حزب الله والكيان الصهيوني إلى المواجهة الشاملة

علي العبد الله

عكست المواجهات الميدانية بين حزب الله اللبناني وجيش الكيان الصهيوني اتّساع نطاق الضربات المتبادلة وتنّوعها، باستخدام الحزب أصنافاً جديدةً وقويةً من الذخائر والمسيّرات والصواريخ لضرب أهداف عسكرية ومراكز تقنية عسكرية صهيونية ردّاً على اغتيال كوادره الميدانيين بالمسيّرات الصهيونية. وقد عكس استهداف جيش الكيان قرى الجنوب والبقاع اللبنانيين وبلداتهما بالقنابل الحارقة والفوسفور الأبيض المحرّم دولياً ميلاً إلى تصعيدٍ ينطوي على خطر تحوّل المواجهات إلى حربٍ شاملة.

لم يتوقّف التصعيد على الضربات المتبادلة بين الطرفين فحسب، بل امتدّ ليشمل توجيه تهديداتٍ وإنذاراتٍ بمواجهات قاسية، والكشف عن استعدادات عسكرية وخطط عملياتيّة لحسم الموقف، فقد سرّبت قيادة جيش الكيان الصهيوني إلى الإعلام أنها صادقت وأقرّت خططا عملياتية لهجوم في لبنان لإنهاء خطر حزب الله. وأرسلت مع المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين تحذيراً صارماً لحزب الله لوقف هجماته أو انتظار حربٍ مدمّرةٍ للحزب وللبنان. وصرّح قادة في هذا الجيش بأنه لم يُظهر حتى الآن سوى 15% من “قدراته التدميرية”. ولذلك “سيجلب حزب الله على لبنان دماراً غير مسبوق. وهذا كله بسبب الإيرانيين الذين يواصلون تحريض لبنان على محاربة إسرائيل”، وفق الجنرال موشية إلعاد. ولزيادة الضغط على الحزب، أعلنت قيادة جيش الكيان أنها أبلغت الإدارة الأميركية أنها ستستخدم في هجومها على الحزب أسلحةً لم يسبق لها استخدامها.

ورفع حزب الله السقف بتهديد أمينه العام، حسن نصرالله، الكيان الصهيوني بقوله “إذا هاجمتنا إسرائيل فلتنتظرْنا بحراً وجوّاً وبرّاً، وإذا فرضت الحرب فسنقاتل بلا ضوابط وقواعد وأسقف”. وهدد باستهداف قبرص إذا فتحت قواعدها العسكرية لجيش الكيان لمهاجمة الحزب منها، كما نشر فيديوهات لمواقع عسكرية ومدنية داخل الكيان، فيديو الهدهد يصوّر مواقع في حيفا وجوارها؛ وفيديو “إلى من يهمّه الأمر” يحدّد مواقع عدّة في الكيان الصهيوني وإحداثياتها من دون تسميتها، قال إنها جزءٌ بسيطٌ مما لديه من صور تحدّد مواقع سيستهدفها في حال نشوب حربٍ شاملة.

وقد زاد التصعيد حدّة بانخراط حركة أنصار الله (الحوثيين) وأطراف من الحشد الشعبي العراقي في المواجهة بقصف مواقع إسرائيلية في البرّ والبحر من ضمن عمل عسكري منسّق مؤازرة للحزب، وتحذيرا للكيان الصهيوني من مغبّة التهوّر ومهاجمة الحزب. كما أعلنت مليشيات موالية لإيران من الحشد الشعبي العراقي و”زينبيون” الباكستانية، و”فاطميون” الأفغانية عن استعدادها للمشاركة في القتال في لبنان، في حال هاجم جيش الكيان الصهيوني الحزب ودخل الأرض اللبنانية. وقد نقلت وسائل إعلام أنباء عن تسلل مقاتلين من هذه المليشيات من سورية إلى لبنان. وكانت لافتةً مهاجمة طائرات مسيّرة مجهولة الهوية، رجّحت التقديرات قدومها من العراق، قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي بعد أقل من 24 ساعة على مهاجمة طائرات مسيّرة، أميركية أو إسرائيلية، شاحناتٍ تحمل أسلحة للمليشيات الإيرانية في قرية السكرية في منطقة البوكمال شرقي محافظة ديرالزور، حيث سقط قتلى عراقيون ودمّرت شحنة الأسلحة، واعتبر المعلقون الهجوم على قاعدة التنف ردّاً على مهاجمة الشاحنات، وامتدادا للتصعيد الحاصل بين محور المقاومة والكيان الصهيوني المدعوم أميركياً.

أشارت تقارير إعلامية وتقديرات محلّلين سياسيين إلى خطورة الموقف في ضوء امتلاك الطرفين قدراتٍ تسليحيةً وخبرات قتالية، بالإضافة إلى احتمال امتداد القتال أبعد، وانخراط إيران ومحور المقاومة والولايات المتحدة فيه، ما يعني دماراً كبيراً وواسعاً من جهة، وضربة أخرى لحركة النقل والتجارة من جهة أخرى، في حال امتداد القتال إلى شرق المتوسط واستهداف السفن التجارية والعسكرية، فحزب الله يملك قدرات عسكرية، صواريخ أرض- أرض عالية الدقة، معظمُها من صنف صواريخ “فاتح” المصنوعة في إيران، يتراوح مداها بين 250 وألف كيلومتر، وتحمل رأساً حربياً شديد الانفجار وزنه 450 كيلوغراماً، وصواريخ باليستية وصواريخ كروز مضادّة للسفن، بما فيها صاروخ “ياخونت” الروسي المتقدّم جدّاً، وهو صاروخ أسرع من الصوت يصل مداه إلى 300 كيلومتر، لشلّ حركة الملاحة شرقي المتوسط، كما فعلت حركة أنصار الله في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، وبإمكانه هو ومليشيات محور المقاومة شلّ القبة الحديدية بزخّات صواريخ كثيفة.

يملك الكيان الصهيوني ترسانة أسلحة ضخمة من دبابات ومدّرعات وطائرات متطوّرة من طرازات عديدة، إف 16 وإف 35. وتستطيع الأخيرة القصف من بعد 400 كيلومتر، وقنابل ذكية زنة ألفي رطل. وهذا بالإضافة إلى رصيد استراتيجي وازن من الولايات المتحدة التي صرّح مسؤول فيها بأنه “إذا اندلعت حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، فإنها ستقدّم للكيان المساعدة الأمنية التي يحتاجها من دون أن تنزل جنودا على الأرض”، وفق تقرير لقناة “سي أن أن”.

لكلٍّ من طرفي المجابهة دوافعه ومبرّراته للتصعيد وما ينطوي عليه من خطر الذهاب نحو حرب شاملة، فحزب الله انطلق في تصعيده من ضرورة ردع الكيان للكفّ عن اغتيال قادته الميدانيين؛ ومحور المقاومة من تقديره ضرورة تعزيز موقف الحزب وردع الكيان عن مهاجمة الأرض اللبنانية، واعتبار عملهما العسكري نصرة لحركة حماس، لما لهزيمتها من انعكاس سلبي على المحور ومركزه إيران، وعلى قوة ردعه، ما يستدعي استمرار التحرّك العسكري لدعمها وتمكينها من الصمود وتحقيق مطلبها الرئيس: إنهاء الحرب وانسحاب جيش الكيان من قطاع غزّة. ربطت تقديرات بين تصعيد محور المقاومة وما كشفته عملية طوفان الأقصى من ضعف جيش الكيان وفشله في تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة للحرب، والتدهور الشامل لمكانة الكيان الاستراتيجية. وهذا سيعزّز الموقف الإيراني في التفاوض مع الإدارة الأميركية بشأن الملفات العالقة بينهما، الملف النووي ودور إيران الإقليمي. ذهبت تحليلات عربية كثيرة إلى تبخيس تحرّك محور المقاومة حقّه في التقدير، والحديث عن تخادم إيراني إسرائيلي، وتحميل الموقف الإيراني مسؤولية الدمار الذي حصل في غزّة. وهذا سوء تقدير للموقف برمّته، إذا خلصت النيّة، وجنونٌ وعدائية إذا ساءت النية، لأن إيران ومحورها، وبغضّ النظر عما فعلته في عدة دول عربية، وهو مرفوض ومدان، تتابع تنفيذ تصوّر استراتيجي هدفه ليس تحرير فلسطين، لحماية نظامها. وضمانة ذلك، وفق تقديرها، إعلان أميركي الاعتراف بالنظام وعدم السعي إلى تغييره، وأخذ مصالح إيران بالاعتبار في صياغة النظام الإقليمي، ما يعني حصّة وازنة تكرس دورها وتحفظ استقرار نظامها. والاشتباك مع الكيان الصهوني، وما فعلته في عدّة دول عربية هدفه الضغط على الولايات المتحدة، من جهة، وتحقيق مكاسب جيوسياسيّة، يمنع الكيان الصهيوني من السيطرة على الإقليم، من جهة ثانية.

 

وتنطلق دوافع الكيان الصهيوني للتصعيد من ضرورة إنهاء خطر حزب الله الذي بات، بتقدير محلّلين صهاينة، خطراً وجودياً على الكيان يجب القضاء عليه الآن، حيث الفرصة سانحة، أفضل من مواجهته بعد أعوام، وقد عزّز قدراته أكثر. وهذا يجعل احتمال الذهاب إلى حرب شاملة راجحاً، خصوصاً إذا ربطنا الوضع الميداني بما كان أعلنه رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، إبّان بدء العدوان على قطاع غزّة، عن هدفه من الحرب: إحداث تغيير استراتيجي في الإقليم يوفّر للكيان الأمن فترة طويلة. ربط بعض المحلّلين بين تمسّك نتنياهو بمواصلة الحرب ومستقبله السياسي. هذا ما يقوله خصومه في المعارضة الصهيونية. الصحيح أن الأخير يريد تحقيق رؤية استراتيجية للصهيونية الدينية تُنهي احتمال قيام دولة فلسطينية، لذا يسعى إلى خوض حرب شاملة مستغلّا تأييد قادة جيش الكيان هدفَ القضاء على تهديد حزب الله وإيران. من هنا يأتي رفضه وقف الحرب في قطاع غزّة كي يبقي احتمال شن هجوم على لبنان قائماً، ويفشل خطّة بايدن التي تنتهي بحلّ الدولتين، وانتظار الانتخابات الأميركية، حيث ترجّح التوقعات فوز ترامب فيها، كي يضمن الحصول على ضوء أخضر أميركي للهجوم على حزب الله، وتأمين دعم سياسي لأهدافه الاستراتيجية في رفض قيام دولة فلسطينية. وهذا جعل محاولات الإدارة الأميركية وقف الحرب بين حزب الله والكيان عبثاً، حيث لا يمكن وقف الحرب في لبنان من دون وقفها في فلسطين، فالترابط قائم في ضوء ربط حزب الله ومحور المقاومة، الذي يعمل على إنقاذ حركة حماس ومنع هزيمتها، وقف الحرب هنا بوقفها في قطاع غزّة.

باتت حربٌ شاملةٌ محتملةً جدا في ضوء حاجة أطراف الصراع لها، رغم ما تنطوي عليه من أخطار وخسائر بشرية ومادية، فالكيان الصهيوني يتحدّث عن حاجته لنصر استراتيجي، وإيران ومحور المقاومة يعملان على منع حصول ذلك، والولايات المتحدة تسعى إلى منع حصول حرب شاملة، لكنها لا تستطيع البقاء خارجها إذا وقعت.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اتّساع نطاق الضربات المتبادلة وتنّوعها بين حزب الله اللبناني وجيش الكيان الصهي.وني، باستخدام الحزب أصنافاً جديدةً وقويةً من الذخائر والمسيّرات والصواريخ لضرب أهداف عسكرية ومراكز تقنية عسكرية صهيونية ردّاً على اغتيال كوادره الميدانيين بالمسيّرات الصهي.ونية، هل ستنتقل الى مواجهة شاملة؟ الجميع لا يرغب ولا يريد، الدبلوماسية بين ملالي طهران والمايسترو الأمريكي ستحقيق ذلك بمكتسبات ايرانية؟.

زر الذهاب إلى الأعلى