يرفض النظام السوري تقارير منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” (OPCW) بما يخص استخدامه الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا ضد الشعب السوري، في مناطق مختلفة، على الرغم من شكوى المنظمة من العراقيل التي وضعها النظام، ومنها عدم تسهيل وصولها إلى مواقع حصول الضربات، بما يخالف التزاماته الدولية.
ورغم الأدلة القائمة على مقابلة شهود وأطباء كانوا موجودين لحظة الهجمات، وتحليل خبراء لعينات ومخلفات جُمعت من مواقع الحوادث، وصور الأقمار الصناعية، ترى دمشق أن المنظمة منحازة في ما تدليه إلى جانب موقف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة لها.
وفي أحدث بيان لمندوب النظام الدائم لدى منظمة “حظر الأسلحة”، ميلاد عطية، في 6 من آذار الحالي، ذكر أن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية المساندة لها حولت المنظمة إلى ساحة لتصفية الحسابات “الجيوسياسية العدوانية الاستعمارية”، وصارت استقلاليتها على المحك.
ولا ينسى النظام والمتحدثون باسمه توجيه جميع التهم لـ”المنظمات الإرهابية” حسب قولهم، مثل “جبهة النصرة” (“هيئة تحرير الشام” حاليًا)، وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وفي 28 من شباط الماضي، ألقى وزير الخارجية، فيصل المقداد، عبر الفيديو كلمة خلال مؤتمر “نزع السلاح” في جنيف، وقال إن تجربة سوريا مع المنظمة كشفت عن حالة الاستقطاب “الخطيرة” داخلها، وعن هيمنة الدول الغربية على عمل أمانتها الفنية، واستهداف سوريا.
تجاهل الأدلة
اتهم مندوب النظام، ميلاد عطية، في نفس البيان، المنظمة بعدم التعامل بمهنية ونزاهة، لتعرضها لضغوطات، وتبين هذا بجلسة الإحاطة، في 29 من شباط الماضي، وللمرة “الثانية” عندما منع وفد النظام من شرح وجهة نظره، وأن بعض موظفي الأمانة الفنية هم “جزء من حملة” الدول الغربية ضد سوريا.
وأضاف أن النظام قدم أكثر من 200 رسالة بما يخص محاولات “الإرهابيين” التحضير لـ”فبركة” حوادث استخدام للمواد السامة كأسلحة لاتهام حكومة النظام بها، والتي جرى تجاهلها من قبل المنظمة.
من جانب آخر، استندت الأمانة الفنية إلى ما قالته سوريا ودول أخرى، عن امتلاك “الإرهابيين” في سوريا الأسلحة الكيماوية واستخدامهم لها، وهذا “التناقض والازدواجية” يدعو للاستغراب والاستهجان، حسب عطية.
وطرح عطية سؤالًا في البيان، عن زيارة فرق التحقيق التابعة للأمانة الفنية مواقع الحوادث، وأجاب أنها لم تزر المواقع “المزعومة” على الإطلاق.
وقال المقداد في نفس التسجيل المصور، إن المنظمة جعلت تقاريرها أداة أخرى لتوفير تغطية سياسية للحرب التي شنتها “التنظيمات الإرهابية”، برعاية دولة معروفة للشعب السوري منذ سنوات.
رد المنظمة
أكدت منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” (OPCW)، خلال مؤتمر ضم الدول الأعضاء فيها، في 29 من تشرين الثاني 2021، بمدينة لاهاي الهولندية، أن النظام السوري لم يتعاون معها، من خلال عدم الكشف عن مخزونه الكامل من الأسلحة الكيماوية، وعدم السماح لمفتشي المنظمة بدخول سوريا.
وأوضح المدير العام للمنظمة حينها، فرناندو أرياس، أن النظام لن يستعيد حقوقه في المنظمة إلا بعد التصريح الكامل عن مخزونه من الأسلحة، وعن منشآت تصنيعها.
وكانت الدول الأعضاء في المنظمة جرّدت حكومة النظام السوري من حقوقها بالتصويت في هيئة مراقبة الأسلحة الكيماوية العالمية، وألغت امتيازاتها، بعد أن تبين استخدامه غازات سامة في القصف بشكل متكرر خلال الحرب.
وبحسب أرياس، فإن النظام لم ينجز حتى الآن أيًا من الإجراءات المطلوبة منه، مؤكدًا أن ما سبق من تصريحاته حول الأسلحة الكيماوية “لا يمكن اعتباره دقيقًا وكاملًا”.
وفي 7 من أيلول 2023، صرحت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، إيزومي ناكاميتسو، لمجلس الأمن الدولي، أن كل جهود عقد مشاورات بين فريق التقييم التابع لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” والسلطات السورية “لم تنجح”، وأن آخر تلك المشاورات عُقدت في شباط 2021.
وأضافت أن المعلومات التي قدمها النظام متناقضة ومتباينة وتحوي ثغرات، وشددت حينها على أهمية تعاونه الكامل مع الأمانة الفنية للمنظمة، لحسم جميع القضايا المعلقة.
نتائج التحقيقات
منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، في كل التقارير التي تخص نتائج التحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا، أوضحت الأدلة التي استندت إليها لاستخلاص النتيجة.
واعتمدت المنظمة على مقابلات مع أشخاص كانوا موجودين في الأماكن ذات الصلة وقت وقوع الهجوم، إضافة إلى تحليل العينات والمخلفات التي جمعت من مواقع الحوادث، ومراجعة الأعراض التي أبلغ عنها الضحايا والطاقم الطبي، وفحص الصور، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، واستشارات مكثفة للخبراء، إضافة إلى تحليل طبوغرافي للمنطقة المعنية والحصول على طريقة انتشار الغاز لتأكيد الروايات من الشهود والضحايا.
ويقوم بكل هذه الأعمال فريق التحقيق الدولي (IIT)، ولا يعتبر الفريق هيئة قضائية تتمتع بسلطة تحديد المسؤولية الجنائية الفردية، ومهمته فقط إثبات الحقائق.
وأوضح في كل التقارير حول نتائج التحقيق، أن الفريق واجه تحديات منها عدم قدرته على الوصول إلى موقع الأحداث في سوريا، على الرغم من الطلبات التي وجهتها الأمانة الفنية إلى النظام، والتزام سوريا بالتعاون مع الأمانة بموجب الفقرة 7 من المادة السابعة من اتفاقية الأسلحة الكيماوية.
إدانة النظام
قال نائب رئيس الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، علي الأحمد بك، لعنب بلدي، إن من البديهي أن يدافع النظام بشدة عن نفسه بملف الأسلحة الكيماوية، لأن الإدانة القضائية تترتب عليها محاسبة، وعدم المحاسبة قد يشجع دول أخرى على استخدام السلاح المحرم دوليًا، خاصة وأن سوريا عضو في منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”.
وإدانة النظام تؤثر على موقفه السياسي، من ناحية إعادة تأهيله، ومحاولة بعض الدول التطبيع معه.
والإدانة الدولية بهذا الملف تختلف كثيرًا عن أي ملف آخر، فالدول التي تفكر بإقامة علاقة مع نظام ارتكب جرائم حرب (استخدام سلاح كيماوي) تترتب عليها مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية، دون أن ننسى حلفاءه روسيا وإيران، بحسب علي بك.
وتدعم كل من روسيا وإيران رواية النظام، التي ترفض نتائج تحقيقات المنظمة بمسؤوليته عن استخدام الكيماوي ضد المدنيين في سوريا.
ويرى المحامي والمختص بالقانون الدولي محمد قانصو، أن انضمام النظام لاتفاقية “حظر الأسلحة الكيماوية”، مع عدم تبرئته بعد هجوم آب 2013 (الهجوم الكيماوي على الغوطة)، وادعائه بتدمير مخزونه من الأسلحة الكيماوية، والتي جاءت بعدها هجمات مماثلة وخاصة في عام 2017 (خان شيخون)، يحمله تبعات قانونية.
لذا فإن عدم التزامه بما يتعلق بحظر استخدام هذا النوع من الأسلحة، وادعاءه بتدمير كل المخزون، وهذا ما لم يفعله، يقوده لمحاكمات دولية، حسب قانصو.
222 هجومًا
تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تشرين الثاني من عام 2020، سجل 222 هجومًا كيماويًا في سوريا منذ أول استخدام موثق للسلاح الكيماوي في قاعدة بيانات “الشبكة”، في كانون الأول 2012، حتى 30 من تشرين الثاني عام 2020.
217 هجومًا من إجمالي الهجمات الكيماوية نفذتها قوات النظام السوري، وتسببت بمقتل أكثر من 1510 أشخاص، يتوزعون إلى 1409 مدنيين، بينهم 205 أطفال و260 سيدة (أنثى بالغة) و94 من مقاتلي المعارضة المسلحة، وسبعة أسرى من قوات النظام السوري كانوا في سجون المعارضة المسلحة.
وفي 27 من أيلول عام 2013، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم “2118” المؤيد لقرار المجلس التنفيذي لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، المتضمن إجراءات خاصة للتعجيل بتفكيك برنامج الأسلحة الكيماوية السورية وإخضاعه لتحقيق صارم.
وكان القرار رقم “2118” ذكر في بنده الـ21، أن تدابير ستفرض بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم امتثال النظام السوري لهذا القرار، بالإضافة إلى طلبه في المادة الرابعة بألا يقوم النظام في سوريا باستخدام أسلحة كيماوية، أو استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها بأي طريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها.
وفي المادة الخامسة من القرار، أُلزم أطراف النزاع في سوريا بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية، أما المادة رقم “15” من القرار فتضمنت ضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.
المصدر: عنب بلدي
نظام طاغية الشام ينكر وينكر كذباً اتهامه باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه مدعوماً من مناصريه روسيا والصين وأخيراً الامارات بالرغم من الشهود والحقائق والتقارير والإختبارات، لأن إعترافه سيدينه وسيكون عبرة لمن يستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وستطبق عليه الإجراءات المنصوصة بالقرار 2013/2118 والمادة 21 منه خاصة.