قراءة في رواية: أكلة لحوم البشر

أحمد العربي

حسام ابو سعدة روائي وكاتب مصري عريق، له العديد من الاصدارات الادبية…

أكلة لحوم البشر رواية حسام ابو سعدة هي الاولى التي اقرؤها له. وهي تتحدث عن أحداث الثورة المصرية منذ انطلاقتها في ساحة التحرير في يناير الشهر الاول لعام ٢٠١١م.

 تعتمد الرواية لغة السرد على لسان الراوي، وذلك من خلال تتبع الشخصية الاساسية في الرواية النقيب عماد في الامن المركزي…

تبدأ الرواية من ميدان التحرير حيث كان يعتصم الشباب المصري مطالبين بتحقيق الحرية والعدالة وصيانة الكرامة الانسانية، تمثل كل ذلك بمطلب محدد وهو تنحي الرئيس مبارك. كان مازال الأمن المركزي والشرطة يحاولون السيطرة على الوضع، لكن لا ينجحون. كان النقيب عماد مع مسؤوله المباشر العميد وليد على رأس مجموعة من الأمن المركزي مدججين بأسلحتهم النارية يصوبون بنادقهم على الثوار الذين يهتفون سلمية سلمية. لكن الأمر جاء من العميد وليد بإطلاق النار، تردد النقيب عماد وارتبك ، صحيح انه تعلم الطاعة العمياء لمرؤوسيه، وأنه كان شديدا وعنيفا مع الموقوفين الذين يصلون اليه. وأنه تربى على عقيدة أن العنف بحق الناس هو الطريقة الأفضل لفرض الطاعة عليهم، لكنه هنا في الميدان، لا يستطيع ان يقوم بعملية قتل جماعي دون اي مبرر من المتظاهرين سوى مطالبتهم بالحرية والكرامة والعدالة. لحظ قائده العميد وليد تردد النقيب عماد، فما كان منه الا ان اخذ بندقية النقيب عماد وباشر بإطلاق النار على المتظاهرين، وكانت مجزرة كبيرة…

سرعان ما توتر الجو في ميدان التحرير وانتقل المتظاهرون من الدفاع الى الهجوم، و طاردوا قوات الأمن المركزي وأخرجوهم من الميدان. لم ينفع النظام اخراج البلطجية والسجناء السياسيين الموقوفين عندهم لكي يساعدوا قوى الأمن المركزي والشرطة ليسيطروا على المتظاهرين. لم يفلحوا، فكثير من البلطجية وأصحاب السوابق وجدوا بثورة يناير ثورتهم، والتحقوا بالمتظاهرين و شكلوا حائط دفاعي عنهم في مواجهة الأمن المركزي والشرطة…

في هذه الأجواء التي لم يعد فيها سطوة للامن المركزي، قرر النقيب عماد التخفي، خلع ملابس الأمن وقرر ان ينتقل الى الاسكندرية حيث والدته هناك. ينتظر حتى تتضح مسارات الأحداث وماذا يفعل. خاصة أنه لم يعد يستطع الوصول لرئيسه المباشر العميد وليد، لم يكن مسؤوله المباشر فقط، بل كان أكثر من ذلك كان والده الروحي. خاصة أن والد النقيب عماد توفى في فترة سابقة. لقد احتضن العميد وليد النقيب عماد منذ كان مازال طالب ضابط منذ سنوات، وكيف أنه اهتم به ورعاه ودعمه وها هو رئيسه المباشر…

ذهب النقيب عماد الى الاسكندرية حيث والدته، وفي جوارهم تسكن عائلة مع ابنتهم نهال صبية في مقتبل العمر، كانت تنظر لعماد بصفته أحد أدوات السلطة القمعية، وكان في البناء عائلة اخرى مع ابنتهم صابرين طفلة صغيرة، كان النقيب عماد بحاجة لأن يعيد التوازن الى نفسه ودراسة حالته بعقلانية وهدوء. يجلس قبالة الفنار على شط الإسكندرية ويفكر. يقر لنفسه أنهم كانوا يسيؤون الى كثير من المواطنين الذين يتعاملون معهم. يعاملونهم بقسوة، و يعذبون البعض تحت دعوى أنهم مجرمين محتملين، هذا غير الإقرار بوجود الفساد بكل انواعه، رشوى ودسائس وتبلي على البعض، كان سهلا عليهم امتهان كرامة المواطن وجعله ضحية عنف غير مبرر بأي شرعية سماوية وارضية. كانوا يعيشون احساس انا ربكم الاعلى، فلا محاسبة عن أي عمل يقومون به، لذلك كان في أعماقه يضعف في حواره مع جارته نهال وأنهم كانوا ظلمة وفاسدين، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه أو عن السلطة والامن منها. كان يحاول كل الوقت أن يتواصل مع قائده المباشر العميد وليد، وذلك لا يستجيب. علم ان احد زملائه قتل على الحدود من صدام مع سائق عربة، والسبب ان ذلك الضابط صديقه كان قد ظلم ذلك السائق وها هو يستفيد من أجواء الثورة وينتقم منه ويقتله. نعم عندما يغيب العدل والقانون لا يطبق، يصبح كل إنسان حاكم يصدر حكمه وينفذه. صحيح أم خاطئ لا يهم…

تتجذر داخل النقيب عماد متغيرات، ها هو يميل الى نهال، ويعيش مشاعر ابوية تجاه صابرين الصغيرة، لكن لا يعرف كيف يعلن تجاوزه لعقد التسلط والتفوق والعدوانية التي كانت تسكنه، وانه انسان مثل الكل يحتاج للحب والتفاهم مع الاخرين وتكوين أسرة تعيش الحياة بكل متغيراتها…

 كان يحلم بذلك وفي ذات الوقت بقي هاجس غياب رئيسه المباشر العميد وليد تسيطر عليه. ومع ذلك عملت والدته على نقله الى الاسكندرية وانتقل فعلا واصبح هناك، استمر يتتبع مسار العميد وليد حتى وصل إليه معتكفا على شط البحر يبيع السمك، متخفيا. وعندما التقى به النقيب عماد، اعترف له بأنه يئس من الحياة وأنه لم يعد يجد أي معنى لأي شيء في حياته. اعترف له بأنه عندما أطلق النار على المتظاهرين في ميدان التحرير كان بينهم ابنه، فأرداه قتيلا. وعندما أخبر زوجته بذلك ألقت بنفسها من الشرفة وماتت. وعلم عن العميد وليد انه لم يكن نموذجا كما كان يظهر. فهو ايضا على علاقة بالفساد واصطدم مع أحد المستشارين القضائيين، وكان يرتشي ويمرر قضايا ويوقع بالبعض ظلما وتبلي، ويؤدي بهم للسجن ظلما لسنوات. هذا غير وجود علاقة غير شرعية مع فتاة زميلة لابنه… لكل ذلك اعتزل الحياة وقرر أن يترك ماضيه وراءه ويهرب من نفسه…

تمر الرواية مرورا عابرا على دور الجيش المصري في الفترة الاولى وانه كان الضمانة لعدم انتقال مصر لحالة فوضى وخراب اجتماعي. وأنه في ذات الوقت الذي تم مهاجمة الشرطة والأمن المركزي من المتظاهرين وتنحي مبارك. فقد أصبحت مصر ضحية البلطجة وأنهم لولا تدخل الجيش لكان الخراب والفوضى يعم البلاد…

لقد تمت المقارنة في الرواية بين واقع مصر وكيف استلم الجيش زمام الأمور. وبين سوريا وكيف واجه الشعب الجيش وما ادى بعد ذلك من كوارث على حياة السوريين جميعا…؟!!.

كما ألمحت الرواية عن حضور حالة إسلامية متطرفة تتصرف بعنف وعنجهية بدء من ميدان التحرير وما بعده، وكأنها توحي بالقادم من الأيام في مصر… والذي لم تصل إليه الرواية.

تنتهي الرواية عندما تنتصر مراجعة النقيب عماد لنفسه، وأن يكون أقرب انسانيا الى نهال جارته التي حصل بينهما استلطاف قد يؤدي الى حب وزواج. وكذلك تجاه صابرين الطفلة التي عانت من أزمات نفسية مما عاشته من تحشّد وصراع واطلاق نار حصل في وقت سابق كمنعكس على الثورة وبداية سيطرة البلطجة.

ان عماد ونهال وصابرين يشقون طريقهم لمستقبل أفضل…

في التعقيب على الرواية اقول:

إنني سعيد لأنني أقرأ رواية تعيد رسم معالم الحدث العربي الفريد في مصر من موجات الربيع العربي الذي نقلنا كلنا كعرب لعصر الشعوب التي تحركت لتصنع مصيرها. نجحت او فشلت ليس مهما. المهم انها صنعت تاريخا فارقا لماض من الخنوع والقبول بالقهر والفساد والاستبداد والتحرك للمطالبة بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية. مطلب لا تراجع عنه ابدا وكونه مفتاح تاريخ الشعوب العربية للمستقبل…

نعم أطلت الرواية على الثورة المصرية من أهم مبرراتها وهو ظلم الأجهزة الأمنية المصرية بحق المواطن المصري، يتبعه الظلم المجتمعي وامتهان الكرامة وغياب العدالة، وتحويل الدولة الى جمهورية وراثية، الفساد و الاستغلال كل ذلك كان اسبابا للثورة في مصر وبقية البلدان العربية التي وصلها الربيع العربي…

لقد حصلت مقارنة عابرة مع وضع سوريا وكيف الشعب واجه الجيش. والحقيقة أن السلطة بأمنها وجيشها ومرتزقتها في الداخل والخارج من حزب الله والمرتزقة الايرانيين… الخ. هم من واجه الشعب وباشر بقتلهم. وعندما حاول الثوار مواجهة النظام بالعنف المقابل، كانوا اضعف ولا يملكون الأدوات بما لا يقاس. واعتمد النظام على ذلك وبدعم من حلفائه روسيا وإيران ليدمر سوريا ويقتل أكثر من مليون منها وأكثر من مليون مصاب ومعاق. ونصف الشعب السوري حوالي ثلاثة عشر مليون إنسان مشرد داخل سورية وخارجها…

النظام يتربع الان على دولة محتلة من الأمريكان يحمون الانفصاليين الأكراد حزب العمال الكردستاني. وروسيا وإيران وبعض سوريا المحررة من سلطة النظام في الشمال الغربي السوري مع محافظة ادلب…

هذا مافعله النظام السوري وجيشه وأمنه ببنيته الطائفية العلوية مع الاسف…

بالطبع ليس الحل أن يستمر حكم العسكر الاستبدادي الطائفي في سوريا الذين باعوا البلاد لكل المحتلين…

وليس أن يستمر حكم العسكر كاستمرار للاستبداد في أي بلد عربي او في العالم…

بكل الأحوال لا نستطيع الا ان نحترم مقاربة الرواية لحدث الثورة المصرية بكل هذه الشفافية والصدق. وان اختلفنا مع بعض التفاصيل، وهذا طبيعي. لكن هذه الكتابة تجعل الحدث التاريخي حاضر كل الوقت. في الوجدان والتوثيق ومقدمة لصناعة تاريخ جديد لبلادنا…

ولكي لا ننسى…

شكرا جزيلا لك صديقي الروائي المبدع حسام ابو سعدة لقد كتبت لي عندما ارسلت روايتك بعدما وجدت تعريفي لنفسي على الفيس بوك :

بما “انك حر في الثورة السورية”.

تفضل هذه رواياتي …

وأنا أسأل صديقي الروائي حسام ابو سعدة:

هل نجحت بتعريفي ذلك عن نفسي .؟.

ارجو ذلك…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “أكلة لحوم البشر” للكاتب والروائي “حسام ابو سعدة” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” تتحدث عن أحداث الثورة المصرية منذ انطلاقتها في ساحة التحرير في يناير الشهر الاول لعام ٢٠١١م ومراحلها بتدخل الجيش .

زر الذهاب إلى الأعلى