رغبة بكين في أن تلعب دور بطلة الجنوب العالمي تدفعها باتجاه تشديد سياساتها
من خلال معاداة إسرائيل تسعى بكين إلى رفع مكانتها كبطل للجنوب العالمي، مع تمتين الشراكة مع إيران وروسيا في “محور المقاومة” ضد أميركا والغرب
يسلط ديريك غروسمان، وهو أحد كبار محللي شؤون الدفاع في “مركز راند الأبحاث” ومستشار سابق للاستخبارات في الـ “بنتاغون”، الضوء في مقالة له في موقع “نيكي آسيا” الياباني على التباعد الحاصل بين الصين وإسرائيل منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لافتاً إلى معارضة بكين المبدئية عملية إسرائيل العسكرية في غزة.
وأشار غروسمان إلى أن رد فعل بكين المفاجئ على هجمات “حماس” والحملة الانتقامية التي تشنها إسرائيل ضد الجماعة في غزة، أديا إلى معاكسة التقارب الخجول الذي شهدته الفترة السابقة لهذه الأحداث.
ولفت غروسمان إلى استضافة بكين وفداً من “حماس” الشهر الماضي وعدم إدانتها هجوم السابع من أكتوبر، على رغم حملاتها الرسمية واسعة النطاق ضد الجماعات والأفراد الذين ربطتهم بالإرهاب الإسلاموي المحلي، كما لفت إلى موقف بكين خلال جلسة استماع لمحكمة العدل الدولية بلورها مسؤول الإدارة القانونية بوزارة الخارجية بالشكل التالي، “في السعي إلى تحقيق الحق في تقرير المصير، يستخدم الشعب الفلسطيني القوة لمقاومة القمع الأجنبي واستكمال إنشاء الدولة، والحصول على دولة مستقلة هو حق مطلق وراسخ في القانون الدولي”.
وأشار غروسمان إلى انتشار منشورات معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، والتي بحسب قول الخبير، لا شيء يحصل على صفحاتها من دون علم ومباركة الحكومة الصينية أو سماحها في الأقل.
كما اعتبرت بكين من فترة أن الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل رداً على غارة إسرائيلية على مجمع دبلوماسي إيراني في دمشق “من أعمال الدفاع عن النفس”.
وبحسب غروسمان فإنه يبدو أن موقف الصين يعكس الرغبة في وضع نفسها كبديل للولايات المتحدة وللنظام العالمي الذي تقوده واشنطن، ولا يقتصر نفوذ الصين المتنامي في الشرق الأوسط على تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع إيران وحسب، بل يشمل أيضاً إقامة علاقات وثيقة مع دول المنطقة العربية والشرق الأوسط.
وأظهرت استطلاعات الرأي قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023 أن الإسرائيليين منقسمون بالتساوي في نظرتهم تجاه الصين.
واليوم فمن المرجح أن تكون النتائج أقل إيجابية بكثير، بحسب غروسمان، وبحسب الروايات فإن بعض مواقع التسوق الصينية يقاطع، كما يبدو، وأن مجتمع الأعمال الإسرائيلي يتحول من الصين إلى الهند.
ويرى غروسمان أنه إذا استمر التباعد فقد تسعى تل أبيب إلى إلغاء الامتياز الذي تدير بموجبه “مجموعة شنغهاي الدولية” للموانئ المملوكة للدولة محطة حاويات رئيسة في حيفا، أكبر ميناء للشحن في البلاد، كما تحث واشنطن.
ومن الممكن أن يضع التباعد أيضاً عقبات جديدة أمام وصول الصين إلى التكنولوجيات التجارية ذات الاستخدام المزدوج، مثل القدرات السيبرانية الحساسة والأقمار الاصطناعية والمعدات الإلكترونية، والتي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
وحتى لو عاد الهدوء للشرق الأوسط في المستقبل القريب، فقد أظهرت بكين موقفها الصريح، فهي تعارض بشكل أساس أي عمليات عسكرية إسرائيلية حتى لو كانت دفاعاً عن النفس، كما أوضحت في مطالبتها وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، ودعمها الصريح لإنشاء دولة فلسطينية والاعتراف بها.
وبحسب غروسمان فإن ذلك يرجع في الغالب إلى سعي بكين نحو رفع مكانتها كبطل للجنوب العالمي، بخاصة مع الصعود الكبير لمنافستها الهند.
وتعمل الصين أيضاً على تعزيز شراكتها مع إيران بالتنسيق مع روسيا، الشريكة في “محور المقاومة” ضد الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية.
وكما كانت الحال مع حرب أوكرانيا فإن موقف الصين كصانع للسلام في الشرق الأوسط يفتقر إلى الصدقية بسبب موقفها الأحادي الجانب، ولا يمكن لبكين أن تتوقع أن يؤخذ خطابها على محمل الجد عندما تكون متعجرفة للغاية في مبادئها.
المصدر: اندبندنت عربية