![](https://arabiansforum.net/wp-content/uploads/2024/01/download-1.jpg)
فواز خيو شاعر وكاتب وصحفي سوري. تقرير الى غودو أول عمل أقرأه له.
العمل الذي بين يدينا السيرة الرواية ، يكاد يكون شاملا الذاتي النفسي والشخصي والاجتماعي والمجتمعي والسياسي السوري والسياسي العام، شاملا العالم، وحتى الفلسفي والديني وكل مايعتمل في ذهن الانسان بعلاقته مع وجوده.
لم يكن فواز خيو مجرد عابر سبيل في الحياة، أراد أن يضع بصمته على كل ما مرّ به ومعه، وكان شفافا ونقديا، صادقا مع نفسه قبل الآخرين، جارحا بعض الأحيان، لذلك كان لا بد أن يُظهِر عريّه وهذا جعله تحت سيف المتابعة حبا ونقدا.
ولد فواز خيو في قرية رضيمة اللواء وهي من قرى السويداء، في بداية ستينات القرن الماضي من عائلة كادحة والده يعمل في الكويت ووالدته تعمل في الحصيد بأجر يومي ولد ضمن اسرة كبيرة، لكنه ولد بساق معوجه، لذلك تطلّب أن يخضع للعلاج منذ صغره، وهذا أورثه بعض الحدة والقسوة. تعلم في القرية، لم يكن يحب التعلم ولم يتفوق بدراسته، لذلك دخل اختصاص الصناعة في دراسته الثانوية، وأخذ البكالوريا وانتقل بعد ذلك للعمل معيلا لنفسه. طفولته لم تكن مريحة والدته تحبه وتحميه دوما. والده كان يغيب في سفراته كسائق وعندما يحضر، يأتي معه عنفه الذي يؤلم فواز. ومع ذلك كان يُسعد بهدايا والده على تواضعها. القلم الذي أعطاه إيّاه والده احسّ فواز معه وكأنه جاء يحمل معه رسالة الحياة أن تكون كاتبا ولك حضور ودور. كذلك الدراجة التي استمتع بها فواز وأصلحت اعوجاج رجله التي كانت قد زادت عطبها بالعلاج في طفولته. استمر يعرج قليلا. وهذا يورث في النفس بعض الاذى والعدوانية تجاه الحياة…
انعكست بيئة فواز في جبل العرب على مخزونه العقلي والمعرفي، فهو يعتقد انه عاش حيوات اخرى يذكرها وتعود له بين حين وآخر.
بعد حصول فواز على البكالوريا الصناعية بحث عن فرصة عمل ولا بد من الاستفادة من شبكة العلاقات الاجتماعية، وهكذا وجد عملا في مؤسسة الوحدة التي تصدر الصحف السورية البعث والثورة. توظف في الصيانة الفنية…
يمتلك فواز عقلا نقديا ساخرا هذا غير حبه للقراءة والاطلاع، وغير تتبعه للسياسات الدولية عبر اثير اذاعة لندن ، اكتشف في نفسه موهبة الشعر والكتابة الساخرة الناقدة، لمّاح في التقاط الأخطاء وقدير في تعريتها وتحولها إلى مقالة صغيرة تأخذ حيز وجودها…
حاول أثناء عمله فنيّا في صحيفة الثورة أن ينشر بعض أشعاره. ونشر مرة مقالة صغيرة ساخرة ناقدة لفتت الانظار اليه. وهكذا انتقل إلى قسم التحرير في الصحيفة. وسرعان ما اعطي زاوية ناقدة يومية في الصفحة الأخيرة تحت عنوان أبجد هوز. وأصبحت مع الوقت الأكثر قراءة ومتابعة، كان يتابعها المسؤولين ويباركون نقديتها التي تسلط الضوء على بعض العيوب والأخطاء والفساد في سوريا. كان مسرح حركته الخط الأحمر لا يتجاوزه. كان واحدا من الذين يظهرون بمعرفة أو من غير معرفة أن الصحافة في سوريا وكذلك بعض المسرح وحتى بعض النشر الادبي حاضرون لرصد الأخطاء والمخطئين وان في سوريا حرية وان المخطئين تحت المحاسبة والتشهير والمساءلة.
نموذجهم مسرحيات دريد لحام وكتابات الماغوط و فواز خيو نفسه. كانوا اصدقائه ايضا. كان يتصرف على قاعدة الممكن المتاح في النقد…
فواز خيو له رأي في كل شيء في الحياة. مؤمن بالاقدار المرسومة لكل انسان، ليس بشكل ديني بل بشكل طاقي، حسب علم الطاقة الذي تابعه وتبحر به. وقد تكون مطعمة مع السحر وكيد الآخرين لرسم مسار الحياة للناس ومصائرهم… لن أناقش ذلك فهو رأي من آراء… لكن المهم ان حياة فواز كانت غير مستقرة بحيث يكون دائما هناك متغيرا في حياته يحرف مجراها بالكامل. احب اكثر من مرة بهيام وعشق كبير أنتج أكثر من ديوان شعر يتمثل حالاته تلك. لكنه عندما تزوج كان زواجه عاديا. انجب ابنا وابنه وكان مصير زواجه الطلاق بعد ذلك. تزوج أخرى وطلّق ايضا. استمر وفيا لمن احب يذكرهم دائما وكأنهم طاقة النور الأهم في حياته. فواز رجل مستقيم غير قابل للشراء دفع ثمن استقامته، ان استمر كادحا اضطر أن يعمل بتمديد الكهرباء في الإنشاءات الجديدة ، اضافة لعمله الصحفي ليؤمن لقمة عيشه. له مواقف من كل القضايا العربية والعالمية. يقاربها وتظهر كظل عن موقف النظام السوري ؟!!.. القضية الفلسطينية و مجازر أيلول الأسود، وكذلك العراق وصراع الإخوة الأعداء مع سوريا. موقفه مما حصل في سوريا عبر العقود السابقة مطابق لموقف النظام سواء في أحداث الثمانينات وحتى في ربيع دمشق بعد عام الألفين في بدايات عهد الرئيس الابن.؟!!…
الخط العام لتفسير الحالة السياسية والمجتمعية في سوريا هو أن القيادة تتصرف بشكل صحيح وهي فوق النقد وفوق الخطأ وأن الأخطاء والفساد يحصل في المستويات الدنيا. وأن كشفها وتسليط الضوء عليها سيؤدي لمعالجتها. وهذا ما كان يقوم به فواز وغيره. وكان يحظى برعاية السلطة بأعلى مستوياتها. انه يقوم بتطهير النظام ورفع المسؤولية عنه وتبرئته من الفساد والفاسدين !!!…
لكن فواز وبعد مضي عشرين عاما على دوره هذا في زاويته أبجد هوز وبعد حصول الربيع السوري في ربيع ٢٠١١م. كتب في زاويته ينتقد دور الجيش في بعض ما حصل. وذلك عام ٢٠١٣م، مما أدى إلى إيقافه عن العمل الصحفي: لقد انتهى دورك قف جانبا…
لفواز موقف محزن من الثورات في العالم ومنها ثورات الربيع العربي يراها وبالا على شعوبها حسب مآلاتها . نعم فشلت أغلب ثورات العالم التي انتهت بأنظمة استبدادية دمرت ما يريد الشعب بثورته. لكن يا صديقي فواز من قال إن على الشعوب المظلومة ان لا تثور لان هناك من يستغل هذه الثورات من الانظمة المستبدة نفسها وطبقة الجيش والأمن والبنى الطائفية ؟!!. اضافة لحلفاء هذه الانظمة الذين يمصون دم الشعوب ومن حكّام العالم أيضا.
هل نقول للمظلومين استمروا على حال القهر والفقر والجوع والاستبداد والاستعباد لأنك لن تنجح بثورتك.؟!!. من يستطيع منع الإنسان أن يناضل من أجل حريته وبحثه عن حياته الافضل.؟!!.
نعم تنتصر الثورات عندما تنتهي بالديمقراطية للدولة والمجتمع، نموذجها الثورة الفرنسية أم الثورات في العصر الحديث. نعم نجحت نسبيا. الحرية والعدالة والديمقراطية مطلبنا بثورتنا في الربيع العربي. ولن نضحي بأحد منها لحساب الآخر…
تناول فواز الربيع السوري وثورة السوريين لكن من نتائجها عليه ومن زاوية ضيقة خاصة. وكأنه ان تورط وتوسع فلن يستطيع أن يبرر كل ما حصل…
نعم لقد ذكر انه بعد السكن في بعض بلدات الريف الغربي لدمشق وانه انتقل الى بيت في ضاحية عدرا العمالية وهناك وبعد حصول “الأحداث” في سوريا وصلت جبهة النصرة إليها وسيطرت عليها. واحتجزته هو وزوجته وابنه وابنته. ولولا ظروف ومتغيرات لكان مصيره الذبح لقد تم انقاذهم بتدخلات عدة…
ياصديقي هل هذا ما حصل في سوريا منذ ربيع ٢٠١١م حتى تاريخ تدوين سيرتك الذاتية ٢٠١٨م. ؟. بالطبع لا …
يجب أن تتحدث عن البعث الذي سيطر على الحكم في سوريا، صنع دولة استبدادية منذ تاريخ مولدك يا صديقي. وتحولت لدولة الأسد بالمطلق وانت في عمر تسع سنوات عام ١٩٧٠م. وخلقت طبقتها العسكرية والأمنية من بنيتها الطائفية العلوية منذ ذلك الوقت واستمرت حتى هذه اللحظة تستغل سوريا كلها شعبا وموارد . وامتدت نزعة الهيمنة والاستغلال لدى النظام الى لبنان والقضية الفلسطينية وغيرها. لن نتوسع بالحديث عن هزيمة ١٩٦٧م ومن بطلها ؟!!. ولا “نصر” ١٩٧٣م الذي أصبح بعده الصهاينة على مشارف دمشق ؟!!….
حولت طبقة النظام سوريا مزرعة لهم. لقد عاش بعض الشعب السوري هول أن يكون معارضا وطنيا ديمقراطيا وليس فقط الاسلاميين. تذوقوا عقودا من الاعتقال والتعذيب والقتل ايضا. في كل الأوقات وليس في الثمانينات فقط. …
أما ما حصل في الربيع السوري فهو شمس لا يستطيع إخفاءها إلا الأعمى . نعم خرج الملايين للشارع يطلبون سلميا الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. ومنهم اهلنا في السويداء الذين مازالوا للآن عنوانا للمواقف المشرفة عبر ثورتهم المتجددة المستمرة منذ أشهر وعبر رجال الكرامة أول من وقف وقفة عز وانتماء للثورة السورية. ..
تم مواجهة الشعب الثائر السلمي ومطالبه بالسلاح والنار والتدمير لأنهم يريدون اسقاط النظام الذي نصب نفسه إلاها على الشعب السوري…
يا صديقي مئات الآلاف قتلوا ومثلهم اعتقل وغيّب وتم تصفيته. ملايين هجروا داخلا وخارجا. نصف الشعب السوري في المنافي. مدن وبلدات دمرت وهجر أهلها بالكامل. بجوار صحنايا التي سكنتها تقع المعضمية وداريا لابد مررت عليهم وهم خاويين يبكون اهلهم…
أدرك أن في فمك ماء فأنت في قلب فم الاسد ووصلتك رسالة: ان اصمت. نعم فصمتت.
لن أبرر أي مظلمة جاءت على أي سوري ممن ادعى انه ينصر شعبها او ينتصر لله والشريعة وغير ذلك من دعاوى كاذبة . كله مدان. النصرة وداعش وغيرهما… ولكن من الفاعل الأكبر الذي سبب ومازال يسبب كل هذا الموت والعار والدمار وقتل الوجود الانساني في سوريا… هو النظام ياصديقي وغير ذلك كل ما حصل في سوريا هو من تبعات فعله الظالم المستبد…
سعدت كثيرا بعشرات رسائل التقريظ لكتابك السييرة وهم كلهم في سوريا حيث سقف التعبير والنقد معروف، ولن اقول ان بعضهم من كتّاب النظام على شاكلة فقهاء السلطان…
لكن حشد المظلومين الذين يضعون على عيونهم ساترة ويسدون آذانهم عن أصوات ضمائرهم وعذابات اهلهم وناسهم. ويلجمون ألسنتهم عن قول ما لا يجب ان يقال خوفا وتقية، للحفاظ على الوجود بالحد الأدنى الذي أصبح امتهانا للإنسان في سوريا هذه الأيام الى درجة الإحساس بالعار.
اعلم انك نظيف اليد ولم تتاجر بالنقد “المسموح به” لتستفيد من النظام كما فعل الكثير، وهذا يحسب لك انك كنت مخلصا لضميرك بقول ما قلت…
ياصديقي العزيز اشكرك انك ارسلت الي روايتك سيرتك. ولانك اصيل ولاني ارت رد الجميل كتبت لك صادقا حقيقة ما أرى. فأنا من جيلك. وما تحدثت عنه عشته. كنت في المقلب الآخر تارة معتقل وتارة أعمل لأعيش وكل الوقت اقرأ واتابع كشاهد على حياتنا المؤلمة لقد غادرت سوريا يوم وضعوا على فمك قفلا…
غادرت حفاظا على الحياة…
اختم بالقول ان في سيرتك عشرات الموضوعات التي يمكن النقاش بها… اكتفيت بما كتبت تعقيبا… المهم العبرة …
دمت اخي فواز خيو مبدعا ومتألقا .
١٩ . ٧ . ٢٠٢٣م.
رواية “سيرة: تقرير إلى غودو” للكاتب الصحفي والشاعر السوري “فواز خيو” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من قبل الكاتب “احمد العربي” والتي تعبر عن سيرة ذاتية لما يؤمن به الكاتب ليكون شاملا الذاتي النفسي والشخصي والاجتماعي والمجتمعي والسياسي السوري والسياسي العاموحتى الفلسفي والديني وكل مايعتمل في ذهن الانسان بعلاقته مع وجوده .