رواية الجدار للكاتبة ليلى جراغي تتحدث بطريقة الخطف خلفا يعني من النهاية. وهي أقرب لرواية السيرة الذاتية لبطلة الرواية وميزتها انها انطباعية أيضا. بصمة بطلتها لارا تنطبع من خلال تقييمها للأفراد والأحداث والعلاقات الإنسانية
.البطلة لارا وزوجها سمير ينهمكان بالتسوق لأجل احتفال آخر العام في هولندا. وهم من أصول عراقية . حيث ستدعوا لارا العائلة كلها .أمها وابوها واخواتها وزوجاتهم . وكذلك أخيها وخطيبته التي لا تتوافق معه
لارا وسمير يعانيان من أولادهم ، الكبير الذي تماهى مع العيش والانتماء لهولندا ، حيث التحق في الجيش الهولندي والخلافات مستمرة بينه وبين والده ووالدته عن العرب وتخلفهم ، عن العراق الذي احتلته أمريكا في عام 2003 . وهم في عام 2008. وابنهم الذي يبرئ الغرب من ذنوبه بحق العرب والعراقيين. وانهم يستحقون ما هم به.. وقد يرافق الجنود الهولنديين للحرب في العراق.. ولكنه لا يفعل.. لارا وسمير يعانيان أيضا من ابنهما الثاني الذي لم يستطع أن يتحمل غربته في هولندا ولم يستطع التكيف . ولم يتقدم علميا وهو على شجار دائم مع زملائه الذين ينظرون له ولا مثاله بنظرة دونية لكونهم عرب ومسلمين.. يفكرون بابنتهم التي تحاول أن تعيش حياتها .وتلبي رغبات الأهل حول قيم الشرق والإسلام واخلاق بلادنا واخلاق الغرب . خاصة فيما يتعلق بالحياة المفتوحة للغرب .وأن عالم الجنس مفتوح و مباح و محبذ و له سوقه أيضا. كل ذلك يتناقض مع إرثهم الديني والأخلاقي..
انهم عائلة مغتربة غير متكيفة وتعاني
.لارا تتذكر وتعود بنا الى جدها ..حسين زاده الكردي الإيراني. ابن قرية إيرانية على الحدود مع العراق وذلك في ثلاثينات القرن الماضي .يعيشون على الزراعة وتربية المواشي.. وفيهم كل مواصفات القرى وخلافاتها وعصبيات أهلها. حيث يقتل اخوه ابن جيرانهم في منافسة على صبية تمت له بصلة قربى . وتقدم اخته فدية زواج لاخ المقتول حلا للخلاف. الذي قد يودي بحياة الجميع بين قتل وقتل متبادل.. وترحل الأخت وعائلتها إلى العراق لتعيش هناك عبدة عند العائلة تحت مسمى زوجة.. حسين وفي وقت قصير يجد نفسه وحيدا .. الطاعون اجتاح قريتهم وعدة قرى . أطاح بعائلته كاملة ولم يبقى الا عائلة خاله . خاله الذي يرتبط مع ابنتهم بقصة حب موعود بالزواج.. لكنه يئس من البلاد التي طالت بالطاعون كل الاحباب.. وقرر السفر للعراق الى اخته. ليصنع حياة وعملا ويعود ويتزوج ويبني حياته .. ويغادر للعراق الى الجنوب حيث قرية الحي .. ويلتقي بأخته ، يطّلع على حياتها المؤلمة . زوجها توفى وعندها طفلان وعائلة زوجها تستعبدها.. أحالته إلى أقربائه الآخرين .احتضنوه قليلا ومن ثم ذهب مع بعض الشباب الى الجنوب وعمل في شركة النقل البريطانية. والعراق وقتها كان تحت الاحتلال البريطاني.. وعاد بعد سنوات لإيران وتزوج ابنة خاله وعاد بها الى العراق . وبنى بيتا وعملا واستقر في الحي مع أقربائه. وأنجب ابنين وابنه . أحد الأبناء سيكون والد لارا .. سيتأثر الجد والأبناء بالأفكار الشيوعية وما تزرعه في النفس عن الحق والعدل.. ومما ادى بعد ان كبر الأولاد . ليعيش تجربة الاعتقال . وليكونوا مصنفين سياسيا كمعادين.. وكانت لهم مشكلتهم الأخرى. إنهم حين التسجيل في دوائر الدولة سجلوا من التابعية الإيرانية . وهذا حرمهم من التجنس رغم أنهم ولدوا وتزوجوا وأنجبوا أولادهم أيضا في العراق.. وهذا حرمهم مع الأيام من فرصة التعلم أيضا.. وكانت لارا قد عانت من ذلك وطردت من المدرسة لعدم تقدمها أوراقها الثبوتية كعراقيه.. كانوا يعيشون حياتهم على الهامش .وتأكلهم مشاكلهم اليومية البينية الصغيرة . وعقولهم لم تستوعب الرياح القادمة التي ستقتلعهم جميعا. كانوا يعيشون في مجمعات صغيرة منعزلة عن العالم الخارجي . الرضى يطالهم رغم قساوة الحياة حولهم.. وهم محاطين بالتخلف والجهل وانتظار المجهول والاستسلام له. حصل هذا عندما قامت حركة الخميني في إيران. وحصلت بعض التفجيرات في العراق. نسبته الحكومة الى الإيرانيين الموجودين في العراق. واتخذ قرار بترحيل كل الإيرانيين في العراق واعادتهم لإيران. وهكذا وجدت عائلة لارا وامثالها انفسهم تحت التشرد. فلا أملاك تؤخذ ولا مشترين واغلب من أتمن على الأملاك حولها له .دون أدنى معاناة لضمير . لارا كانت قد استفادت من وفاة ابنة خالها وهي طفلة وخالها ممن كان مثلهم إيراني الجنسية لكنه الحق نفسه بالرشوة في قبيلة عربية عراقية وكسب الجنسية العراقية. وهكذا صارت ابنة خالها بالوثائق . وتزوجت من سمير العربي ايضا. ولم ترحل مع عائلتها
حصلت الحرب العراقيه الايرانيه واكلت الشباب والأبناء في العراق وايران.. لارا وسمير يعيشون حياتهم في جحيم متغيرات لا علاقة لهم بها لكنهم ضحاياها.. وأنجبت أولادها وبعد احتلال الكويت ومن ثم تحريرها . استطاع والدها الوصول لاربيل من إيران. طلبها وذهبت اليه مع زوجها و اولادها. والتقوا ليقدموا لبعضهم صورة عن مأساة الطرفين على جانبي الحدود في العراق وايران.. تذهب معه وعائلتها لإيران . لتلتقي الواقع المر لهم فبعد مضي عشر سنوات من ترحيلهم . الدولة الايرانية لم تقبلهم كمواطنين. رغم انها اخذت بعضهم جنودا للحرب ضد العراق وماتوا هناك. ما زالوا يعيشون في مخيمات منعزلة. وظروف العمل والحياة صعبة وحتى التعلم لا يتاح لهم وإن حصل فلا توظيف.. هم مرفوضون في إيران كما كانوا مرفوضون ايضا في العراق.. تعود لارا وزوجها سمير من إيران بانطباع أن هذه البلاد لا تريدهم .كمواطنين وأن الغربة أصبحت مطلوبة.. لذلك تسعى للسفر الى هولندا كلاجئين وتحصل على الفرصة . وتسعى بعد ذلك أن تسحب عائلتها الى هناك وتنجح في كذلك.. ويحصلوا جميعا على الجنسية الهولندية.. ولكنهم لم يغرسوا في هولندا بشكل كامل والهولنديين ما زالوا يتعاملون معهم بفوقية وعنصرية.. وهم ما زالوا حاملين أوطانهم و أمراضهم وعقدهم وتخلفهم على ظهورهم وفي عقلهم ووجدانهم . وما زالوا يسكنون عوالمهم النفسية الخاصة التي لم تستطع أن تتحرر من رواسبها.. وصارت حياتهم روتينية . مشاكلهم تأكلهم .ولم تعد روابطهم تشدهم وصاروا جزرا نفسية وحياتية معزولة.. بعد عمر مديد اكتشفوا أن الجدار النفسي والحياتي بين البشر المصنوع من تخلف و سياسة الدول و الاستبداد و التمييز العنصري و الحروب و مشاعر الحسد والغيرة وعدم الرضى وانعدام التكيف. تؤكد أن الجدار يزداد سمكا وخرقه وهم وحياتهم معاناة
تنتظر الراحة مع موت منتظر
.تنتهي الرواية ولارا تنظف بيتها من آثار حفلة نهاية العام بعد أن استمعت لمعاناة أخواتها من ازواجهم واولادهم. ووالدها ومعاناته من أخيها الذي لم يعرف كيف يحسم امره مع خطيبته. وأولاده الذين لم يتكيفوا . ستكتشف ان الجفاء النفسي يزداد.. وانها لم تكن سعيدة معهم.. وانها لن تدعوهم إلى حفلة نهاية العام القادم.. لقد أصبح الجدار انغلاقا نفسيا عن الآخرين الذين يمثلون امتدادنا في الحياة
عن الرواية نقول
هي محكومة بوعي بطلتها وانطباعاتها . يعني الكاتبة.. وهي لم تنخرط بالسياسة او الاجتماع او الدين أو التاريخ الا بمقدار خدمة موضوع سردها الذاتي عن نفسها. و ماعاشت. وهذا ما جعلها رواية ضحلة لم تستطع أن تربط بين الذات الإنسانية والعالم المحيط بدء من الاسرة وصولا لكل شيء.. ولم تشفي حاجتنا النفسية كقرّاء بالجواب على السؤال .لماذا كانت الحياة بهذه السوء . ؟ وهل هناك أمل بحياة أفضل؟ وكيف…؟.
.ان كل عمل أدبي هو انتصار بشكل مباشر لحق الفرد والجماعة بالعيش الافضل والحرية والعدل واحترام كرامتنا الإنسانية والامان وصناعة مستقبل أفضل.. لذلك كنا ننتظر وضع الاصبع على ازمة بلادنا العربية وحتى ايران مع التخلف والاستبداد المديد
أزمة الغرب بوجهيه : الانساني لذاته والعنصري والاستعماري معنا نحن العرب والعالم الثالث وعبر أكثر من قرن.
2.1.2015…
رواية “الجدار” للكاتبة “ليلى جراغي” قراءة جميلة وتعقيب موضوع للكاتب “احمد العربي” الرواية سيرة ذاتية لبطلة الرواية وميزتها انها انطباعية أيضا. بصمة بطلتها لارا تنطبع من خلال تقييمها للأفراد والأحداث والعلاقات الإنسانية ، ناقلةمعاناة الغربة إستمرار لما تم بالوطن العراق .