بعد مرور يوم واحد على استخدام موسكو وبكين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع تبني قرار بتمديد دخول المساعدات الإنسانية عبر معبرين حدوديين في شمال سوريا، سارت موسكو خطوة إضافية نحو توسيع هوة التباينات مع المنظمة الأممية حول الوضع في سوريا، عبر توجيه انتقادات قاسية لتقرير أعده خبراء تابعون للأمم المتحدة عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خلال الشهور الأخيرة في عدد من المناطق السورية.
وحمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوة ضد نتائج تحقيق أجرته لجنة تابعة للأمم المتحدة، خلص إلى تأكيد أن النظام السوري والطيران الروسي، ارتكبا انتهاكات تصل إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية في عدد من المناطق السورية.
وقال إن بلاده ترفض نتائج عمل هذه اللجنة التي وصفها بأنها ليست مستقلة ولم تحصل على تفويض أممي، كما شكك في آليات عملها، وقال إنها استقت معلوماتها واستخلاصاتها من جهات تحيط شكوك بصدقيتها. وزاد لافروف خلال لقاء افتراضي، أمس، مع نظرائه وزراء الخارجية في «المجموعة الثلاثية» لدول الاتحاد الأفريقي، (الكونغو ومصر وجنوب أفريقيا)، أن «قضايا الصراع السوري يجب أن تُحسم على أساس حقائق ملموسة، وما يسمى اللجنة المستقلة بشأن سوريا لا تفي بهذا المعيار».
وكان التقرير أكد أن السلطات السورية يمكن أن تكون قد قامت بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الفترة بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ويونيو (حزيران) 2020، عندما تم استعادة محافظتي حلب وإدلب من المسلحين. وفي الوثيقة نفسها، تم اتهام المتشددين في «هيئة تحرير الشام» وجماعات مسلحة أخرى بارتكاب العديد من الجرائم ضد المدنيين.
وقال لافروف إن اللجنة التي تطلق على نفسها اسم لجنة تحقيق مستقلة في سوريا، لم يتم إنشاؤها بالإجماع، وتفويضها يثير العديد من الأسئلة، وكذلك أساليب العمل. وأضاف أن «قرار إنشاء هذه اللجنة مدفوعا، أولاً وقبل كل شيء، من قبل الدول الغربية التي سعت إلى تغيير النظام في سوريا، وبالتصويت في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تم إنشاء آلية للهدف المحدد: البحث عن أدلة ضد دمشق وضد أولئك الذين يسمونهم حلفاء لدمشق». كما أشار لافروف، إلى أن «هذه اللجنة لم تذهب قط إلى إدلب، وتستخدم معطيات من الشبكات الاجتماعية ومن بعض المصادر لجمع المعلومات».
وكانت روسيا قد رفضت كل نتائج لجان التحقيق التي شكلتها الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية، وبينها المتعلقة بتقصي الحقائق حول استخدام أسلحة محرمة، أو ارتكاب جرائم يمكن وصفها بأنها جرائم حرب.
وقالت الخارجية الروسية أكثر من مرة، إن هذه اللجان «تعتمد على مصادر المعارضة»، وإن نتائج عملها «ليست إلا جزءا من أساليب الحرب الإعلامية التي تخاض ضد روسيا».
وجاء التصعيد الروسي ضد اللجنة الأممية، بعد يوم على تعطيل قرار في مجلس الأمن حول استمرار عمل المعابر الحدودية مع تركيا لمرور المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وأعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، أن روسيا جهزت مشروعا بديلا لقرار نقل المساعدات الإنسانية. وأوضح أن المشروع الروسي يقضي بتمديد آلية نقل المساعدات الراهنة لمدة نصف عام، مع الحد من عدد المعابر ليكون هناك معبر واحد عامل، وهو باب الهوى.
ولفت إلى أن «آلية نقل المساعدات هذه كانت مؤقتة أصلا، وحان الوقت لإنهاء عملها نظرا للتغيرات على الأرض في سوريا». مشيرا إلى قناعة موسكو بأن معبرا واحدا سيكون كافيا لنقل المساعدات، بعد تقلص المساحة المتبقية تحت سيطرة المسلحين في إدلب بنسبة ثلاثين في المائة، وتلبية احتياجات المدنيين هناك. وأشار إلى أن 14 في المائة فقط من المساعدات، تم نقلها عبر معبر باب السلام. ودعا نيبينزيا جميع الأطراف المعنية، إلى المساهمة في نقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا، و«عدم تسييس الملف، ودعم مشروع روسيا الذي سيضمن استمرار تقديم المساعدات لسكان إدلب».
وكانت موسكو أفشلت قبل شهور تمديد العمل بالآلية الأممية لنقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود والتي بدأت بالعمل منذ عام 2014، وكانت تستخدم 4 معابر لنقل المساعدات. وبررت موسكو موقفها في حينه، بأن هذه المساعدات يجب أن تمر عبر السلطات السورية، وأن يجري توزيعها بالتعاون مع دمشق لتشمل كل المناطق السورية وليس مناطق المعارضة فقط.
ميدانيا، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الجانب الروسي في لجنة رصد الانتهاكات في سوريا المشتركة مع الجانب التركي، رصد سبعة انتهاكات لنظام وقف النار خلال الساعات الـ24 الماضية، في مقابل انتهاك واحد تم رصده من الجانب التركي. وقال البيان الروسي إن إدلب شهدت وقوع خمسة انتهاكات في مقابل انتهاك واحد في كل من حلب واللاذقية. فيما سجل الجانب التركي حادثة واحدة لإطلاق نار في محافظة إدلب.
وكانت موسكو أعربت عن ارتياح لسير تنفيذ اتفاق وقف النار، ورأت وزارة الدفاع أن الانتهاكات المحدودة لا تؤثر على الوضع في المنطقة. كما أكدت موسكو أن الانتهاكات تقع من جانب مجموعات متشددة محدودة، وليس من جانب قوات المعارضة السورية القريبة من تركيا.
المصدر: الشرق الأوسط