لم يكن من المفاجئ أن تستخدم روسيا، إلى جانب الصين، حق النقض ضد مشروع قرار تمديد مجلس الأمن الدولي العمل على توفير المساعدات الإنسانية لسوريا، الذي تنتهي صلاحياته في 14 من الشهر الجاري. وكانت روسيا قد خرجت رسمياً، قبل أيام، من الآلية الأممية لفض النزاعات في سوريا deconflicting، الذي تتحدد بموجبه المواقع المدنية، التي تحتاج للمساعدات الإنسانية، مثل المدارس والمستشفيات والمواقع الدينية وسواها. وبررت موسكو قرار انسحابها هذا بالقول أنها بذلك حرمت الغرب من إمكانية فبركة الأخبار الكاذبة في سوريا بشأن المؤسسات، التي تحتاج للمساعدات الإنسانية. وقال ممثل روسيا الدائم لدى المنظمة الدولية فاسيلي نيبنزا، بأن الآلية المذكورة كانت المشاركة فيها طواعية، ولم تكن مدعمة بأية قرارات من مجلس الأمن الدولي، أو أية أسس قانونية أخرى. وأشار إلى أن التحقيقات الروسية قد أظهرت أكثر من مرة، أن بعض المواقع، التي تشملها آلية فض النزاعات هذه، كانت تستخدم في الحقيقة كهيئات أركان للإرهابيين، ولهذا لا يمكن إضفاء صفة المواقع المدنية عليها، كما نقلت عنه صحيفة الكرملين “vz” نهاية الشهر المنصرم.
وكتبت الصحيفة بمناسبة ذلك الانسحاب تقول، بأن الخديعة في تلك الآلية كانت تتمثل في تشكيل قوائم الأهداف الإنسانية، حيث كان بوسع أي إرهابي ملتح أن يتصل بمكتب الأمم المتحدة ويعلن أن “إسطبل” قيادته قد أصبح مستشفى، ويطلب إبلاغ “الأسديين والروس” بأنهم إذا قصفوه فسوف تعتبر جريمة حرب. لكن الإستطلاع كان يكشف أن الإسطبل لم يكن يوماً مستشفى بل مقر أركان الإرهابي، الذي كان يمحى من الوجود مع مقره في النهاية، وتبدأ الصحافة البريطانية بالصراخ، بأن “الروس الأشرار” قاموا مجدداً بقصف مستشفى في إدلب. وتزعم الصحيفة أنه تم في حينه تسجيل 40 مستشفى في حلب بهذه الطريقة، وهو ما لم يكن متوفراً في المدينة حتى قبل الحرب السورية.
وبعد أن تتحدث الصحيفة عن أسباب أخرى لانسحاب روسيا من هذه الآلية، وتأخرها في هذا الإنسحاب حتى الآن (23 الشهر المنصرم)، تقول بأن منظمات الآمم المتحدة المعنية لم تنظم منذ العام 2016 سوى قافلتين للمساعدات الإنسانية، وليس بسبب حظر الروس أو الأسديين للقوافل، بل بسبب العقوبات الأميركية على سوريا. وتتساءل الصحيفة: فلماذا إذاً هذه الآلية “الملعونة ثلاثاً؟. فهي تحولت في الواقع إلى أداة للإبتزاز وفبركة الأكاذيب، وإلى موقع ملائم للقيام بعمليات الإستطلاع من قبل العاملين في البعثات الإنسانية الناطقين بالإنكليزية.
وفي تبريرها للفيتو الروسي الأخير في مجلس الأمن بشأن معابر المساعدات الإنسانية لسوريا، نقلت الصحيفة عن المستشرق الروسي المعروف ألكسي ملاشنكو قوله، بأن موسكو استخدمت حق الفيتو لأنها لم ترغب في تعزيز دور تركيا في إيصال المساعدات لسوريا. ويقول مالاشنكو، بان ثمة نوعاً من عدم الثقة بين روسيا وتركيا، ولم تكن موسكو لترغب قي تنامي دور تركيا في مثل هذا الوضع، حيث ستكون المساعدات الإنسانية متوقفة كلياً على تركيا (في حال سماح روسيا بأكثر من معبر على الحدود التركية) وانخفاض مسؤولية روسيا عن هذه المساعدات. ويرى أن حجب روسيا لمشروع القرار هذا يظهر ثقة روسيا بقوتها، وينفي أن يكون لسوريا تأثير على موقف روسيا. لكن بعد الفيتو هذا سوف يأخذون، عل الأغلب، باتهام روسيا بعرقلة العمليات الإيجابية في سوريا، حيث سيقولون بأن الروس يمكنهم الحرب في سوريا، لكن ما إن يصبح الأمر متعلقاً بالمساعدات الإنسانية حتى يبدؤون بإثارة المشاكل.
ويفترض مالاشنكو بأن الأميركيين بحاجة لممرات إنسانية تتجنب عبور دمشق، وذلك لرفض واشنطن الإعتراف بشرعية رئاسة بشار الأسد. إضافة إلى ذلك، يرى الرجل أن الأميركيين يتقربون من الأتراك في ظل العلاقات الباردة بين الرئيسين التركي والأميركي، ويفترضون أن مثل هذا القرار سيعتبر يداً ممدودة من واشنطن لأنقرة، أو على الأقل إصبعاً ممدوداً.
وتنتهي الصحيفة إلى التذكير بأن روسيا كانت قد استخدمت الفيتو في شهر كانون الأول /ديسمبر الماضي في مجلس الأمن ضد مشروع قرار للغرب كان يَفترض الإبقاء على ثلاثة معابر للمساعدات الإنسانية إلى سوريا، مما دفع الغرب لاحقاً إلى حجب قرار روسي لمساعدة سوريا.
إن استخدام الكرملين الفيتو الأخير لإسقاط الآلية الأممية لمد السوريين بالمساعدات الإنسانية، وانسحابه قبل ذلك من آلية فض النزاعات لتحديد المواقع السورية، التي تحتاج لمثل هذه المساعدات، يشير إلى فشل محاولات الكرملين إلقاء مسؤولية إفشال العملية السلمية على عاتق النظام السوري منفرداً، وتبرؤه من هذه المسؤولية. ويؤكد ما ذهبت إلية صحيفة “لوموند” الفرنسية في السابع من الشهر الجاري، حسب أحد المواقع الناطقة بالروسية، حيث قالت بأن ساعة الحقيقة قد حلت بالنسبة لبوتين في الشرق الأوسط، فهو إذ ربط مصير سياسته الشرق أوسطية بالأسد، وقع في فخ الواقع السوري المخادع. فبعد خمس سنوات على “العودة الكبرى” لروسيا إلى المنطقة، تواصلَ خلق العراقيل بدلاً من تقديم خطة دولية حقيقية للعملية السلمية في سوريا. وقد أصبح واضحاً، حسب الصحيفة، أن استخدام القوة ضد أي شكل من أشكال المعارضة، أصبح هو الهدف بذاته، لأن جميع نجاحات الأسد كانت بفضل الكرملين، وأصبح الوضع شبيهاً بمعادلة لا حل لها “الأسد خاسر من دون موسكو، وموسكو ضائعة من دون الأسد”.
والحقيقة أن الكرملين يثبت أن حديثه عن العملية السلمية، ليس سوى مناورة لمواصلة الحرب السورية واستخدامها ليس لصالح السلام في سوريا والشرق الأوسط ككل، بل لصالح استراتيجيته في مجابهة الغرب. فقد كتبت صحيفة القوميين الروس”sp” في 4 من الشهر الجاري مقالة بعنوان “بوتين يخدع الغرب: خبأوا صواريخ “إسكندر” في سوريا وحولوها إلى حقل اختبار روسي”. وتقول الصحيفة بأن سوريا اصبحت حقل التجارب الأكبر للجيش الروسي، ويمكن الإستدلال على ذلك من قول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بأنه قد جرى اختبار أكثر من 300 نموذج من الأسلحة الجديدة، وحصل أكثر من 50 الف ضابط وجنرال على الخبرة القتالية، كما مر على سوريا الكثيرون من منتجي الأسلحة ومصمميها. وتم أكثر من مرة اختبار المقاتلات من الجيل الخامس su-57 ودبابات “Armata T-14″، كما اختبرت على قواعد الإرهابيين الصواريخ المجنحة “كاليبر” والكثير من نماذج المعدات العسكرية والذخائر، ولم تبق دون اختبارها في سوريا سوى منظومات الصواريخ الإستراتيجة “Yris”. كما جرى في سوريا ايضاً اختبار “رعب الغرب وخوفه” منظومات الصواريخ التكتيكية العملانية “إسكندر ـــــــ M” .
وتنقل الصحيفة عن خبير عسكري روسي قوله، بأن بوتين قد احتال مرة أخرى على الغرب بصواريخه “إسكندر”، التي “خبأها” في سوريا، والتي تم تطويرها حتى الكمال في الظروف القتالية. لقد انتفت ضرورة استخدام هذه المنظومات الآن في سوريا، حيث يتولى الطيران قصف معظم الأهداف، لكن المنظومات بقيت في قاعدة حميميم (4 منظومات، إفتراضياً). لكنها لم تبق للإختبار، فمنظومات “إسكندر ـــــــ M”، التي يبلغ مداها بين 2500 و5000 كيلومتر، يمكن أن تصل من سوريا إلى القواعد الأميركية في أوروبا ، وتبلغ فرصوفيا أو بوخارست.
المصدر: المدن