استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، في قصر الاتحادية الرئاسي، بالعاصمة المصرية القاهرة، استقبالاً حافلاً. وعقد الزعيمان اجتماعاً مشتركاً تناول العديد من الملفات الإقليمية والثنائية.
وتعد هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس أردوغان لمصر منذ توليه رئاسة الجمهورية التركية، وكانت آخر زيارة له حين كان رئيساً للوزراء عام 2011.
وقال الرئيس السيسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي: “أرحب بفخامة الرئيس (…) أردوغان، والوفد المرافق لسيادته، في أول زيارة له لمصر منذ أكثر من 10 سنوات، لنفتح معاً صفحة جديدة بين بلدينا، بما يثري علاقاتنا الثنائية، ويضعها على مسارها الصحيح، وأؤكد اعتزازنا وتقديرنا لعلاقاتنا التاريخية مع تركيا، والإرث الحضاري والثقافي المشترك بيننا”.
وأشار الرئيس المصري في كلمته إلى “استمرار التواصل الشعبي، خلال السنوات العشر الماضية. كما شهدت العلاقات التجارية والاستثمارية نمواً مضطرداً خلال تلك الفترة”، لافتاً إلى أن “مصر حالياً الشريك التجاري الأول لتركيا في أفريقيا، كما أن تركيا تعد من أهم مقاصد الصادرات المصرية، وقد أثبتت التجربة الجدوى الكبيرة للعمل المشترك، بين قطاعات الأعمال بالبلدين، وتالياً سنسعى معاً إلى رفع التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، خلال السنوات القليلة المقبلة، وتعزيز الاستثمارات المشتركة، وفتح مجالات جديدة للتعاون”.
وقال الرئيس التركي: “إنني سعيد بأن أكون هنا في القاهرة مرة أخرى بعد فترة طويلة، وهي 12 عاماً، وأنا أتقدم بالشكر إلى الرئيس السيسي وجميع الأخوة المصريين على حسن الاستضافة والحفاوة في الاستقبال”.
وأضاف أردوغان: “نحن في الواقع نتقاسم مع مصر تاريخاً مشتركاً يمتد لنحو 1000 سنة، ونتمنى أن نرتقي بعلاقاتنا إلى المسار اللائق، ونجد أن الإرادة ذاتها موجودة لدى الجانب المصري، وقد رفعنا مستوى علاقاتنا إلى مستوى المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى، وقد أعربت بأنني أنتظر فخامة الرئيس (السيسي) في أنقرة لعقد اجتماع المجلس، وأعتقد أن هذا سيكون بمثابة مرحلة جديدة في علاقاتنا”.
ملفات إقليمية ودولية
وينظر محللون إلى زيارة الرئيس التركي لمصر على أنها ثمرة جهود مشتركة بين القاهرة وأنقرة لتطبيع العلاقات بينهما مجدداً، بعد سنوات من التوتر السياسي، وقد بدأت تنضج معالم هذه الثمرة بعد مصافحة الرئيسين المصري والتركي على هامش حضورهما لافتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر عام 2022.
ويؤكد مسؤولون ومحللون مصريون وأتراك أن الملفات والتحديات الإقليمية والدولية تأتي في مقدمة أولويات الزعيمين، لا سيما القضية الفلسطينية، والأزمة التي يعيشها المدنيون في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الثاني) 2023، ومواصلة إسرائيل عدوانها على القطاع، خصوصا هجومها الأخير على منطقة رفح الواقعة جنوبي غزة، رغم تحذيرات دولية من أن يؤدي هذا الهجوم العسكري إلى مجزرة تودي بحياة الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
وتشمل الملفات التي ناقشها الرئيسان في اجتماعهما الثنائي، جهود الوساطة التي تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة لعقد هدنة في غزة، وكذلك عدداً من الملفات الأفريقية، على رأسها الحرب في السودان، وملف الصومال، والتحركات الإثيوبية في منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب العلاقات الاقتصادية والسياسية والدفاعية بين القاهرة وأنقرة.
زيارة تاريخية
يقول مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة محمد حامد لـ”النهار العربي” إن “هذه الزيارة تعد مهمة وتاريخية، فهي الأولى منذ زيارة أردوغان الأخيرة التي حدثت في عام 2011، إبان حكم المجلس العسكري لمصر – في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 – وقد التقى الرئيسان في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 في السعودية، ومن قبل كان مقرراً لقاؤهما في دبي على هامش القمة العالمية للحكومات ولكن زلزال تركيا حال دون هذا اللقاء”.
ويشير الباحث السياسي إلى أن “مصر تنوي شراء طائرات “بيرقدار” المسيرة التركية، كما أن هناك احتمالية للتوصل لاتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأنقرة في شرق البحر المتوسط، وقد كان هناك نقاشات مهمة خلال الثلاث سنوات الماضية بشأن هذا الأمر”.
ويضيف: “ثمة تعاون عسكري متنام بين البلدين، وفي بداية عام 2022 كان هناك زيارة من وفد عسكري مصري لتركيا، بالإضافة إلى أن ثمة رغبة من قبل أنقرة لإعادة اتفاقية الرورو التي ألغتها مصر عام 2015 بسبب التوترات السياسية التي شهدتها العلاقات الثنائية منذ عام 2013”.
ويعتقد حامد أنه “ستكون هناك رغبة تركية في تمديد اتفاقية التجارة الحرة التي وقعت بين البلدين في عام 2005 والتي انتهت في 2021، وطالبت تركيا بتمديدها 3 سنوات، وقد مددت بالفعل، وهي ترغب في تمديدها مرة أخرى”.
واستمرت العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وأنقرة حتى في وقت الأزمة، وقد ارتفعت العلاقات التجارية بين البلدين من نحو 6 مليارات دولار في عام 2022، إلى قرابة 7.7 مليار دولار العام الماضي (2023).
وبخصوص الملفات الأخرى التي يعتقد أن الزعيمين يركزان عليها، يقول الباحث السياسي: “لا شك في أن ملفات سوريا وليبيا، وبلا ريب فلسطين، ستكون على طاولة النقاشات بين البلدين”.
ملف “الإخوان”
بمجرد الإعلان عن زيارة أردوغان لمصر، تساءل كثيرون عن ملف “جماعة الإخوان المسلمين”، وقد كان هذا الملف السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين الدولتين، في أعقاب إطاحة الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي من سدة الحكم، إثر تظاهرات شعبية ساندها الجيش المصري.
وعن تراجع هذا الملف، أو غموض موقفه وسط الزخم الذي تحظى به التحديات الإقليمية في القمة التي تجمع الزعيمين المصري والتركي، يقول الخبير في تاريخ مصر والحركات المتطرفة الدكتور عمرو عبد المنعم إن “علاقة مصر مع الأتراك مرت بتجارب ومراحل مختلفة ومستويات عدة، فمصر تعلو فوق جراحها من أجل المصالح العليا العربية والإقليمية والدولية”.
ويقول: “بخصوص الموقف من الإخوان لم تتعلم الجماعة من درس التاريخ والعلاقات الدولية، فبقيت كما هي ولم تبرح خطوة واحدة إلى الأمام، أما عن رد فعل القاهرة فقد وضعت القاهرة ملف الإخوان في يد الجهات الأمنية والقضائية، وتحركت في مساراتها الدبلوماسية والسياسية تحقيقاً للمصالح العليا للبلدين”.
ويشير عبد المنعم إلى أن “هناك أكثر من 3000 إخواني محكوم عليهم من القضاء المصري، بعضهم تصل عقوبته إلى الإعدام، وهذا ملف كما أشرت تتولاه الجهات المعنية”.
اما بخصوص أنشطتهم المعادية للقاهرة، فيقول: “لا تزال كما هي، فهناك بعض “الإخوان” لا يزالون يهاجمون مصر، وبعضهم تراجع نسبياً، في الآونة الأخيرة، وبمرور الوقت وتحسن العلاقات بين الدولتين، لا شك في أن تركيا ستضع حداً لهذا التطاول، خصوصاً أن مصر دولة لديها العديد من الجاليات، لكنها لا تسمح بأن تستغل أراضيها كمنصة لمهاجمة دول أخرى إعلامياً أو سياسياً”.
المصدر: النهار العربي
زيارة أردوغات للقاهرة تاريخية لأنها زيارة المصالح على حساب المبادئ .