قراءة في كتاب: المسألة السورية ٣ من ٤ ||  ومرايا الجيوبوليتيك الدولي

أحمد العربي

رابعا: المعارضة السورية بين الممكن والمأمول.

في هذا الفصل من كتاب د جمال الشوفي، يتحدث عن المعارضة السورية التي توالد اغلبها منذ حقبة ما قبل سيطرة البعث على سوريا بعد انقلاب آذار عام ١٩٦٣م. وكيف استحوذ الاسد الاب على السلطة في سوريا منذ عام ١٩٧٠م مبعدا بالقوة جميع أخصامه في حزب البعث. وكيف لعب مع بقية الأحزاب السياسية الحزب الشيوعي السوري والاتحاد الاشتراكي العربي و الوحدويين الاشتراكيين والاشتراكيين العرب  لعبة العصا والجزرة تحت دعوى تشكيل جبهة وطنية تقدمية على أساس التوافق على المبادئ الأساسية للسلطة السورية الوحدة والاشتراكية…

لم يكن الاسد الاب جدي في خلق دولة تحالفية مع الأحزاب، لكنه اعتمد على خلق أتباع له من كل الأحزاب حيث قدم لهم رشاوي على شكل مكتسبات فردية، وتبين للأحزاب كلها نية الاسد الاب الحقيقية عندما طرح الدستور الجديد عام ١٩٧٢م وأعلن فيه حزب البعث قائد الدولة والمجتمع وصادر كل القوى السياسية الأخرى ودورها. لذلك بدأت الانشقاقات في الأحزاب المذكورة الانتهازي منها التحق بركب النظام تحت مسمى الجبهة الوطنية التقدمية، والآخرين بدؤوا في مناقشات مكثفة ومتواصلة أنتجت التجمع الوطني الديمقراطي مؤلف من الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والحزب الشيوعي المكتب السياسي والاشتراكيين العرب المنقسمين عن جبة السلطة ومثلهم الوحدويين الاشتراكيين وحزب العمال الثوري. واستمروا بتفاعلاتهم والإدلاء بآرائهم بكل ما يمر في سوريا. بدء بالصراع بين النظام والطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين في سبعينات و ثمانينات القرن الماضي. وأعلنوا عن موقف ضد استبداد السلطة وضد طائفية وعنف الطليعة المقاتلة. مما ادى لان يتعرضون لحملة اعتقالات طالت الكثير من كوادرهم وقيادات، تعرضوا للتعذيب والسجون استمر بعضها إلى أكثر من عقد كان أشدها على رياض الترك الأمين الأول في الحزب الشيوعي المكتب السياسي. في اعتقال دام ١٨ سنة متواصلة…

لقد كان لفترة اواخر السبعينات واوائل الثمانينات والبطش الذي تعرض له كل من عمل بالسياسة المعارضة في سورية دور في انحسار العمل المعارض وأصبحت سوريا مملكة القمع بقيادة الاسد الاب وعصبته الحاكمة…

حاول الأسد الابن أن يمتص الاحتقان الشعبي أول تسلمه للسلطة توريثا بطريقة غير شرعية وغير قانونية. قدّم نفسه من خلال الادعاء انه منفتح على الرأي والرأي الآخر. مما جعل بقايا الأحزاب المعارضة والمجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ان تستثمر هذه الفرصة وتفتح المنتديات مثل منتدى جمال الأتاسي ورياض سيف وغيرهم كثير، وتبدأ في تداول الخيارات المستقبلية للوصول الى سورية الديمقراطية، حيث سميت تلك النشاطات بربيع دمشق. لكن النظام لم يكن جادا في الإصلاحات واغلق المنتديات واعتقل قيادات الناشطين لسنوات عدة متفاوتة وهكذا عادت سورية لتكون جمهورية القمع والممنوع وجود أي معارضة جدية فيها…

هكذا استمر الحال حتى الربيع العربي ووصوله الى سوريا في ربيع عام ٢٠١١م وبدأ الحراك الشعبي المنطلق من المظلومية المجتمعية، لم تكن بقايا الأحزاب السياسية المعارضة صانعة الثورة السورية الوليدة، لكنها كانت مشاركة فيها في الميادين. وعندما استمرت الثورة كان لا بد أن يتوالد ممثلين سياسيين لها وهكذا عاد للأحزاب السياسية المعارضة والمجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان حضورا وكانوا في بنية المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بعد ذلك، وسرعان ما تشكلت على خلفية الاختلافات السابقة فكريا وسياسيا لهذه الأحزاب تشكيلات سياسية، تعلن اختلافات في الرؤى والتوجه، لكنها تخفي في أعماقها تغليب البعد الحزبي والمصلحي والفكري الذاتي لكل طرف على حساب القضية العامة للثورة والشعب السوري. هذا غير دخول الكثير على خط التمثيل السياسي لم يكن من أطراف الأحزاب المعارضة سابقا، لكن له من يدعمه من القوى الدولية والاقليمية التي استلمت الملف السياسي السوري المعارض، لذلك بالتوازي مع تشكيل المجلس الوطني تشكلت هيئة التنسيق الوطنية. ثم وبعد دخول موسكو على القضية السورية بقوة عسكريا وسياسيا. تشكلت منصة موسكو وكذلك منصة القاهرة. وتوالد عن الكل هيئة للتفاوض باسم المعارضة السورية. كانت الغلبة في هذه المنصات للاختلاف وليس التوافق، ولا بد من التأكيد على تأثير الاطراف الاقليمية والدولية الداعمة لكل طرف من هذه الأطراف. وهي أمريكا وروسيا وتركيا والسعودية وقطر وغيرهم. وسرعان ما تم تهميش العمل السياسي في القضية السورية وبقيت هيئات شبه مجمدة باستثناء الائتلاف الذي بقي تحت المظلة التركية ليكون الغطاء السياسي في مناطق الشمال السوري المحررة ليعطي صبغة سياسية للحكومة المؤقتة التي تمثل مع الائتلاف صيغة الشرعية السياسية في الشمال الغربي السوري.

كما تحول تواجد حزب العمال الكردستاني مسيطرا في قوات سوريا الديمقراطية و مبعدا الأحزاب الكردية المنضوية تحت مسمى المجلس الوطني الكردي والمكونات الاخرى العربي والمسيحي الاشوري وغيرهم، وتعمل لتشكيل شبه دولة انفصالية كردية في شرق الفرات وشمال شرق سوريا تحت الحماية الامريكية.

كذلك لا بد من ذكر العمل العسكري المعارض للنظام الذي نتج عن عنف النظام ومن ثم عسكرة الثورة السورية، وان اغلب من عمل عسكريا بالبداية كان من خلفية وطنية للدفاع عن الثورة والمتظاهرين. وسرعان ما تدخلت القوى الدولية والاقليمية ليكون لها حضورها العسكري في الثورة السورية عبر تقديم الدعم المالي والعسكري. وهكذا أصبحت سوريا ساحة توالد لقوى عسكرية وطنية وإسلامية ودخلت القاعدة على خط الصراع السوري وشكلت جبهة النصرة ومن ثم هيئة تحرير الشام. ثم حضرت الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش التي حاربت الكل وسيطرت على كثير من المناطق المحررة من سيطرة النظام. وسرعان ما حضر التحالف الدولي بقيادة أمريكا لتحجيم داعش والقضاء عليها..

المشهد العسكري لقوى المعارضة في سوريا المحررة الآن يتمثل بوجود قوى الجيش الوطني السوري الذي يمثل المعارضة السورية ويتواجد في الشمال الغربي السوري. تحت المظلة التركية. أما ادلب فهي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام. ولا بد من التنويه أن توافقات أمريكية روسية عام ٢٠١٨م. أنهت القوى الثورية المعارضة في الجنوب السوري. وتحويل الثوار في الجنوب إلى قوى عسكرية تحت سيطرة الروس…

وهكذا تحجّمت المعارضة السورية السياسية والعسكرية، خاصة بعدما أصبح  الملف العسكري تحت سيطرة الثلاثي روسيا ايران وتركيا وأصبحت جزء من حالة الثبات الحاصلة بين القوى الدولية والإقليمية المسيطرة على سوريا بتقسيماتها الواقعية لسوريا وتحويلها لمراكز نفوذ لها…

يتبع.

٢٠ . ١ . ٢٠٢٤م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى