قراءة في رواية: لا أحد ينام في الإسكندرية

أحمد العربي

الرواية نشرت في عام 1996. اول مرة. وتدور أحداثها في فترة الحرب العالمية الثانية.. يعني من.1940 إلى 1944. تقريبا.. وهي تتحدث عن رجل صعيدي مجد الدين. طرد من قريته مع زوجته وابنته الصغيرة وتوجه للإسكندرية . بحثا عن أخيه البهي. الذي كان قد تشرد عن القرية منذ سنوات بعيدة.. البهي كان الأخ الخامس من مجموعة اخوة سادسهم البهي .ومجموعة اخوات.. البهي كان سببا في حصول صراع بين أكبر عائلتين في القرية. البهي الذي اغوى بجماله احدى زوجات اخصامهم. وكان سببا لصراع استمر لسنوات اودى بحياة خمسة من إخوته وستة من اخصامهم .وعندما وصل الامر لمجد الدين ومقابله ابن اخصامهم وكانا تربية شيوخ ويحملون القرآن (يحفظانه) ويحبان بعضهما. اتفقا أن ينهيا نزف الدم . ولكن عمدة القرية طرده من القرية بعد ذلك. غادر حقنا للدماء .وكانت وجهته الاسكندرية. في الإسكندرية بحث عن أخيه فوجده.. أخاه الذي يعيش حاملا على ظهره ثقل دماء إخوته .وأنه سبب لتشرد العائلة.. استقر مجد الدين في بيت صغير في بناء متواضع عند اسرة قبطية . كانت تتألف من أب وأم وابنتان في طور النضج.. في الحي تأقلم مجد الدين وزوجته مع جيرانهم. وظهر أن المشتركات بين الجميع كثيرة.. كان تدين المسيحيين والمسلمين مقبول بينهم. وكانت أعيادهم مشتركة في اغلب الاحيان .كانوا يعيشون الحياة على انها قبول متبادل لبعضهم. ومساعدة بعضهم في شؤون العيش عندما يتطلب ذلك.. سيخرج مجد الدين يوميا للبحث عن عمل.. وعمل كثيرا كل يوم بيوم. وكان يعود في أغلب الأحيان آخر النهار منهكا في بحث عن عمل لم يحصّله.. تعرف على دميان قبطي آخر في قسم الشرطة حيث كانت الشرطة تلم من ليس لديه أوراق ثبوتية لتتركه في آخر الليل إن أمن من يدفع عنه مبلغا من المال متواضع.. طبعا المال في الأربعينات قليل والجنيه كان ثروة والتعامل بالفكّه التي تصل لمئة جزء. توطدت العلاقة بين دميان ومجد الدين واصبحا يبحثان سوية عن عمل. في البحث وجدوا أن مشتركاتهم كثيرة وإن أديانهم منسجمة ولها ذات المضامين ولكن بمسميات مختلفة. خير وحب ومساعدة وكرامة وبحث عن اللقمة الحلال. بعد تعب يجدون عملا في السكة الحديد.. السكة التي طلبت عمالا مهرة وبكثرة لاجل ان تتوسع بشبكتها وصيانتها فنحن في أجواء الحرب العالمية الثانية. ومصر تابعة لبريطانيا وهي مرتبطة بها ولم تستطع أن لا تكون مع الدولة التي تستعمرها
.في الرواية مستوى آخر لمتابعة أحداثها هو المستوى العام العالمي والمصري عن الحرب والحياة العامة. نحن دائما في الأجواء والرواية من هذا الجانب تقترب من التأريخ كأحداث وحتى كمنعكسات اجتماعيه للحرب في العالم ومصر ايضا. وهذا الجانب متعوب عليه كثيرا ولا بد أنه استفاد من مراجع تاريخية كثيرة رصدت تلك المرحلة بكل تفاصيلها
عندما اصبح مجد الدين ودميان عاملين في سكة الحديد .أصبحا على تماس مباشر مع الحرب . فهذه القطارات تأتي محملة بالسلاح والعتاد والجنود الهنود والافريقيين والسودانيين. أصبحت الحرب حاضرة في مصر . وفي الإسكندرية بشكل أساسي . فبعد أن كانت الحرب في أوروبا وامتداداتها لتصل لفرنسا وروسيا وبريطانيا . اصبحت قريبة، فها هي ايطاليا تلتحق بألمانيا من دول المحور ضد بريطانيا وفرنسا الحلفاء .ولكل دول تدعمهم تباعا . وهاهي المعارك تدور في أرض ليبيا بين الإيطاليين والبريطانيين. ثم بين البريطانيين والألمان. وها هما دميان ومجد الدين يصبحان عاملان منتدبان في أرض العلميين. لتسيير قطارات الجيش وحركتها الدائبة لنقل الجنود والأسلحة والمؤن والاسرى.. سنتابع يوميات الحرب العالميه من العلمين . وسنعيش وحشة الصحراء والوحدة .مع دميان ومجد الدين. نتعايش مع ترابطهم الإنساني الرائع في ظروف الوحشة والوحدة والموت المجاني اليومي. نرصد استعادة الايمان بازهى وجوهه، حضور الإله الحامي بصورته المسيحية او الاسلامية. نرصد حصول اخوة الخل الوفي بكل معانيها.. سيعيش دميان الحب اتجاه البدوية الصغيرة التي ترعى غنمها بجوارهم . رغم ادراكه انه حب مستحيل فهو مسيحي ومتزوج وهي مسلمة وبدويه.. لكنها سكنته كروح في جسد وبقيت حتى وفاته هاربا من أتون المعركة الاخيرة في العلمين . الحلم الذي تمنى لو تحقق.. ومجد الدين الذي ترك زوجته لتعود للبلد وتنجب ابنه، لقد مضى على عزلته في العلمين ما يزيد على السنتين . ولم يراه أو يرى عائلته. مجد الدين سيتذكر ما تركه وراءه في الاسكندرية صديقه القبطي ومشكلة بنته التي أحبت زميلها المسلم. والتي كادت تؤدي بالاثنين لكارثة إنسانية. فلا الأديان تطوعت لتستوعب حبا ولا زواجا متكافئا.. وتشرد الحبيبان ليصبحا شابة في دير كقديسة. وشاب هائم متصوف و ليلتقيا بعد ان تحول حبهما ليكبر ويستوعب الدنيا.. على أنقاض حبهم الشخصي
تدخل مصر الحرب مكرهة وسيكون للاسكندرية النصيب الأكبر من القتل والتدمير والتشريد.. ولكن دورة الحياة مستمرة فالناس مازالوا يمارسون حياتهم والملك والفنانين والسينما ودور الدعارة والخمارات وكل شؤون الحياة مستمرة
سيكون في ليبيا وفي الصراع مع رومل ثعلب الألمان القوي في مواجهة الانكليز مصير الحرب العالمية الثانية. رومل الذي أخذ يتقدم باتجاه مصر. وتسقط القوة العسكرية أمامه تباعا. عشرات آلاف القتلى وعشرات آلاف الاسرى.. من الطرفين. وملايين القتلى على مستوى العالم .. عبر سنوات .ستدخل اليابان الحرب بجوار ألمانيا والمحور . وستضرب أمريكا في عقر دارها . أمريكا التي كانت شريكة في الإمداد وبعد الضربة اليابانية تشارك بالحرب بالمباشر
. في العلمين وعبر مواجهة كانت الأكبر بين رومل الألماني و مونتغمري البريطاني. وعبر آلاف الجنود والطائرات والدبابات والمدافع .سيبدأ العد التنازلي لانتهاء الحرب العالمية الثانية . في هذا الحيز وعبر هزيمة الألمان وسقوط اسطورة رومل البطل الذي لا يهزم.. ستكتمل الصورة في ضرب اليابان بالقنبلة الذرية الأمريكية في هيروشيما ونجازاكي. وتقدم الروس من ضواحي ستالينغراد الى عمق المانيا وينهزم المحور
. مجد الدين ودميان يبقيا في العلمين حتى بداية حرب العلمين الأخيرة وعندما تبدأ .سيهربون شرقا باتجاه الإسكندرية .ويسيران أربعين كيلو مترا حتى يصلان لأول قطار يقلّهما. والقطار تحت القصف ودميان في القاطرة الأخيرة. التي ستصاب وسيموت بها … دميان الذي كان قد ترك مجد الدين في العلمين وعاد للاسكندرية وعمل خادما في الكنيسة وحصل على الصفاء الروحي الذي صنع حول وجهه هالة القديسين لم يستطع مفارقة مجد الدين. عاد اليه في العلمين واستمر معه وهربا سوية ومات في القاطرة المقصوفة شهيد للحب الإنساني.. ومجد الدين الذي يستمر راكبا القطار ليصل الى قرب قريته . ويرمي نفسه في محطتها ينشله صديق له.. وينقل محطما إلى القرية ، يحتاج لشهور ليبرأ من كسوره وجروحه ولكنه لن يبرأ ابدا من حبه لصديقه دميان وفقدانه له.. سيعود مرة أخرى للاسكندرية هذه المرة اختياريا، هناك ولدت له حياة جديده وروحا جديدة ايضا .اناس وعلاقات إنسانية مترعة .. سنوات قليلة اعطته من الدنيا الكثير وأخذت منه الأكثر . لكنه محكوم دائما بمقولة (دع الخلق للخالق) وقبول كل ما يحصل على أنه مكتوب من رب العباد.. لذلك كان دائما راض ودائما يقوم بما يجب أن يفعله على أن ذلك أمر الله الشخصي له

.هنا تنتهي الرواية .لكن لا تنتهي قراءتها طبقات فوق بعضها.. هي حديث عن النسيج الاجتماعي والتعايش بين المسلمين والمسيحيين الأقباط على مستوى إنساني من التعامل بالمعروف واحترام معتقد كل للآخر. ولنعرف الحكم المصري وقتها وكون الملك وحاشيته يكاد يكونوا مجرد ديكور على أرض تختلف كليا عن طبقة الملك وحاشيته.. سنتعرف على بذور تشكيل الوعي اليهودي وبداية خلق أرضية للبحث عن كيان عبر النشاط الصهيوني. سنرى العالم يمارس لعبة الموت عبر حرب أكثر من مجنونة تطال كل الارض وضحاياها بالملايين وعندما تسأل لماذا ستجد انها التحاق بوهم السيطرة والتملك والهيمنة.. والبشر العاديين والشباب خاصة ضحية سياسيين كانوا أدوات قتل فتاكة تطال شعوبهم وشعوب العالم.. ولسان حال انسان الغابة الاول يترحم على ايامه الاولى ، قياسا بحال انسان العصر الحديث العاقل المتفلسف المشبع دينيا وعلميا..ولكنه للأسف الاكثر وحشيه
.الرواية تستحضر الحرب العالمية الثانية. ويحضر معها حرب العالم على أمتنا العربية في كل الأقطار قتلا لشعبنا بأدواتهم وبأيدينا.. وفي كل الساحات.. طعم الدم واستحضار الدمار والتشرد والعري والجوع والمرض والفساد ومشاريع آلاف الشباب ضحية لإرهاب المستعمر والأنظمة المستبدة الظالمة
لا شيء تغير . ما زال الانسان يبحث عن حقة بالحرية والعدل والكرامة والديمقراطية. وما زال البعض من حكام العالم يعيدونا للغابة ليفترسونا.. تحت كل المسميات الاخلاقية والانسانية واعطائنا حقوقنا التي يقتلونا ويقتلوها معنا.. نحن الشعب العربي في هذه اللحظة التاريخية..

24.11.2014

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رواية “لا أحد ينام في الإسكندرية” للروائي الكاتب “ابراهيم عبد المجيد” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الرواية تدور أحداثها بفترة الحرب العالمية الثانية وتتحدث عن رجل صعيدي طرد من قريته مع زوجته وابنته الصغيرة وتوجه للإسكندرية للبحث عن شقيقه ، يتطرق للحديث عن النسيج الاجتماعي والتعايش بين المسلمين والمسيحيين الأقباط على مستوى إنساني من التعامل بالمعروف واحترام معتقد كل للآخر

زر الذهاب إلى الأعلى