عز الدين شكري فشير روائي مصري قرأنا أغلب رواياته، مميز، ومواكب للحالة السياسية والمجتمعية لمصر المعاصرة، يعتبر- برأيي- من أهم الروائيين العرب المعاصرين.
.رواية باب الخروج؛ رواية تحاول مواكبة الثورة المصرية بعد مضي عام عليها؛ وتدخل في باب روايات قراءة المستقبل، أحداثها تنتهي في عام 2020.
.تعتمد الرواية صيغة المتكلم، فهي رسالة من الأب علي إلى ابنه يحيى، وتعتمد طريقة الخطف خلفا؛ حيث يمثل علي أمين سر الرئاسة في مصر، يكون مرافقا للواء المنيسي- رئيس الاستخبارات المصرية- على سفينة صينية تحمل قنابل نووية بشكل مموه، لتنقل لمصر ومن ثم تستخدم في ضرب مواقع (إسرائيلية) في سيناء المحتل جزئها الشرقي، كل ذلك بمعرفة رئيس الجمهورية المصرية الجنرال القطان، وعلي كان أخبر الأمريكان بالعملية ينتظرهم ليلقوا القبض على الشحنة وعليهم.
.علي يكتب لابنه رسالة يوضح له فيها لماذا حصل معه ما حصل، ووصل لمرحلة (يخون) فيها وطنه ويقدم فيها الشحنة للأمريكان. الرسالة هي الرواية.
.يبدأ علي من الحديث عن نفسه بأنه ابن ضابط في المخابرات المصرية يعمل ملحقا عسكريا بالسفارة المصرية في الصين، وان شبكة علاقات والده هي مع رجالات الدولة المصرية وضباطها والطبقة المحيطة بالرئيس آنذاك (دون ذكر اسم الرئيس حسني مبارك؛ كمجهول معلوم!). يتحدث عن دراسته الجامعية التي كان يتابعها عن بعد؛ هو بالصين وجامعته في القاهرة، سيتقن الصينية- رغم صعوبتها- والسبب انه تعرف على فتاة صينية معه في معهد اللغة وأحب كل منهما الآخر، ما أدى لتفاعل كبير بينهم ساعده على اتقان اللغة الصينية، وكان إتقانه للصينية مدخلا لتغير نوعي في حياته، ففي أحد اللقاءات الكثيرة التي تحصل في البيت عندهم بين مسؤولين مصريين وصينيين، سيلتقي علي بالضابط الكبير القطان بصحبة بعض الضباط الصينيين ومعهم مترجم صيني، ويتابع الحوار والترجمة ويتدخل مصححا بعض الترجمة، ويلفت نظر الضابط القطان ورئيس الضباط الصينيين، ويعجبون به وكفاءته، يعده القطان ان يجعله يخدم بعد انتهاء دراسته في القصر الرئاسي مترجما كجزء من فريق الرئيس، داعبت الاحلام والامنيات علي وعائلته، واستمر بالدراسة في الصين لفترة، وعاد بعدها لمصر تاركا حبيبته الصينية وراءه، متابعا طموحه بأن يكون مترجما في فريق الرئيس، وهكذا كان. يوظف علي في القصر الرئاسي، ويكتشف أنه دخل عالما مقننا لدرجة فائقة، فعمله كان بداية بلا عمل، ثم اعطي بعض المقالات للترجمة، ثم اكتشف أن الحاكم في مؤسسة الرئاسة شبكة العلاقات والمصالح الكل مع الكل، سيصبح أقرب لدائرة الرئيس، ويحضر بعض الجلسات ويكتشف أن أغلبها شكلية هدفها ان تظهر أن هناك لقاءات بين الرئيس ومسؤولين وانهم تداولوا بقضايا مهمة، ولكن الحقيقة انه وجد ان اغلب اللقاءات فارغة المضمون، وأن لا صلة بين ما يناقش باللقاءات وما يدعى، يقترب اكثر من حقائق الأمور، ويعرف أن الرئيس وشبكة علاقاته تعيد تدوير مشكلات الواقع دون حلها، وان مشكلات المصريين مستعصية على الحل، وأن الطبقة المتواجدة حول الرئيس والرئيس نفسه، يرعون مصالحهم المتضخمة والشعب ومشاكله خارج معادلاتهم ابدا. يستمر علي في عمله إلى أن تحصل الثورة المصرية في 2011، الثورة التي كان علي يدرك مع الفريق المحيط بالرئيس أسباب حصولها؛ المشكلات الحياتية التي كان يعاني منها الشعب المصري على كل المستويات، والتي لم يقم الحكم في مصر بأي عمل جدي لحلها، لم يكن هناك سؤال عن سبب الثورة؟ بالنسبة للرئيس وفريقه، ولكن لماذا الآن ومن وراءها؟ حاولت السلطة أن تواجه الثورة بكل الوسائل، لكنها لم تنجح وكان هناك صراع بين أجهزة الدولة الرئيسية حول كيفية إدارة الصراع مع الثورة والثوار، الجيش والداخلية وأجهزة الأمن الرئيسية الثلاثة؛ أمن الدولة والمخابرات العامة والمخابرات العسكرية، لكل رأيه، ومؤسسة الرئاسة ضائعة بين الكل. كان آخر محاولة للتصدي للثورة قبل تنحي الرئيس هي معركة الجمل ومحاولة اجتياح ميدان التحرير التي فشلت، يذهب علي إلى ميدان التحرير، ويشارك هناك مع الناس بالاعتصامات، ويرى واقع الناس وإصرارهم على الانتصار لمطالبهم؛ بأن تعالج مشكلاتها المزمنة بشكل جذري على كل المستويات. علي الذي سيكون محتارا و ضائعا بين الناس وحقها بمطالبها، وبين رجال السلطة وأجهزتها التي تصر أن تستمر في مناصبها لمصالحها الخاصة ولو دمرت البلد وهضمت حقوق كل الناس. علي سيكتشف أولا بأول انه مجرد شاهد زور في تركيبة السلطة التي تنتهك الحقوق، وان شعورا بالامتلاء النفسي في موقعه، لا يلغي مسؤوليته وبداية إحساسه بتأنيب ضميره ولكن لا يعرف كيف يتصرف. ستنتصر الثورة ويتنحى الرئيس لكن الثوار يدخلون في دوامة صراع بيني برعاية أجهزة السلطة المفترض أنها ساقطة، فالجيش يظهر أنه يلزم الحياد لكنه ينتظر الفرصة لينقض على السلطة ويعيد الأمور كما كانت، كذلك بقية الأجهزة الأمنية التي كان علي قد تواصل مع ممثليها في كل المراحل، ستقع الثورة في صراعاتها الذاتية على مدى سنواتها المتتالية إلى 2020، فلا توافق بين شباب الثورة المطالبين بالحقوق الشعبية المباشرة، ولا توافق مع تيار الإخوان، ولا مع التيار السلفي، ولا مع تيارات المجتمع المدني، كل ذلك يتم استخدامه من قبل بقايا السلطة وأجهزتها من أجل استمرار هيمنتها وعودتها إلى وضعها السابق؛ قابضة على مصر والمصريين ولو أدى ذلك لضياع مصر وشعبها. يدخل علي في متابعات مسار الثورة وصراعاتها وتصفياتها الذاتية، وكأنها تحاول وعي ذاتها. الاكيد ان الناس توافقوا على ضرورة الثورة لرد المظلومية المجتمعية والسياسية، لكنهم مختلفون في كيفية رد هذه المظلومية واسترداد الحقوق وبناء الحياة الأفضل، يستهلكون سنوات من الجهد والصراع ووقوع الآلاف من الضحايا وهم يتلمسون طريقهم لبناء المستقبل، الديمقراطيون وعجزهم عن قيادة المركب، وتيار الإخوان وإصرارهم على التفرد، وانهم الأكفأ والأكثر عدة وعددا لقيادة المسار للمستقبل، والسلفيون وإغراقهم في بنيتهم الفكرية والسلوكية، وعدوانيتهم بحيث يستحيل أن يتفاهموا مع غيرهم، سيتصدى صديق علي الدكتور عز الدين فكري لقيادة مسار التغيير من خلال إعادة التأسيس مجتمعيا للتيار الديمقراطي وبين الشباب وعبر مصر كلها، ينجح في العمل وسط الشباب ميدانيا، لكنه يتحول لسفاح عندما يستلم زمام الأمور في حكومة يكون رئيس وزرائها، يستطيع أي طرف افشال اي عمل جماعي مجتمعي، لكن لا نجاح إلا للعمل الذي يتطلب توافقا بالأغلبية إن لم يكن بالإجماع، يحاول عز الدين فكري أن يقود التغيير لكنه سيصطدم تباعا ببعض القوى المجتمعية، ويقرر معالجة المخالفين بالتصفية والسجون والاعدامات بالآلاف، لكل مختلف ومخالف ليصل أخيرا إلى إعدام الأقرب له، وعندما تصبح اخطاؤه اكبر من ان تحتمل ينقض عليه الجيش والأجهزة الأمنية التي تستثمر أخطاءه ويتم إعدامه هو ايضا، وتعطي السلطة العسكرية فرصة أخرى لوجود سلطة منتخبة ديمقراطية، ينتخب رئيسا إخوانيا يعطونه احساسا بأنه يمتلك زمام المبادرة سياسيا ومجتمعيا، فيعيد العلاقات مع إيران وينجح باستجلاب المنح والمشاريع، لكنه سيعجز عن الإيفاء بفاتورة رد المعونات، سيفتح حدود مصر مع غزة وستتحول إلى مشكلة بدخول السلاح وضرب (اسرائيل)، يحرج دوليا ومن امريكا ويهدد بإلغاء مساعدتها، ويقبل شعبيا ويتحول لبطل، وتضرب (إسرائيل) وترد وتصل اخيرا لاحتلال شرق شبه جزيرة سيناء، ويسقط الرئيس لأنه سبب احتلال أراض مصرية. ويعود الحكم إلى الجيش وأجهزته الأمنية بعد تسع سنوات من الثورة، ولكي يتحول الحكم الى شرعية مدعاة، قرر الجنرال القطان الرئيس الجديد ضرب (إسرائيل) في سيناء ببعض القنابل النووية، ويتحمل ردهم ولو سقط ضحايا مصريين، لكنه يضمن ترسيخ الحكم عليهم تحت دعوى شرعية مواجهة (إسرائيل) وحربها، أما على مستوى الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فمصر تدخل في مزيد من العجز الاقتصادي وفقدان الأمان والأمل مجتمعيا…
.اما على المستوى الشخصي لعلي، فهو يعيش حياته الخاصة مواكبة لعمله في القصر الجمهوري من مترجم ليصل إلى أمانة السر، انه شاهد على كل شيء، يدرك عمق المأساة، واستحكام طبقة السلطة في مفاصل الدولة والمجتمع، وانهم رغم الثورة ومرور السنوات عليها ما زالوا يعملون للقضاء على مطالب الناس واعادة الدولة الى ما كانت عليه؛ هيمنتهم وسيادة مصالحهم، مستثمرين كل الممكنات بما فيها العلاقات الدولية والإقليمية، واستدعاء الصراع مع (إسرائيل) للتستر وراءه لمنع قيام دولة ديمقراطية تحاول أن تحل مشكلات الناس وتبني لهم دولة الحرية والعدالة، سيكون قليل الإدراك لما يحصل في بلاده، وسيكون بعيدا عن مشكلات وهموم اغلب الشعب الفقير الضائع، علاقته مع عز الدين فكري صديق عمره ستجعله اقرب لوعي ما يحصل، عز الدين الذي يحصل على الدكتوراه في السياسة من أمريكا، ويعود لينفذ أفكاره الإصلاحية، ونتائجها الكارثية عبر الإعدامات على الناس، سيتبنى القطان علي ويضعه تحت جناحه و يزوجه ابنته التي ستنجب له ابنه يحيى، ستجعله علاقة القرابة مع القطان قريبا دائما من دائرة القرار في الرئاسة، أما وضعه الأسري فيبقى أسير هيمنة القطان على عائلته، لدرجة أن تغادر زوجته مع والدها إلى بريطانيا ايام الثورة دون إذنه ومع ولده، سيتعرف على نور الممثلة المسرحية التي يكتشف انه يحبها، وينخرط مع الناس في ميدان التحرير، ويكتشف واقعهم، ويقرر ان ينتقل اخيرا من متفرج الى فاعل، سيدرك عمق اللعبة التي تحصل في مصر، وان طبقة الحكم مستعدة ان تدمر مصر وتقتل شعبها لتستمر حاكمة للبلد ومحققة مصالحها الخاصة الضيقة. عند لحظة الوعي هذه يقرر علي أن يسلم الشحنة النووية للأمريكان، وان يكتب رسالته هذه لولده، وأن يقوم بدوره مهما تواضع لإنقاذ ما يمكن انقاذه في مصر.
تنتهي الرواية حيث علي ينتظر الأمريكيين أن يصلوا ليقبضوا عليه وعلى السفينة والشحنة النووية.
في قراءة الرواية نقول:
ان الكاتب اراد ان يقدم شهادته باكرا على الثورة المصرية في السنة الثانية، وإن يتحدث عن مشاكل السلطة والمجتمع والقوى السياسية واحتمالات المستقبل، نجح بشكل ما، وضمن لعبة تخفٍّ واضحة، أن يضعنا في واقع مصر، وكيف استعادت الطبقة الحاكمة في مصر السلطة والهيمنة على المجتمع، وكيف أسقطت الثورة عمليا؛ عبر تحالف بين الجيش والأمن بفروعه وحلفائهم من رجال المال والأعمال، وكيف عادت مصر دولة استبدادية قمعية تفرض حضورها على شعبها بالقمع، ومع دول الاقليم والعالم عبر بيع مواقفها لحماية اهم لاعبين في منطقتنا العربية، (اسرائيل) وامريكا. وهكذا حصل للأسف، ومن هنا قوة الرواية وابداعاتها.
20.11.2017…