ريم بسيوني روائية مصرية متميزة، لها العديد من الروايات، روايتها أولاد الناس حصلت على جائزة نجيب محفوظ عن عام ٢٠٢٠م، وهي رواية طويلة ٧٥٨ص من القياس المتوسط
تبدأ الرواية من زيارة ياسمين لوالدها الدكتور صلاح في مصر، وهي القادمة من إيطاليا حيث تعيش مع والدتها، والدها د. صلاح المهتم و المنشغل بالتاريخ المصري. أعطاها والدها أوراق رواية كتبها لنشرها بعد حين. الفتاة غير مقتنعة بذلك، تهمل الرواية لسنوات، تترك الرواية لابنتها جوزفين التي ستنشرها بعد ذلك.
تعود أحداث الرواية الى عام ١٣٠٩م في مصر حيث سيطرة المماليك على البلاد والعباد. نتابع في سوق المدينة محلا لبيع الاقمشة للتاجر أبا بكر، يساوم إبنه أحمد احد جنود المماليك كان مع أحمد خطيب أخته حسن، يناقشهم الجندي على شراء قطعة قماش، ولم يتفقوا على السعر، فيتلف المملوكي القماش. يصطدم مع أحمد وحسن الذين رفضوا فعله، فيقرر المملوكي أن يأخذهما إلى السجن، وهذا يعني تعذيب وسجن طويل وقد يكون مصيرهما القتل. تخرج زينب بنت التاجر بعد ان علمت بما حصل تبحث عن أمير المماليك محمد المسؤول عن الجندي، طالبة منه الرحمة والعدل، تركض حاسرة الرأس تصرخ مستنجدة، تصل للأمير محمد الذي يستغرب تصرفها. النساء لا يظهرن وجوههم ولا يتابعون الشأن مع المماليك. وصلت اليه حدثته بقصة اخيها وخطيبها، اعجبته جرأتها، لفت نظره فيها شيئا لم يعهده بالنساء سواء الأحرار او الجواري اللواتي يشترين للعمل والمتعة، كان تصرفها غريبا وجريئا في الحياة العامة في ذلك الوقت. أخبرها أنه سينظر في الأمر، لكنه فكر بزينب وأصبح يهجس بها. المماليك يعتبرون أنفسهم حرّاس مصر وشعبها، لقد صدوا المغول والصليبيين في وقت سابق، مهنتهم القتال والعمل العسكري، يعيش المملوكي حياة خاصة، فهو يُخطف صغيرا من بلاد الترك وما حولها، ويحضر الى أحد أمراء المماليك يعيش في كنفه، يسمى الاستاذ، يدرب على حياة القتال، ويتفرغ لذلك، ولاءه المطلق لأستاذه ولدوره القتالي عند أميره، بعض المماليك يتحولون الى عبيد يتم خصيهم و يخدمون في بيوت امرائهم، يحدث ذلك حسب كفاءة كل منهم، البعض يجتهد ليصبح اميرا واستاذا مثل أميره الذي ربّاه. يقسم المجتمع المصري وقتها إلى مماليك يحكمون عبر أمير مملوكي أو من ابنائهم يسمى منهم السلطان الذي يحكم البلاد ، يعبّر عن سلطتهم الجماعية على الشعب الذين يسمّون العامة، العامة الذين يعملون وينتجون ويقدمون الضرائب للمماليك التي يعيشون عليها، المملوكي لا عمل له سوى القتال، العامة مغلوب على أمرهم قد يكون السلطان المملوكي عادلا وكذلك امرائهم فتكون حياتهم مقبولة، وليس أمامهم الا القبول والتحمل، يتزوج المماليك من نساء مثلهم واولادهم يسمون اولاد الناس، فلا هم مماليك ولا هم من العامة، بعضهم يصبح أميرا او سلطانا، وأغلبهم ينخرطون مع العامة ويتزاوجون معهم ثم يذوبون فيهم.
كان موقف الأمير محمد من الخلاف بين الجندي وأحمد وحسن أولاد التجار حاسما، يجب أن لا يتجرأ ابن العامة على الجندي المملوكي الذي يجب الحفاظ على احترامه وسيطرته فهو حامي البلاد والعباد، لذلك قرر ان يحبس أحمد وحسن. لكن نفسه لم تبارح زينب تلك الفتاة التي واجهته بجرأة وسكنت جوارحه. ذهب لأهلها وقرر ان يتزوجها. كان ذلك سابقة في المدينة، فلم يكن يتزوج مملوكي يعتبر عبدا من فتاة حرة من العامة أهل البلاد، وان كان أميرا و ذا سطوة وسلطة ويتبعه مئات الجنود، ويمتلك الأراضي والعقار، إن زينب فتاة حرّة وكيف يتزوج العبد من الحرّة، رفضت زينب ذلك فهي مخطوبة كذلك لحسن، اهلها خافوا من الرفض، قبلوا على مضض مجبرين، أما هي فقد استمرت متمردة، واجهت الأمير محمد برفضها، تعلق بها أكثر و لم يكترث لرفضها وحدد ليلة الزواج، وتزوجها. الأمير محمد إنسان خبر الحياة وعاش قساوتها وتعلم الكثير عبر عمره الذي عاشه منذ خطفه صغيرا من بلاد الترك، وعيشه في كنف السلطان الذي كان أستاذه، تربى مع ابنه الناصر وأصبح جنديا ثم أميرا، عاش أجواء الصراعات والمكائد وتعلم كيف يبني قوته ويحمي نفسه ويصنع مجده الشخصي. قليل الكلام، لا يثق بأحد، سيفه حاضر دوما، يقضي على أي خصم باسرع وقت، في أعماقه يسكن طفل يتيم يفتقد الأمان، يحتاط في كل أمر، صنع قوته بدأب و جدارة. مات السلطان الذي رباه، كان ابنه السلطان الناصر الأجدر بالحكم بعده، نافسه على ذلك أحد الأمراء المماليك، كان الامير محمد مع السلطان الناصر الذي يعتبره بمثابة اخيه وتربى معه في كنف أبيه. السلطان الناصر كان ضعيف البنية و اعرجا ، لايمتلك قوة تحميه. لكنه كان عادلا وذو عقل وحكمة. قرر الأمير محمد أن يدعم السلطان الناصر ليتمكن من الحكم، خطّط للوقيعة بالأمير الذي اراد السلطنة، ألّب الأمراء الآخرين عليه حاربوه و هزموه وأعدم الأمير المتمرد. أصبح السلطان الناصر هو السلطان الشرعي للبلاد، وكان الأمير محمد أقرب الأمراء المماليك له، يتبادلان المشورة في كل شيء دائما.
نعود الى زينب التي تزوجها الامير محمد رغما عنها، كان وعدها والدها أن يشكوا للسلطان زواج ابنته من الأمير محمد بالإكراه وأن يطلّقها منه، تزوجها الأمير في شبه اغتصاب، كانت تواجه الأمير زوجها دون خوف وتتحداه في كل أمر، وهو يصبر عليها لأن في أعماقه مشاعرا تولدت بداخله اتجاهها. بعض الحب والاعجاب بتصرفها، كذلك روح التحدي التي تسكنها دون خوف من بطش الأمير. كل ذلك جعله يتعلق بها. اما هي فقد طالبته ان يفرج عن اخيها وخطيبها السابق، وهو وعدها ان اصلحت تصرفها معه ان يفرج عنهم، وهي صبرت عليه لذات السبب. لكن الحب والتوادد والتواصل الجسدي بينهما أدى إلى الحب والتعلق، وبعد وقت سيفرج عن أخيها وخطيبها السابق، وستكتشف أنها أحبت الامير وأنها طلبت من والدها ان لايفكر بالشكوى فهي سعيدة مع زوجها. وقررت لاحقا عدم تناولها أدوية تمنع الحمل كما كانت تفعل بداية زواجها، وبدأت تنجب الاولاد تباعا، خمسة اولاد: صبيان ثم فتاتان ثم صبي أسمته على اسم أبيه محمد. عاشت عمرا مديدا مع زوجها، اصبح الحب بينهما امثولة، دخلت في تلافيف نفسه وروحه. وهي أصبحت تعيش تعلقا شديدا به. فرضت عليه أن لا يعاشر أيا من الجواري وأن يقتصر عليها، كان راضيا وسعيدا. كانت زينب راجحة العقل وتتبادل مع زوجها الأمير المشورة في كل شؤونه، كبر الاولاد وأخذوا طريقهم في بناء مستقبلهم. كان الأمير محمد حذرا كل الوقت ويعتقد أن المملوكي خُلق ليقاتل وأن مصيره على الأغلب القتل، فهناك دوما ضغائن وفتن ومنافسين ومؤامرات تكون سببا لإزاحة طرف من الصراع. وبهذا الشكل وقع الأمير محمد ضحية عملية اغتيال وهو يصلي في الجامع الذي بناه وجعله وقفا للمسلمين. ذلك الجامع الذي عين فيه القاضي عبد الكريم الرجل العادل المنصف الذي احبه واحترمه وأخرجه من السجن، حيث كان ضحية ضغينة من قضاة آخرين يمالئون السلطان وأمراء المماليك على حساب العامة وضد مصلحتهم.
مات الأمير محمد وانقلبت حياة زوجته زينب وعائلته الى جحيم، افتقدت زينب لحبيبها وابو اولادها، وماتت بعد سنتين، تركت وراءها اولادها وقد تزوجوا جميعا، وشقوا طريقهم في الحياة. أما ابنها الصغير محمد فقد أخذه السلطان الناصر وضمه لأولاده وفاءا للأمير محمد الذي بقي يناصره حتى مقتله.
ظهرعلى محمد الصغير مواهب فنية، أحب الرسم، رصد داخل نفسه هاجس رسم الجوامع، شجعه من حوله على تنمية موهبته. كبر وفي نفسه أنه يود تخطيط جامع متميز لم يشيّد مثله.
عاشت مصر في كنف السلطان الناصر عقدين من العدل والخير، كان يعيش محمد الصغير في كنفه، بصحبة ابنه الحسن. وعندما توفي السلطان أصبح ابنه الحسن سلطانا بعد والده وكان محمد الصغير ملازما للسلطان الجديد، استشاره في أمر المسجد وشجعه عليه وقرر أن يشيّده من أموال الضرائب التي كان يجمعها بحكم كونه سلطانا. لكن ذلك لم يكن ليحصل دون تبعات. كان اولها أن أمراء المماليك لم يعجبهم هذا الصرف الذي لا يعنيهم والذي يكلفهم مالا يُصرف على بناء مسجد يخلّد السلطان وهم من يدفعون، بدوا يخططوا لقتله و اسقاطه عن السلطنة. كما أن منارة من منارات المسجد -قبل اكماله- سقطت فوق المصلين حيث بدؤوا الصلاة فيه، وقتل فيه المئات، واُعتبر فألا سيئا. كان مصير السلطان حسن القتل وغاب الداعم لبناء المسجد ماديا ومن السلطة. توقف العمل بالمسجد مؤقتا، واستمر هاجس بنائه في نفس محمد الصغير حتى استطاع اكماله بمساعدة السلطان الجديد حيث رضخ الأمراء المماليك. خوفا من رد فعل العامة في حال عدم إكمال بنائه وأن يكون ذلك فألا سيئا على مصر وأهلها وحكّامها المماليك. تم إكمال بناء المسجد وسمي مسج الحسن، وأصبح الأميز والأفضل والاكبر في عصره. وهكذا حقق محمد الصغير حلمه الذي عاش من أجله. لكن زلزالا سيحصل بعد ذلك بمئات السنين في يؤدي لهدمه ويبقى منه جدارا مدونا عليه اسم السلطان الحسن ومشيد البناء محمد بن محمد المحسني، وهو اسم محمد الصغير.
وهكذا تنتهي قصة الأمير محمد وزوجته زينب وابنه محمد مشيد جامع الحسن، وينتهي بذلك الجزء الأول من ثلاثية اولاد الناس.
في تحليل هذا الجزء نقول:
٠ تأخذنا الرواية عميقا في التاريخ المصري، إلى عصر المماليك. تعيدنا الى عصر لم نكن نعرفه بهذه التفاصيل، كان قد كتب جمال الغيطاني روايات تحدثت عن ذات المرحلة. المماليك الذين حكموا في مصر لمئات السنين وتركوا فيها آثارا وعمرانا ومساجد مازال بعضها خالدا للآن.
٠ تغوص الرواية عميقا في الواقع المعاش للناس، للمرأة والرجل. للإنسان في عمقه العاطفي والعقلي والاجتماعي. المملوكي المخطوف من صغره. تحول حياته للقتال والحرب. حياة الأمير بكل امتيازاتها، جواري وعبيد واراضي وعقار ومال وسطوة وجند. البعض يقاتل ويقتل، والبعض يتآمر ويصبح سلطانا، يعيشون دوامة حياة مختلفة. ينقسم أهل مصر بين العامة أهل البلاد والمماليك وابناءهم المسمين اولاد الناس.
أخيرا نحن نتتبع في الرواية صناعة مجد شخصي للأمير المملوكي محمد الذي استمر يقاتل ويبني مجده حتى مات غيلة، وحكاية ابنه محمد الذي بنى افضل مسجد في مصر.
وتستمر الحكاية.
٢٦/٥/٢٠٢٠.
رواية “أولاد الناس.” للروائية المصرية “ريم بسيوني” قراءة جميلة بالجزء الأول منها من قبل الكاتب “احمد العربي” الرواية يعود أحداثها الى عام ١٣٠٩م في مصر حيث سيطرة المماليك على البلاد والعباد. لتغوص بالمجتمع المصري إجتماعياً ومعيشباً بعصر المماليك .