قراءة في رواية: السلطان سليم خان الأول  الكاتب: أوقاي ترياقي أوغلو

أحمد العربي

 السلطان سليم خان الأول عنوان رواية تركية كتبها التركي أوقاي ترياقي أوغلو وترجمها للعربية مصطفى حمزة

 تجربتنا مع قراءة الرواية التركية حديثة نسبيا، مررنا سابقا على جواد فهمي باشكوت وعزيز نيسين، والاهم أورهان باموق صاحب جائزة نوبل، اطلعنا على اغلب اعماله منها   المعاصر، ومنها التاريخي كما لا ننسى الروائية التركية العالمية إليف شافاق

.رواية السلطان سليم خان الأول بين يدينا هي أقرب للعمل التاريخي . فهي ترصد حياة السلطان سليم الأول .منذ طفولته حتى وفاته متحدثة عن عصر كامل .. سليم الأخ لاربعة اخوة ذكور عند السلطان بايزيد .ابن السلطان محمد الفاتح .. فاتح القسطنطينية التي أصبحت إسطنبول عاصمة ملك آل عثمان.. سليم ومنذ طفولته تميز بحس القيادة والتفكير العميق وتأهله ليكون له مستقبل في في حكم آل عثمان.. اهتم به جده الفاتح وأعطاه من خبرته السياسية والعسكرية والاستراتيجية ايضا.. كبر وترعرع في عز السلطة والبحث عن الدور .. وعندما كبر واخوته كانت المنافسة لوراثة الحكم بعد والده بايزيد كبيرة وخاصة انه الثالث بالعمر . والأولوية كانت لاخيه الاكبر احمد وكان الأقرب للوالد .. لم يكن سليم الذي وضعه والده وإخوته كل في إمارة ولاية. لم يكن يرضى بأن يأخذ السلطنة غيره بعد أبيه.. بدأ بالتشاور مع صحبته في إمارته . كنعان صديق الطفولة وذوي الاصل الايطالي وآخرين . عملوا ليمنعوا السلطنة أن تكون لأخيه أحمد .وهو يعتبر أنه الاولى والاكفأ .. ويعتقد أن مستقبل السلطنة يتطلبه.. ليصنع قوة قادرة على مواجهة انشقاق اسماعيل الصفوي .والتحاقه بالمذهب الشيعي وشق صف المسلمين وسيطرته على فارس .وكذلك امتداد الدولة المملوكية حتى تخوم الأناضول. عدى عن أوروبا التي ما فتئت تتمدد وتبحث عن مصالحها واستمرار تجارتها في البر لطريق الحرير. والبحر لتأمين مصالحهم المستمرة . والعمل الدائم لخلق فتن وصراعات تستفيد منها  لاستمرار مصالحهم وهيمنتهم.. أدرك سليم انه لن يستطيع ان يصل السلطنة إلا بصناعة مجد شخصي له بالحيلة وفرض نفسه على والده السلطان . فبدأ حملات عسكرية توسع بها في إمارته شرق الأناضول بمحاذاة ممالك التتار والقبائل المجاورة .واستطاع أن يصنع لنفسه شعبية في أجواء الجيش وفي أركان الحكم. واعتمد على خلق تمردات وفتن وقتل بعض أنصار اخيه احمد المحيطين بالسلطان . ومنعه عمليا من الوصول لاسطنبول ليحصل على ولاية العرش . واستمر في محاصرة والده . حتى فرض عليه ان يكون هو السلطان وانسحب والده إلى ولاية نائية وسرعان ما مات . وهناك من اتّهمه بقتل والده بالسم حتى يصفى الأمر له. وسرعان ما لاحق اخوته وأولادهم وكان مصيرهم جميعا القتل . فقد كانت رؤيته تنصب على أن الحكم لا يستقيم إلا له وأي منافس ولو بعد حين يجب أن يستأصل . وهكذا صار انه السلطان الذي تلوث بدم اغلب أهله .. ولكنه مع ذلك كان كثير الاطلاع. مهووس بالسلطنة وتوسعها وامتدادها. بعيد عن المظهرة والبهرجة وملذات الدنيا وخاصة النساء.. انصب اهتمامه على التوسع وكان يرى أن اسوأ عدو له و للسلطنة هو السلطان إسماعيل الصفوي في إيران. وتحرك لمواجهته في تبريز ووصل إليه وهزمة وتوسعت دولته هناك .وعاد وتوجه جنوبا ليتوسع في ممالك عينتاب وحلب بعدها والتقى مع جيش المماليك بقيادة السلطان الغوري في مرج دابق شمال حماه .وكانت الغلبة للسلطان سليم . وفتحت في وجهه كل بلاد الشام . وتوجه لدمشق واستسلمت له والقدس ايضا . وعندما سقط السلطان الغوري وكان معه الخليفة العباسي الأخير المتوكل الثالث . الذي تخلى عن الخلافة وأعلن سليم الأول نفسه أول خليفة عثماني على المسلمين. وهو أول من سمى نفسه خادم الحرمين الشريفين . وتوجه بعد ذلك صوب مصر ليجتث المماليك وواجه سلطانهم الجديد طوماي باي.. وهزمه وفتحت له أبواب مصر .. واستقر بها قليلا ثم عاد إلى الأستانة اسطنبول .. ليعيش مجده وليفكر مجددا بكيفية وضع حد للاوربيين . كان يؤمن أن من يسيطر على البحار فقد سيطر على العالم .وأسس لأسطول بحري كبير سيكون يده الباطشة في البحار. وسيكون تحت اعين الغرب الأوروبي المتمثل بالبابا وحاشيته  بصفته قائد فعلي للعالم المسيحي الذي ينظر للعالم كله كغنيمة يجب تحصيلها.. وكان السلطان سليم قد استقبل المنشق عن الكنيسة مارتن لوثر .الذي سيصبح صاحب مذهب ديني جديد (البروستانتي). وسيكون نواة شق الكنيسة وتعدد مصادر شرعيتها. تعاطف معه سليم من خلفية أنه يشق صفوف الأعداء و يخلق صراعا بينهم . ويحرك النزعة الالمانية وراء مارتن لوثر لمواجهة البابا ووراءه روما وايطاليا وغيرها من المقاطعات الأوروبية.. استطاع سليم أن يحيد اسماعيل الصفوي ويلزمه حيث هو وتوسع بسلطنته التي أصبحت خلافه ثلاثة أضعاف عما ورثها عن والده. أصبح العثمانيون القوة الأولى في العالم.. طبعا هذا لا يغطي على دمويته في مواجهة كل مختلف معه حتى أقرب الناس إليه. فها هو يقتل اعز اصدقائه اليه تباعا لاعتقاده انهم يختلفون مع خطته او انهم خرجوا عن إرادته . مهمد وكنعان وأغلب وزراء المفضلين . سقى بدمائهم طريق صعوده .. والذين سيبكيهم وسيفتقدهم باشعاره.. ولكنه ينتصر اخيرا لهوس السلطة والتوسع والاستمرار في السلطة…

لم تطل حياة سليم الأول ليتمتع بأمجاده فقد كان القدر حاضرا له.. فبعد عودته لاسطنبول ليفكر بحركة توسع جديدة تجاه أوروبا هذه المرة سرعان ما عاجله المرض وأصيب بالجمرة الخبيثة التي لم يكن لها علاج . اكلته عبر دمل في ظهرة استمر بالتقيح حتى فارق الحياة في عدة أشهر.. واستلم الخلافة ابنه سليمان بعده..عاش ما يزيد عن الخمسين سنة بقليل. توفي في 926 هجريه الموافق 1522 ميلادية.. وهنا انتهت الرواية..

.عن الرواية نقول .. ما زال العالم يقف عند نفس الآليات لممارسة السلطة والتوسع واحتلال البلدان وامتصاص خيرات الاخرين.. ما زال هوس السلطة يعمي. ويقضي لاجلها صاحب السلطان على الاقرب وعلى عموم الناس .وواقعنا في سوريا والعراق وبلاد العرب يؤكد ذلك للان.؟!!. وما زلنا ضمن لعبة المصالح الدولية و بدمائنا . وما زال أصحاب المصالح والسلطات لا يراعون حرمة الإنسان أو حقوق أو صالح عام..

.ولم يغفر التاريخ لسليم وغيره انه ضحى بالاخلاق وحرمة دم المسلمين واستباحة بلادهم تحت دعوى توسع بلاد الاسلام ودولتهم.. ما نفع دولة واسعة تقتل ناسها وتحولهم لعبيد وتستعملهم في محرقة سلطتها لمصالح عصبة ضيقه ضد وجود الناس وحقوقهم بالعيش في حرية وكرامة وعدالة ودولة ديمقراطية..

.ما اقرب الامس باليوم…

5.7.2014…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “السلطان سليم خان الأول” للكاتب التركي”أوقاي ترياقي أوغلو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من قبل الكاتب “احمد العربي” رواية هي أقرب للعمل التاريخي، فهي ترصد حياة السلطان سليم الأول، منذ طفولته حتى وفاته متحدثة عن عصر كامل ،

زر الذهاب إلى الأعلى