أنها تنوّه إلى الارتباط الوجداني الأصيل بين الخيول العربية واصحابها، منذ القديم. كما تنوه الى شره التجار وتفكيرهم بمصالحهم فقط، كما تنوه الى تصرف الوكيل الامريكي الذي أخذ كل شيء: الخيول والواردات دون أي وجه حق، وكأنه يقول أن لا قيمة للحقوق والأخلاق والقيم عندهم.

وبالعودة إلى أيامنا هذه: أمريكا تحكم العالم وتستثمره من منطق القوة والمصلحة، الكل خاضع لأن لا حل بيده في مواجهة أمريكا القوة العظمى في العالم.

.٢٤/٤/٢٠٢٠. 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى