هوشنك أوسي روائي وشاعر كردي سوري متميز ومبدع، مستقر في مدينة استند في بلجيكا، قرأت له أغلب رواياته، وكتبت عن بعضها. وهي كلها تحمل الهم السوري والكردي والإنساني عموما. يمتاز بعلاقة نقدية عقلانية مع كل المتغيرات التي حصلت في سوريا والمنطقة منذ عقود، ينتمي للثورة السورية، ويعتبرها لحظة إشراق وحرية في سوريا التي غرقت في ظلام الاستبداد والقمع والفساد لعقود…
رواية بالوكالة عن الغيب . بالأصالة عن الكارثة التي نكتب عنها، تغاير مسار روايات هوشنك اوسي التي كانت منشغلة بالهم الكردي والسوري والإنساني عموما، لتدخل عالم روايات الخيال العلمي، إلى حد ما، لاني ارى الرواية تنشغل بالهم الكوني في مواجهة الأوبئة التي تصيب البشر، وتنتشر ويكون لها انعكاسات عدّة، ولا استبعد ان تكون الرواية قد كتبت في أجواء وجود وانتشار كورونا “كوفيد ١٩” وانعكاساتها الكارثية على البشرية كلها لسنوات عدة…
تبدأ الرواية في بلد ما وفي مدينة ما وعلى لسان الشخصية المحورية فيها حيث يأتي السرد بلغة المتكلم على لسانه…
صاحبنا مواطن في هذه الدولة يعمل موظفا في أحد البنوك، يمارس حياته بشكل روتيني، كان قد تزوج عن حب ولكن وصل هو وزوجته إلى الطلاق بعد اختلافات عديدة. له عشيقة يعيش معها، شبه علاقة زوجية. يبدو أن ذلك متاح وفق قوانين تلك البلاد. لا ينتمي لأي حزب ويكره السياسة، حتى أنه لا ينتمي لأي دين. اصوله مسيحية يهودية من جهة والده ووالدته. يعشق القهوة والنساء والموسيقى…
في وسط هذه الحياة الهانئة الروتينية يحصل وباء فاجأ الناس والدولة في مجتمع ديمقراطي.
الوباء جاء على شكل تحول في الجسد البشري حيث يتم نمو الشعر في جميع أنحاء الجسد، وبشكل مستمر. وباء “امبراس المستذئب البشري” هكذا اسموه، وتنتقل العدوى فيه بشكل سريع. لا انعكاسات سلبية جسدية غير ذلك على المصابين. سرعان ما انتشر الوباء في كل البلاد. واصبحت الدنيا كلها على دراية بذلك. ظهر رئيس الوزراء على التلفزيون وهو مصاب تحدث عن الوباء وانه قدر لا راد له وأن الدولة ستعمل بكل إمكانياتها للقضاء عليه. وأن جميع الناس يستمرون في أعمالهم عن بعد إن أمكن وحياتهم تستمر كما كانت. أما الدول المهيمنة عالميا ودول الجوار فقد أطلقوا صفارات الانذار وتناقشوا فيما بينهم كيف يواجهون الوباء وأن لا يصل إليهم. طرحت أفكار مجنونة مثل ضرب هذه البلاد بالسلاح النووي وتدميرها مع البشر فيها وينتهي الوباء. لكن الحل الذي تم التوافق عليه كان أن يتم بناء جدار بارتفاع عشرة أمتار وعرض مترين على طول حدود الدولة المصابة مع منع أي تواصل معها بأي شكل من الأشكال. وهكذا وجدت الدولة المصابة نفسها محاصرة حصار الموت من قبل كل دول العالم. لكنها لم تستسلم، بل عملت بدأب وإصرار لتكشف المرض وتبحث عن العلاج. وهكذا أصبحت متقدمة في علاجاتها لكثير من الأمراض عن دول العالم قاطبة. وعملت على الاستفادة من طاقة الأرض الزراعية. والاستثمار الصناعي. حتى تستطيع ان تصل للاكتفاء الذاتي لحماية ناسها من الحصار الإجباري. لقد نجحت في ذلك وأصبحت نموذجا في التقدم على كل المستويات. استمر الناس بممارسة حياتهم العادية. زاد الإنجاب وارتفع معدل العمر، وفكروا ببناء مدن تحت المدن لكي لا تقل الأراضي المستثمرة زراعيا. وهكذا نجحت الدولة في مواجهة الوباء والحصار…
لكن الدولة المصابة المسالمة مع كل العالم بقيادة حزب الخضر، وبعد سنوات تغيرت بتأثير رأي يرى أن يتم مواجة العالم الذي ظلم الدولة الموبوءة. تلك الدولة التي تفوقت عسكريا ومنعت خطر العالم عنها، وأصبحت خطرا على العالم. وجاء رئيس وزراء جديد بالتداول الديمقراطي هدد العالم كله بحرب ان لم يرفعوا الحصار ويعودوا لعلاقتهم الطبيعية مع الدولة الموبوءة. لقد وضع العالم كله على شفا حرب كونية…
لكن مرة أخرى وقبل انتهاء مدة الإنذار من الدولة الموبوءة للعالم لفك الحصار. تم اكتشاف ماء من حفر بئر في بلدة الى زوال الشعر الزائد، وهكذا عاد الناس الى طبيعتهم لمجرد الشرب من الماء أو الاغتسال فيه…
زال الوباء وزالت احتمالات الحرب والصراع، وعادت الدولة الموبوءة لتكون جزء من العالم.
وهكذا عاد صاحبنا ليعيش حياته بروتينه السابق. بعد أن وطّد علاقته بصاحبته التي أنجبت له طفلين عبر سنوات الحصار الذي استمر لسنوات طويلة. وأعادت له الاعتراف بمؤسسة الزوجية وان الاولاد مهمون في إعطاء الحياة معناها وأهميتها للعائلة الاهل والاولاد جميعا…
في التعقيب على الرواية اقول:
تعالج الرواية احتمال إصابة البشرية وأوبئة ضارة، وأن تعامل البشر معها بحكمة ودراية واسلوب علمي في البحث عن معالجتها ورفع ضررها عن البشر جميعا. وهي تضمر ضمنا أن الضرر الحقيقي من الاوبئة التي من الممكن محاصرتها علميا ومحاربتها والانتصار عليها. لكن الخطورة الحقيقية هي من السياسات التي تعتمدها كثير من الدول عبر صناعة الأسلحة الفتاكة الذرية وغيرها. والتي إن استعملت ستؤدي للقضاء على الحياة على الأرض. وكذلك وقوع الانسانية ضحية لشراهة وشراسة النظام الرأسمالي الذي اعتمد الحروب منذ قرون لتحقيق مصالحه، وكان الطريق ممهدا للقضاء على ملايين البشر ظلما ودون أي مبرر حقيقي سوى الجشع وحب الاستحواذ والهيمنة والتسلط في بعض الدول الدكتاتورية والعمل لتعظيم المصلحة في الدول الرأسمالية ولو كان الثمن هدر حياة الملايين من البشر…
مع العلم ان العدو الأول للانسانية هم البشر الظالمين المستغلين أنفسهم. وان الأوبئة بعد التطور العلمي في معرفتها ومعالجتها أصبحت قليلة الضرر إلّا في الدول المتخلفة المحرومة من ابسط الحقوق الانسانية كما في كثير من دول العالم الثالث حيث الحروب والأوبئة والتخلف..
الرواية ممتلئة بالتفلسف بمعناه الإيجابي وهو التفكر في كل شؤون الحياة. وان العلم سيبقى مفتاحا لصناعة الحياة الافضل للانسان في كل مكان…
في الرواية انتصار لانسانية الانسان و فرديته و نزعاته الذاتية وان الحب اهم تعبيراته. وان العلاقة بين المرأة والرجل أصل مناط كل الخير والامتلاء النفسي والجسدي والحياتي في الدنيا…
في الرواية كثير من الكنوز، يجب أن تُقرأ حتى يتم اكتشافها وتذوق روعتها…