صباح يوم الأربعاء الموافق ل 2023.12.27، أسلم الأخ محمد عمر كرداس الروح إلى بارئها، بعد صراع طويل ومرير مع المرض.
تلك الروح التي أتعبتها محطات الغربة والاغتراب في السعودية أولا، ثم في تركية ثانيا، بعيدا عن الوطن ومرابع الصبا في دوما، حاضرة غوطة دمشق ومركز ثقلها السكاني والاقتصادي والسياسي والثقافي أيضا.
تلك الروح التي أرهقها غياب الأحبة والخلان ورفاق الدرب، ورحيلهم دون وداع في رحلتهم الأخيرة.
الروح التي أصابها الضنك مما يحصل في أرض الوطن، من قتل ودمار وخراب وتهجير وتشريد، وضياع بوصلة الثورة، وتشتت قوى العمل الوطني وتذررها، مما أفقدها القدرة على القيام بدورها، سواء ضمن إطار الواجب أو الممكن.
رحل أبو محمود، وهو الاسم الذي عرف به أسريا وتنظيميا، تاركا خلفه سجل مناضل سيذكره التاريخ السياسي لسورية.
ولد محمد عمر كرداس في مدينة دوما في 1946.10.15، أي بعد تحقيق سورية لاستقلالها بستة أشهر، وكان لذلك أثره في تبلور شخصيته السياسية، لارتباط ميلاده بسنة استقلال وطنه سورية.
درس في مدارس دوما، وحصل على شهادة البكالوريا عام 1964، ليلتحق بجامعة دمشق كلية العلوم الجغرافية، ويحصل على دبلومها عام 1970 .
في المرحلة الثانوية التحق أبو محمود بحركة القوميين العرب، وبقي فيها إلى حين تأسيس الاتحاد الاشتراكي العربي في 18 تموز من عام 1964، فالتحق بركب الاتحاد بعيد تأسيسه مع العديد من كوادر الحركة.
تم اعتقاله عام 1968 مع مجموعة كبيرة من كوادر الحزب، تجاوز الخمسمئة عضوا، بالإضافة إلى قيادة الحزب، متمثلة بالأمين العام الدكتور جمال الأتاسي وراغب قيطاز وعبد المجيد منجونة، الذين سبقونا إلى ديار الحق، ومعهم حسن عبد العظيم، وكان سبب الاعتقال هو دعوة الحزب لقيام جبهة وطنية لقيادة سورية، بديلا عن حزب البعث الذي فشل في قيادته لسورية، ولمواجهة آثار العدوان.
في فترة انضمام حزب الاتحاد الاشتراكي إلى عضوية الجبهة الوطنية عام 1971، تم تكليف أبو محمود بالإشراف على طباعة الاشتراكي العربي (لسان حال الحزب) وتوزيعها على أفرع الحزب في المحافظات، إلى حين انسحاب الحزب من الجبهة أواخر عام 1972.
تدرج في المناصب الحزبية، فكان عضوا لأكثر من دورة في اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية، وصولا إلى عضوية المكتب السياسي.
تسلم موقعه كأمين لفرع الحزب في دمشق عام 1980، وبقي فيه لعام 1985، وقام في تلك الفترة بافتتاح مكتبة تابعة للحزب، باسم مكتبة الرازي، وبعد اكتشاف أمرها تمت مصادرة موجوداتها من الكتب، وإغلاقها من قبل المخابرات السورية.
شارك مع الأمين الدكتور جمال الأتاسي والشهيد محمد فليطاني في عام 1978، في الاجتماعات الحوارية بين مجموعة من الأحزاب الوطنية المعارضة وهي: – حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، حزب العمال الثوري، الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، حزب البعث الديمقراطي، والاشتراكيين العرب، والذي أفضى إلى إعلان قيام التجمع الوطني الديمقراطي في سورية عام 1979؛ والذي اختار الدكتور جمال الأتاسي كأمين عام له وناطق باسمه، وبقي يشارك في اجتماعاته الدورية.
في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم ، وبعد حرب الخليج الثانية ، والتي أفضت إلى تدمير العراق وإخراجه من ساحة الفعل ، وتدهور المنظومة السياسية العربية الحاكمة ؛ تداعت القوى والأحزاب الناصرية في الوطن العربي إلى عقد اجتماع للحوار والتنسيق فيما بينها ، وتم عقد الاجتماع في القاهرة ، ولبى الدعوى كل من الأحزاب : – حزب الاتحاد الاشتراكي العربي السوري ، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي اللبناني ، الحزب العربي الديمقراطي الناصري المصري ، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري اليمني ، وممثلين عن التيارات والأحزاب الناصرية في السودان وموريتانيا ؛ وقد شارك الراحل محمد عمر كرداس في هذا الاجتماع مع الراحل الدكتور جمال الأتاسي وآخرين ، في تمثيل حزب الاتحاد الاشتراكي السوري.
بعد رحيل الأمين العام الدكتور جمال الأتاسي في 2000.3.30، والذي يوافق ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، شارك مع مجموعة من كوادر الحزب وابنتي الراحل في تأسيس منتدى الدكتور جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي في دمشق، والذي كان له دور كبير في نشر ثقافة الحوار والتأسيس لما سيفضي لاحقا إلى حركة المجتمع المدني، والتي ستتبلور تاليا فيما عرف بإعلان دمشق، وبقي في إدارة المنتدى إلى حين إغلاقه من قبل المخابرات السورية عام 2003 .
شارك في الحوارات التي تمت بين التجمع الديمقراطي بأحزابه الخمسة، وبين بقية الأحزاب المتواجدة في الساحة السورية، بالإضافة لعدد من الشخصيات الوطنية، والتي أفضت إلى إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2005، والتي استدعي بعدها مع العشرات للتحقيق معهم.
بعد انطلاقة ثورة الربيع العربي في سورية، كان يتم استدعاء أبو محمود مع آخرين من قيادات وكوادر حزب الاتحاد للتحقيق معهم، عقب كل مظاهرة تخرج في دوما والغوطة، متهمين الحزب أنه هو من يخطط ويدعو إلى التظاهر، مما دفعه إلى مغادرة بلده سورية إلى السعودية ومن ثم إلى تركيا، ولتصدر محكمة الإرهاب التي شكلها النظام قرارا بالحجز على أمواله وممتلكاته، بعد أن داهمت أجهزة الأمن بيته ونهب كل ما فيه.
كان للراحل محمد عمر كرداس نشاطاته الاجتماعية التي لا تنسى، والتي يذكرها سكان مدينة دوما، وخاصة دوره الأساسي في تأسيس الجمعية السكنية في دوما عام 1972، والتي قامت بدور كبير في تأمين السكن لآلاف العائلات في مدينة دوما وما حولها.
ستبقى سيرة الراحل الأخ أبو محمود (كما اعتاد الناس أن ينادوه) نموذجًا لسيرة مناضل قضى سني عمره في غمرة النضال الوطني والقومي.
لروح الرحمة والسلام، والخلود لذكراه كمناضل في سبيل سورية وطنية ديمقراطية لجميع أبنائها، تمهيدا لقيام دولة عربية من العراق إلى المغرب.
اخونا المناضل العروبي الناصري ابو محمود/محمد عمر كرداس رحل عنا ضمن كوكبة من المناضلين العروبيين الذين فقدناهم خلال الاعوام الاخيرة الله يرحمه برحمته الواسعة ويغفر له ويسكنه الفردوس الاعلى ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان
وانا لله وانا اليه راجعون