هناك خيبة أمل مستمرة في أوساط أكراد سوريا جرّاء تعثر مشاريع التوافق والتقارب بين التيارات السياسية الكردية الأساسية، التي تجلّت في اتفاقيات سبق أن تم توقيعها بين العامين 2012 و2015، عُرفت باتفاقيات هولير الأولى والثانية، واتفاقية دهوك وملحقها. ذلك أن هذه الاتفاقيات لم تجد طريقها للتنفيذ، واستمرت الخلافات والصراعات العميقة التي أثرت بمجملها سلباً على أوضاع الأكراد خصوصاً، وعلى أوضاع عموم سكّان المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
واليوم، يشهد المسرح الكُردي في سوريا حوارات معمقة بين أبرز قطبين للحركة السياسية الكُردية في سوريا؛ المجلس الوطني الكُردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، برعاية أميركية وفرنسية، وبحضور السفير الأميركي لدى التحالف الدولي ويليام روباك. وأفضت الحوارات التي لا تزال مستمرة إلى إصدار بيان مشترك حول توصل الطرفين إلى «رؤية سياسية مشتركة ملزمة، والوصول إلى تفاهمات أولية»، كما ذكر البيان أن «اتفاقية دهوك عام 2014 حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع، تُعدّ أساساً لمواصلة الحوار والمفاوضات الجارية بين الوفدين بهدف الوصول إلى التوقيع على اتفاقية شاملة».
وفي وقت أثارت فيه هذه الأنباء ردود أفعال متباينة بين التفاؤل والتشاؤم في أوساط سكّان مناطق سيطرة قسد، وعلى وجه الخصوص من الأكراد، فإنها أثارت حفيظة بعض العشائر العربية في مناطق سيطرة قسد، وحفيظة شخصيات وتجمعات عربية، وهو ما تم التعبير عنه في سلسلة بيانات رافضة للحوار، طالب مصدروها بالكشف عن مضمون الاتفاق، وبعدم استفراد التيارات المتحاورة بتقرير مصير مناطق شمال شرقي البلد، وعدم الحوار مع الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، باعتبار أنهما امتدادٌ لحزب العمال الكُردستاني.
هل يكون الحوار الكُردي بداية لحوار سوري أوسع؟
تحدثنا بشـأن هذه المفاوضات مع عدد من النشطاء في مناطق سيطرة قسد، وهي المناطق التي ستتأثر جدياً بأي اتفاق يجد طريقه إلى التنفيذ فعلاً. ويعتقد بعض من تحدثنا إليهم أن نجاح الحوار الكُردي الداخلي سيفضي إلى نتائج إيجابية على صعيد الوضع السوري ككل، فالكُرد جزء من الواقع السياسي والعسكري في سوريا، لكنهم «لم ينالوا حقهم ضمن اللجنة الدستورية السورية حتى الآن، ولا ضمن مسار المفاوضات السياسية عموماً»، وذلك وفق ما يراه النشاط المحلي عباس مراد، من سكّان مدينة الحسكة، الذي يتأسف لأن الحوار جاء بضغوط خارجية ولم يكن تلبية لمطلب شعبي قومي؛ يقول «الأمريكان هم الذين أجبروا الطرفين على الحوار، لذلك أشعر بمرارة أنه لم ينبثق من التفات الأطراف السياسية لمطالب الشارع الكُردي». ووفقاً لمراد، فإن التفاؤل الوحيد الذي ينتابه هو أن يكون هذا خطة على طريق «حصول الكُرد على حقوقهم المشروعة، وعلى طريق تحوّلهم إلى كتلة سياسية متماسكة وقوية بعد اتفاقهم».
كذلك يعتقد الناشط المدني عبد الله إسماعيل، من مدينة الرقة، أن هذا الحوار يمكن أن يكون مدخلاً إلى حوار سوري عام، وأنه ربما يكون بوابة حل سوري، معللاً اعتقاده هذا بأن اتفاق أي مكون على رؤية سياسية لسوريا المستقبل «سيساهم في بلورة طروحات تفيد باقي المكونات السورية، وهي خطوة صوب إيجاد أرضية مشتركة تُؤسّس لحوار سوري مستقبلي يضم كل السوريين بكامل مكوناتهم».
الناشط حسام القس من مدينة ديريك يقول إن «الحوار الكردي قد يساهم في إشاعة الأجواء الإيجابية في المنطقة، مما يساهم في إرساء الاستقرار للشعب الكردي وباقي مكونات المنطقة من سريان وآشوريين وعرب».
من جهته، يعلّق الناشط المدني إيفان أبو زيد من مدينة قامشلي على الحوار، مرحباً به باعتباره «أفضل من استمرار الخلافات والقطيعة السياسية، لكن بشرط أن يُفضي إلى سلام مستدام»، مطالباً بفصل العاطفة عن منطق الحوار؛ يقول إن «العاطفة الكُردية تعتقد أن الاتفاق سيؤدي إلى حل المشاكل وإلى ازدهار سياسي واقتصادي واجتماعي، لكن الواقع شيء آخر، حيث لا نتائج واضحة حتى الآن»، داعياً إلى إجراءات أعمق لبناء الثقة، ومطالباً «الإدارة الذاتية بإطلاق سراح جميع المعتقلين، ليكون هذا جسراً لتعميق الحوار».
توقعات متضاربة حول مستقبل الحوار
تتناقض التصورات حول مستقبل الحوار ما بين التشاؤم والمخاوف من عدم حل مشاكل عامة الناس، والتفاؤل حول مستقبل جديد للمنطقة وكل سوريا. يرى عبد الله إسماعيل أن هذه الحوارات «في طريقها للنجاح كونها حاجة ملحة للشارع السوري بكليته، وليس الكُردي فحسب»، ويعيد تفائله إلى ما يسميه بــ«كثرة النقاط الإيجابية التي تدعم نجاح الحوار، منها رغبة الشارع الكردي بالتخلص من الخلافات الداخلية وتوحيد الصفوف لتشكيل طرف أساسي في معادلة الحل السوري.
وتحدثنا أيضاً إلى الكاتب والباحث فاروق حاج مصطفى، من أهالي مدينة كوباني، الذي يقول إنه متفائل بنجاح الحوار لتوافر سببين اثنين: «لأنه استحقاق سياسي مرحلي لا يمكن تجاوزه، ولأنه استجابة لتطلعات الناس، فالعامل السياسي القادم من المساحة النقاشية الحوارية سيساهم في صياغة مستقبل سياسي جيد، وسيكون تجربة مهمة على مستوى مسار الحواري السوري العام».
بالمقابل يبدو إيفان أبو زيد متشائماً، فهو يرى أن أبرز عوامل فشل الحوار هي «عدم توفر الثقة المطلوبة بين المتحاورين، وتمسّك كل طرف برأيه، وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لدى الضامن الأميركي حول مصير المنطقة، خاصة بعد العملية العسكرية التركية الأخيرة»، رابطاً مصير الحل الكردي بوجود «إرادة دولية للحل في عموم سوريا».
لكن حسام القس يذهب في اتجاه أخر، إذ يطالب أن تكون مخرجات الحوار طريقاً لإعادة الحق إلى أصحابه وإرساء العدالة لجميع المظلومين، مطالباً بأن يؤدي الحوار إلى «فتح صفحة حوارات ومفاوضات مع باقي المكونات للوصول إلى صيغة حكم جديدة تدير المنطقة إدارياً وعسكرياً من قبل أبنائها جميعاً، بعيداً عن العناصر الأجنبية القادمة من خارج الحدود». لا يخفي القس تشاؤمه ومخاوفه من فشل الحوارات: «أخشى أن احتمال فشل الحوار قائم بشدة، وذلك لعدة أسباب أهمها الإيديولوجيات والتوجهات المختلفة والمتضادة للمتحاورين».
كيف يمكن أن تنعكس نتائج الحوار على حياة الناس؟
وفي حال نجحت الحوارات وأفضت إلى نتائج إيجابية، فإن حسام القس يتوقع أنها ستنعكس إيجاباً على المنطقة: «نجاح الحوار يؤثر بشكل إيجابي على حياتي وحياة كل سكان المنطقة، لما فيه من تخفيف حالة الاحتقان والتوتر وتحقيق التشاركية في إدارة المنطقة، والتوزيع العادل للثروات مما يخلق فرص تنمية اقتصادية حقيقية».
في حين يرى إيفان أبو زيد أن هذه الحوارات ونتائجها لن «تحمل حلاً سحرياً لمشاكل الإدارة، ولا على صعيد تأمين المستلزمات اليومية، لكنها ربما تحقق نوعاً من الراحة النفسية، وخاصة إذا نجحت الحوارات في توحيد القرار السياسي».
بالمقابل، يرى عبد الله إسماعيل أن نجاح الحوار سيكون أمراً إيجابياً، لأن «مخرجاته ستنعكس على حياتنا ومواردنا الاقتصادية، وسيؤدي إلى تفعيل الحياة السياسية. كما أن مراقبة العديد من الجهات الإقليمية والدولية لهذه الحوارات هو أمر مهم في حد ذاته، وسيستفيد كل من يعيش هنا من المشاريع التنموية التي ستشهدها المنطقة بعد نجاح الحوار ووضع مخرجاته قيد التنفيذ».
في الاتجاه نفسه، يرى فاروق حاج مصطفى أن للحوار تأثيرٌ مباشرٌ على حياة الناس، لجهة أنه «تمهيدٌ لبناء أفق تشاركي سياسي يستند إلى التلاحم المجتمعي المحلي، وصولاً إلى منتج سياسي ينعكس على المشهد العام ومتطلبات تحسينه».
بينما تتنوع الآراء بين التفاؤل والتشاؤم، والحماس والرفض، فإن أغلب الأحاديث العامة في المنطقة تنصرف إلى التركيز على الكيفية التي سينعكس فيها الحوار على حيواتهم، وحول مدى قدرة مخرجات الحوار على توفير الأمان المفقود منذ أعوام. يتساءل الناس عن انعكاس نتائج الحوار على مستوى معيشتهم وأمنهم، وعلى إمكانية عودة أبنائهم من الخارج دون خطر سحبهم إلى التجنيد الإلزامي أو إجبارهم على دفع البدل النقدي، وحول مصير الطلاب ومستقبل العملية التعليمية، وحول الموارد الاقتصادية وإدارتها وتوظيفها، وهي التحديات والمشكلات الأساسية التي تمس حياتهم بشكل مباشر.
المصدر: الجمهورية نت