أفين أوسو روائية سورية واعدة، روايتها ارواح تحت الصفر هي العمل الأدبي الأول الذي اقرؤه لها…
ارواح تحت الصفر رواية تعتمد في لغة السرد على تعدد أصوات شخصياتها المحورية جيان وأفيستا بالتناوب، الفتاتان الطالبتان الجامعيتان في حلب.
جيان الكردية وافيستا ابنة ضابط في الجيش السوري غير محددة الطائفة التي تنتمي إليها.
سنبدأ بالحديث عن جيان الكردية هي من سكان حي الشيخ مقصود ذي الاغلبية الكردية. نعلم ان هناك صراع بين جيش النظام وجماعات مسلحة وان هذه الجماعات المسلحة قد سيطرت على حي الشيخ مقصود وان اغلب سكّانه من الأكراد الذين هربوا منه الى مناطق اخرى…
لم تتحدث الرواية عن واقع حال سوريا قبل ثورة الشعب السوري في ربيع ٢٠١١م ولا عن الحكم والاستبداد السياسي في عهد الأسد الأب والابن لعقود من الزمن. تركت الرواية ذلك في حال من التجهيل. وغاصت عميقا في حال شخصيات روايتها عائلتي جيان وافيستا ومن يتواصلون معهم…
تهرب عائلة جيان: والدها ووالدتها واخوها وهي الى قريتهم القريبة من عفرين حيث فتحوا بيتهم القديم وعاشوا به لفترة من الزمن، حاولوا التكيف مع ظروف الحياة في القرية. مع شظف العيش ونقص المواد وانعكاس كل ذلك على أهل القرية ذاتهم. ومع مرور الوقت اكتشفت عائلة جيان أن الأمور في سوريا تذهب نحو الأسوأ وأن الحل هو العمل للخروج خارج سوريا لتركيا اولا ثم من هناك الى احدى الدول الاوربية. في القرية تعرف اخو جيان على فتاة وأحبها وقرر بالتوافق مع والده أن يصطحبها معه ويتزوجان بعد ذلك حيث يرحلون الى أوروبا…
وبالفعل يبدأ والد جيان في البحث عن طريقة يستطيع من خلالها الوصول إلى تركيا. في ذات الوقت كانت جيان على علاقة حب مع أحد الشباب الأكراد. يتواصلون عبر الهاتف مشكلته انه سحب الى الجيش وهو يخدم في احدى مواقع الصراع مع الجماعات المسلحة. كذلك حال أخيها الذي يعيش علاقة حب هو الآخر وأن ما حصل قد أبعده عن حبيبته ايضا.
لا بد من التنويه إلى تعريج الرواية على الأكراد لكونهم محرومين من حقوقهم بدولتهم القومية وانهم يستخدمون منذ عقود في صراعات الدول وهم الضحية ولا يستفيدون إلا خسارة دمائهم وارواحهم…
استطاعت عائلة جيان الوصول إلى تركيا بعد طول عناء وكانت قد سبقهم باللجوء إليها قريبتهم مع ابنها وابنتها. القريبة مصابة من جراء الاحداث وهي معاقة تتحرك على عجلة ، وابنها وابنتها اليافعين يعملان ليعيلا الوالدة ويؤمنوا مصاريف الحياة وايجار البيت الصغير الذي سكنوه. وصلت عائلة جيان الى بيت قريبتهم وسكنوا عندهم. ساعدوهم في مصاريف البيت. اطلعوا على أحوالهم. وخاصة واقع الابنة التي تعمل عند احد الاتراك ببيع بعض المنتجات والتي تعاني من محاولات التحرش بها. كانت تخفي ذلك عن امها و اخوها. اعترفت لجيان مما جعلها تتفق مع والدها على اصطحاب الفتاة معهم في رحلة نزوحهم الى اوروبا…
انتقلت عائلة جيان ومعهم الطفلة ابنة قريبتهم وخطيبة اخاها. الى المناطق الحدودية التركية المحاذية لليونان. وهناك تواصل والد جيان مع سماسر التهريب الى اوربا. لقد أصبحت تجارة رائجة ومربحة ومهلكة. فكثير ممن ركب البحر قد غرق به. ومن هرب عبر البر هلك في الغابات من البرد والوحوش واحيانا قتل أو اعتقال من قبل شرطة الدول التي منعت انتقال اللاجئين أن تمر إليها أو عبرها…
مع ذلك اتفق والد جيان مع سمسار وانتقلوا إلى المنطقة التي سيعبرون عبرها إلى اليونان ومن هناك إلى ألمانيا كما حصل الاتفاق…
منذ وصول العائلة الى نقطة التجمع ومجيء آخرين وتجمعهم حوالي الخمسين انسان فيهم الكثير من النساء والأطفال. أصبحوا أشبه بالاسرى تحت سلطة المهربين المدججين بالسلاح. ركبو بلما لا يسعهم. ابحروا في ظلام دامس. البلم بدأ يسرب الماء سقطت طفلة وغرقت حاول اخو جيان انقاذها لكنها غرقت.
كان من نتائج الإبحار في البلم ضياع الأوراق وجوالات اغلب المبحرين ومنهم جيان التي فقدت تواصلها مع حبيبها الذي تركته جنديا يحارب في احدى جبهات النظام، قد يكون قُتل…
بعد غرق الطفلة توتر الجو، امّ الطفلة أصيبت بنوبات هيستريا. ما زال معها ابنتها الاخرى التوأم. القى المهربين الفتاة الحية بالخطأ ظنا منهم انها الطفلة الميتة وهي نائمة في البحر على أنها هي التي غرقت. اصيبت الام بالجنون. وصل البلم الى محطته الأولى اليونان. وهناك بدأوا يتداولون كيف يحلون مشكلة المرأة التي ينتظرها زوجها مع ابنتيها في ألمانيا. الطفلة الاولى غرقت والثانية القيت في البحر بكيس وهي حيّة والام أصيبت بالجنون. المهربين يفكرون بطريقة يختارونها ليرتاحوا من المرأة المجنونة ، مع العلم انهم مازالوا في اليونان والطريق إلى ألمانيا مازال طويل وصعب…
الحل أن يقتلوا المرأة بطلقة رصاص…
هنا ينتهي المسار الأول للرواية…
أما افيستا فهي تحب شابا معارضا من حمص كان قد اعتقل وعذب في سجون النظام، والدها على علم بأمره. يرفض هذا الحب بشكل مطلق. يخطط لتزويج ابنته لأحد الضباط زملائه ليزيد من مكاسبه من هذه الحرب التي جاءت وهو يستثمرها على أفضل وجه. فقد استخدم نفوذه وعلاقاته في بيع معلومات المعتقلين لذويهم. واحيانا الإفراج عن بعضهم مقابل مبالغ طائلة. أحوال الناس في البلاد تسير من سيء الى اسوأ وأحوال والد افيستا وأمثاله تزداد تحسنا. مناطق سكناهم لا تتعرض لأي اعتداء. وجميع احتياجاتهم مؤمنة لهم دوما. ابنته الوحيدة افيستا يرعاها مع والدتها التي استأصلت رحمها بعد إصابتها بالسرطان. يدارون ابنتهم كثيرا. لذلك عندما حصل القصف على جامعة حلب، أصيب الكثير من الطلبة. وكانت افيستا بين المصابين. بحث من والدها بين القتلى والجرحى والمصابين. لقد ذاق عذاب الضحايا ولو الى حين . لكنه وجدها أخيرا في احدى المشافي مصابة بشكل بالغ و فاقدة للذاكرة. وبعد رحلة علاج طويلة برعاية والدتها ووالدها وحبيبها. استعادت ذاكرتها بالتدريج عبر استعادة اسم وصورة وصوت حبيبها. الذي كان قد أخفى عندها وثائق تثبت تورط النظام في تعذيب الناس والمعتقلين، كان ينوي أن يسرّبها لخارج سوريا ليقدمها لمحاكم دولية يفضح النظام و يقاضيه. اضاعت الوثائق وأصبحت حياة حبيبها القاطن في حمص في مناطق سيطرة المجموعات المسلحة تحت الخطر من النظام، حيث ان تم القبض عليه سيكون مصيره الموت حتما…
تعافت افيستا تماما وتواصلت مع حبيبها الذي قرر الهرب من سوريا بأقرب وقت. وهي اصرت ان تذهب اليه في حمص ومن هناك تذهب الى خارج سوريا حيث يذهب. حاول ان يثنيها عن عزمها، أصرّت وذهبت الى حمص. وهناك قبضت عليها مجموعة مسلحة. قررت أن تقايض بها والدها. لكن حبيبها عرف بأمرها. دفع فديتها وانقذها…
أدركت افيستا وحبيبها ان هناك من يتاجر بالثورة وحولها إلى مكتسبات فدية ومصالح. تماما كما تاجر والدها بالمعتقلين وأوجاعهم ومعاناة أهاليهم…
لقد قررت افيستا وحبيبها أن يتركوا السياسة وتجارها للسياسيين ويتركوا البلاد ويهاجرون.
قرروا الانتصار لحبهم وارتبطوا ببعضهم كخطيبين مقدمين على الزواج…
هنا تنتهي الرواية…
في التعقيب عليها اقول:
للرواية محاور عدة، وهي كثيفة من حيث غوصها في العوالم الذاتية النفسية والوجودية لشخصياتها الأساسية.
لم تقترب الرواية من حقيقة الواقع السوري وأنه عبر عقود حكم الاسد الاب والابن كان ضحية الاستبداد والاستغلال والفساد والمحسوبية والقمع والسجون وان المظالم طالت كل فئات الشعب السوري وجعلتهم يقومون في ربيع عام ٢٠١١م بثورتهم وهي لم تخرج من عدم. لقد خرج الناس بأجسادهم العارية في مواجهة الموت والاعتقال مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية في سوريا. وان التطورات التي حصلت في سوريا بعد ذلك هي نتاج عنف النظام وحلفاؤه. والتدخلات الدولية والاقليمية واصبحت سوريا جثة تنهشها الذئاب من كل العالم. أمريكا وروسيا وإيران والميليشيات الطائفية…
إن أغلب شخصيات الرواية أكراد وان لهم حقوقهم و مظالمهم…
نعم هناك حقوق قومية وثقافية للأكراد في سوريا. لقد وقعوا ككل الشعب السوري تحت هذه المظالم وهم تحركوا مثل كل الشعب السوري في ثورته . لكن النظام استحضر حزب العمال الكردستاني ال ب ك ك عبر ممثليه في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ال ب ي د وقوات حماية الشعب الانفصالية لتتحول الى بندقية للإيجار كان ضحيتها اولا اغلب اكراد سوريا ، وأصبحت قوات تحت امرة الأمريكيين في شمال شرق وشرق سوريا. في واقع احتلالي حقيقي…
مصير القضية الكردية في سوريا هو جزء من مصير سوريا كلها من خلال الخيار الديمقراطي للشعب السوري كله بكل مكوناته…
كما أن الرواية نسوية بامتياز واقع المرأة وحالها مجتمعيا. وانسانيا وعاطفيا ونفسيا حاضر كل الوقت. وهي بهذا المنحى نجحت في استعادة المعنى للمرأة الانسان بأبهى صورها…
كما قاربت الرواية موضوع اللجوء. الذي كتب عنه الكثير من الروايات والشهادات. كذلك نجحت الرواية في إظهار مقدار معاناة اللاجئين الذين انتهكت انسانيتهم واستبيحت كرامتهم. وحتى حياتهم. وأصبحوا ضحايا وحوش الدنيا بعد أن استباحها النظام المجرم والقوى التي تولدت في أجواء الصراع، لتستثمر به. من دم ومال وحياة ومستقبل السوريين…
اخيرا الثورة السورية كانت حتمية: انتصارا لانسانية الانسان السوري وعملا لاسترداد حقوقه المهضومة…كل ما حصل بعد ذلك هو فعل القوى أصحاب المصالح ضد الشعب السوري…الشعب السوري ضحية له… ومنه بريء…
رواية “ارواح تحت الصفر” للروائية السورية “آفين اوسو” تتحدث الرواية عن مسيرة حياة الفتاتين الطالبتين الجامعية في حلب وعلاقاتهما الاجتماعية وإن كانت لها علاقة بالطيف الكردي من المجتمع السوري وما تعاني من وضع نظام دمشق ، ومعاناة اللاجئين واللجوء ,