لماذا تركز الاستهدافات التركية على البنى التحتية شمالي سورية

أطلقت تركيا حملة قصف جوي استهدفت مناطق متفرقة من شمالي سوريا والعراق، لكنها تركزت بشكل أكبر في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” (المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” قسد) شمال شرقي سوريا.

واستهدف التصعيد بشكل رئيس البنى التحتية، ومحطات توليد الكهرباء، ما أثر سلبًا على حياة المدنيين في المنطقة، في حين أعلنت تركيا أن هدفها من الحملة هو تعطيل موارد حزب “العمال الكردستاني” المدرج على “قوائم الإرهاب” لديها.

وفي الوقت الذي تتجاهل فيه “الإدارة الذاتية” الاتهامات التركية، بأنها تشكل امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” واستغلال “الحزب” للموارد الخدمية والاقتصادية في شمال شرقي سوريا، كررت وزارة الدفاع التركية عبر بيانات رسمية إشارتها إلى أن حملتها تستهدف “الحزب”.

استهدافات للبنى التحتية

في الوقت الذي تستهدف فيه تركيا ما تقول إنه خطوط إمداد وإنتاج حزب “العمال الكردستاني” شمال شرقي سوريا، يعيش سكان المنطقة حالة من القلق بسبب مخاوفهم من فقدان الخدمات الأساسية القليلة أصلًا في المنطقة.

مراسلا عنب بلدي أفادا أن خدمة الكهرباء كانت تصل إلى المنطقة لمدة ساعة واحدة عبر خطوط الكهرباء الرئيسة، ما يدفع السكان للاعتماد على اشتراكات “الأمبيرات” قبل التصعيد، لكنها قد تنقطع بشكل كلي حاليًا.

وقال الرئيس المشترك لمكتب الطاقة في مقاطعة الجزيرة، أكرم سليمان، لراديو “آرتا إف إم” المحلي، الاثنين، إن الهجمات التركية تسببت بانقطاع الكهرباء عن تسع بلدات في الجزيرة، إضافة إلى نصف مدينة القامشلي، و2232 قرية.

وأوضح أن الطيران التركي استهدف بسبع ضربات محولات القدرة في أربع محطات تحويل رئيسة، بناحية الدرباسية، وعامودا، والقامشلي، والقحطانية.

من جانبها، قالت “الإدارة الذاتية”، إن تركيا نفذت 73 هجومًا على مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، استهدفت قرى ومنشآت خدمية.

وأضافت أن سبع هجمات جوية طالت محطات نفطية في خمسة مواقع، منها محطة “السويدية” بأكثر من 10 صواريخ خلال غارة جوية، ما تسبب بإلحاق أضرار كبيرة بالمحطة، إلى جانب هجمات أخرى توزعت على مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”.

مصدر مسؤول في مديرية المياه بمدينة القامشلي (تحفظ على اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام دون تصريح مسبق) قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن القامشلي تغذيها ثلاث محطات للمياه هي محطة “الهلالية” يوجد فيها 51 بئرًا للمياه، ومحطة “العويجة” وفيها عشر آبار، ومحطة “الجقجق” بخمس آبار.

وأضاف أن القصف الذي طال المنطقة على مدار الأيام الماضية أسفر عن انقطاع الكهرباء عن محطات تغذية المياه في القامشلي، باستثناء محطة “الهلالية” التي تعتمد على مولدات الديزل للتغذية بالكهرباء، في حين خرجت بقية المحطات وآبار المياه الشرقية من محافظة الحسكة عن الخدمة.

مهندس بترول يعمل في حقول نفط “رميلان” شرقي الحسكة، قال لعنب بلدي، إن معمل غاز “السويدية” خرج كليًا عن الخدمة، في حين توقفت إمدادات النفط نتيجة انقطاع شبكة الكهرباء الأساسية المغذية لعمل المضخات.

وأضاف المهندس الذي تحفظ على اسمه كونه غبر مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن بعض آبار النفط لا تزال تعمل في المنطقة، وهي الآبار ذاتية الدفع التي لا تحتاج إلى مضخات.

تصعيد غير مفاجئ

في 4 من تشرين الأول 2023، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن منفذي الهجوم على مديرية الأمن العام في أنقرة، قبل أيام قدما من سوريا وتلقيا التدريب في تركيا.

وأضاف الوزير خلال مؤتمر صحفي مع وزير خارجية شمال قبرص التركية، أن جميع مرافق البنية التحتية والطاقة الفوقية التابعة لحزب “العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” في العراق وسوريا، ستكون “أهدافًا مشروعة” من الآن فصاعدًا للقوات الأمنية التركية وعناصرها الاستخباراتية.

ودعا أي طرف ثالث للابتعاد عن مرافق وعناصر حزب “العمال” و”الوحدات” قائلًا: “رد قواتنا المسلحة على الهجوم الإرهابي سيكون واضحًا للغاية، وستأسف الأطراف المتورطة بشدة على ارتكاب مثل هذا العمل”.

وجاءت تصريحات الوزير التركي بعد هجوم بعبوة ناسفة وقع في الشهر نفسه في منطقة كيزيلاي وسط العاصمة أنقرة، التي تضم عددًا من المباني الحكومية من بينها وزارة الداخلية والبرلمان، تبعه إطلاق نار في المنطقة نفسها، وأعلن “العمال الكردستاني” مسؤوليته عنه.

ووفق وزارة الداخلية التركية، فإنه نتيجة للبحث وتحليل الحمض النووي، تبين أن أحد المهاجمين هو حسن أوغوز، الملقب بـ”كانيفار إردال”، وهو عضو في أحد فروع “اتحاد منظمات كردستان” (KCK)، الذي تنبثق عنه أحزاب مسلحة منها “العمال الكردستاني”.

وبناء على التحليل نفسه تبين أن المهاجم الثاني هو أوزكان شاهين، وهو عضو في المنظمة نفسها، بحسب بيان الداخلية التركية.

ما الهدف؟

في تحليل كان قد نشره مركز “جسور” سابقًا مع بداية التحول باستراتيجية تركيا بانتقاء الأهداف شمال شرقي سوريا، اعتبر أن التصعيد “مناسب للولايات المتحدة وتركيا”.

أرجع التحليل سكوت واشنطن عن التصعيد إلى رغبتها بموافقة أنقرة على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أنها ترغب بالضغط على حزب “الاتحاد الديمقراطي” (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) من أجل العودة إلى الحوار الكردي- الكردي الذي انطلق بدعوة منها عام 2020.

ومن جانب آخر، تريد تركيا ضمان الحد الأدنى من تقويض قدرات “العمال الكردستاني” ومصادر تمويله ومنع مشروعه في تحويل مناطق سيطرة “قسد” في سوريا إلى “قاعدة عملياتية” لعناصره وأنشطته من نقل وتدريب وتسليح واستشفاء أو تحويل هذه المناطق لمشروع استثماري لتأمين موارد مالية ثابتة لتمويل أنشطة الحزب.

وأضاف أن تركيا تدرك على ما يبدو أن هذا الشكل من أشكال التصعيد يشكل بديلًا مؤقتًا عن عدم قدرتها على تنفيذ عملية عسكرية برية جديدة في سوريا، إضافة إلى عدم نجاح عمليات استهداف كوادر “العمال” وقيادييه في تفكيك منظومة سيطرته على مناطق شرقي سوريا أو تجفيف موارد تمويله هناك.

الباحث المتخصص في الشأن الكردي بمركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إنه بالرغم من التأثير الذي فرضته تركيا على نشاط “العمال الكردستاني” في المنطقة، لم تتمكن من تقويض عملياته في سوريا، وإيقاف استهدافاته للأراضي التركية.

وأضاف الباحث أن تركيا وجدت نفسها أمام خيار ضرب هذه “القاعدة العملياتية” لمنع “العمال” من تهديد أمنها القومي، وتقويض قدرته على التحرك.

وكنتيجة جزئية، تحاول تركيا فرض حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بهدف تقويض موارد النفط والغاز، وزيادة الضغط الشعبي، أو من جانب التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، على “الإدارة الذاتية” لفك ارتباطها بـ”العمال” كون الارتباط صار مرتفع التكلفة على المنطقة واستقرارها، بحسب الباحث.

ومنذ تشرين الأول 2023، اتخذت الاستهدافات التركية في سوريا منحى جديدًا، إذ تركزت الاستهدافات على مواقع خدمية وبنى تحتية بمناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في سوريا تنخفض وتيرتها وترتفع بناء على تحركات “العمال الكردستاني” شمالي العراق أو داخل تركيا.

 

المصدر: عنب بلدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى