رغم أن الحركة في شوارع مدينة السويداء جنوب سورية تبدو طبيعية، فالأسواق تفتح أبوابها وكذلك الدوائر والمؤسسات العامة، إلا أن جولة صغيرة في وسط المدينة تبيّن أن حالة الاستنفار الأمني ما زالت مستمرة، بالرغم من توقّف المظاهرات المناهضة للنظام منذ عدة أيام.
وكانت السويداء ذات الغالبية الدرزية، قد شهدت احتجاجات في السابع من الشهر الحالي، على خلفية تردّي الأوضاع المعيشية وغلاء أسعار المواد الغذائية والتموينية التي تشهدها البلاد. ورفع المتظاهرون خلالها شعارات مناهضة للنظام، وطالبوا بإسقاط رأسه بشار الأسد، قبل أن يلجأ أمن النظام إلى اعتقال عدد منهم، الأمر الذي أوقف المظاهرات إلى حد الآن على الأقل.
بجانب مبنى محافظة السويداء وسط المدينة، تقف سيارتان مصفحتان، ويتجمع في الساحة الخلفية لمبنى قيادة الشرطة الملاصق لمبنى المحافظة عدد من عناصر مكافحة الشغب. وعلى بعد عشرات الأمتار شرق مبنى المحافظة، تصطف نحو أربع سيارات دفع رباعي عليها رشاشات متوسطة، إضافة إلى مجموعة من العناصر المستنفرين دائماً. أما في الشارع الخلفي، شمال مبنى المحافظة أمام قسم شرطة المدينة، فتقف سيارتان مثبت عليهما سلاح متوسط، إضافة إلى مجموعة من العناصر يراقبون الحركة في الشارع. كل ذلك يدل على توجّس أمني من قبل النظام من عودة التحركات الاحتجاجية.
مصادر محلية مطلعة من السويداء، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، أكدت لـ”العربي الجديد”، أن “المظاهرات المناهضة للنظام، والتي طالبت بإسقاطه ورحيل رئيسه بشار الأسد، توقفت عقب اعتقال 10 متظاهرين في الـ15 من الشهر الجاري، على خلفية وعود أمنية نقلها وسطاء محليون، بأنه سيتم إطلاق سراح المعتقلين في حال تم إيقاف المظاهرات”.
وتابعت المصادر: “كانت الوعود الأمنية تفيد بأنه ستتم إحالة المعتقلين إلى القضاء، حيث سيتم إطلاق سراحهم من قبل القاضي، بحجة أن تتم العملية بشكل قانوني، إلا أن ذلك لم يحصل”، موضحة أنه “في الموعد الذي كان مقرراً لعرض المعتقلين على قاضي التحقيق في القصر العدلي في السويداء تم تحويلهم إلى دمشق، وذلك يوم الأحد الماضي، وهناك أخبار غير مؤكدة تفيد بأن اللجنة الأمنية في السويداء وراء تحويلهم غالباً إلى محكمة الإرهاب”.
وأثارت المظاهرات التي شارك فيها عشرات الأشخاص، واستمرت عدة أيام، سجالاً واسعاً بين القوى السياسية والفصائل المحلية والمرجعيات الدينية. وتعتقد غالبية الفصائل المحلية المسلحة، أن هناك مخططا من النظام لخلق صدام مسلح داخل المحافظة على خلفية سياسية، الأمر الذي يسمح للنظام بتبرير ضرب بعض الفصائل تحت تهم الارتباط والخيانة، بحسب ما أوضح أبو سلمان معروف (اسم مستعار لضرورات أمنية)، وهو مقرب من عدة فصائل محلية مسلحة.
وأضاف معروف، لـ”العربي الجديد”، أن “الفصائل المسلحة المحلية، حالها كحال المرجعيات الدينية والاجتماعية، أخذت منذ بداية الصراع المسلح في سورية مبدأ الحياد الإيجابي”، ليتابع قائلا: “هناك رفض شعبي للدخول في حرب بين أبناء الوطن، وقالوا إن دم السوري على السوري حرام. وأعلنوا منذ عام 2014 عبر حركة (رجال الكرامة) حيث عبرت الحركة أكثر من مرة أنها لن تسمح بسوق أبناء السويداء إلى الخدمة العسكرية بالقوة”.
وشدد على أن “هذا هو موقف المجتمع في السويداء، كما أنها أخذت على عاتقها صد أي هجوم على المحافظة من قبل الفصائل المتشددة، إن كانت تلك المتواجدة في محافظة درعا على حدودها الغربية أو عبر البادية شرقاً، حيث يتواجد تنظيم داعش الإرهابي، والذي تسبب في مقتل أكثر من 260 شخصا في عام 2018، جراء هجوم على عدة قرى في الريف الشرقي”.
ونوه معروف إلى أن “مختلف القوى العسكرية والدينية والاجتماعية، وإن كانت متفقة على سوء النظام وفشله في إدارة البلاد، وسوء تعاطيه مع السويداء، إلا أن تلك القوى في المقابل ليست لديها رؤية واضحة لمستقبل سورية، في وقت حيّد المجتمع الدولي السوريين عن الفعل ومزّقهم ضمن التحالفات، بل وتخلت عن غالبيتهم بعدما دفعوا ضريبة كبيرة من دماء وتهجير، لذلك لا يمكن أن نثق في أي طرف”.
وأوضح أن أوجه سوء التعاطي تتمثل في حرمان السويداء من التنمية وعدم دعم الزراعة فيها، خاصة مسألة تصدير التفاح، وغيرها من المسائل الخدمية، وكذلك إبعاد أبناء السويداء عن المفاصل المهمة في الدولة، كأن يكون من بينهم وزراء بحقائب أو مدراء عامون في مفاصل مهمة أو حتى ضباط برتب عالية في الأمن أو الجيش، مؤكدا أنه حتى القلة القليلة التي وصلت إلى مراكز مهمة كان بسبب ولائهم المطلق للسلطة وليس لأهلهم”.
من جانبها، أصدرت “حركة رجال الكرامة”، اليوم الخميس، بيانا حصل “العربي الجديد” على نسخة منه، قالت فيه إنها “تنظر بعين الريبة إلى السياسات الخاطئة التي أدت إلى انقسام وشرخ جديد في الشارع بين موالين للنظام ومعارضين له، وما ترافق معه من حملات تحريض وتحريض مضاد”، معبرة عن خشيتها من أن “يصل هذا الشرخ الحاد بين الطرفين إلى ما لا تحمد عقباه عبر زج المحافظة في صراع لا يستفيد منه إلا المتربصون بنا والذين لا يضمرون لنا سوى الشر”.
وأضافت: “ثابتون في السعي لحفظ استقرار الجبل والدفاع عن كرامة أبنائه بعيدا عن الاصطفافات والانقسامات السياسية، فنحن سوريون ونؤمن بأن دفاعنا عن الجبل هو دفاع عن كل سورية”، ولفتت الحركة إلى أنها “مع مبدأ حرية التعبير، ورفض كافة أشكال الاعتقال التعسفي”.
كما دعت الحركة “جميع أبناء الجبل إلى وحدة الصف وتجنب الاصطفافات السلبية”، معتبرةً أن “ما نمر به اليوم من سوء في الأحوال الاقتصادية وتغول للفساد مع غياب مطلق لمبدأ المحاسبة يثبت حالة التخلي وعدم المسؤولية ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم وواجباتهم في تأمين مقومات الحياة الإنسانية الكريمة”.
وقبل اندلاع الاحتجاجات الأخيرة، كانت السويداء تحتفظ بوضع خاص رغم خضوعها لسيطرة قوات النظام، فتشكلت فيها فصائل محلية تحت غطاء عائلي وشبه مذهبي، لحماية المحافظة، سواء من النظام أو هجمات الفصائل المتشددة. وامتنع الكثير من الشبان عن الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام، وهذا ما دافعت عنه الفصائل المحلية، ولا سيما “رجال الكرامة”.
ويستخدم النظام الكثير من الأساليب لكسر حالة العصيان، المتمثلة في اللجوء إلى تهمة التخلف عن أداء الخدمة العسكرية وانتشار فصائل خارجة عن قراره في المحافظة، ولا سيما بالتلويح دائماً بورقة الهجمات الإرهابية على المحافظة، أو محاولة خلق الفتنة المذهبية مع فصائل درعا، وهو ما لم ينجح فيه النظام إلى الآن.
المصدر: العربي الجديد