مراقبون يرون أن الأحزاب ركزت على الطائفية والعشائرية منذ إطاحة النظام السابق. عقدان من الزمن مرا على انبثاق نظام ديمقراطي مشوه في العراق تمخض فأنجب محاصصة وإثنية ورطت البلاد في نزاعات وخلافات لا نهاية لها، بل إن العراقيين أنفسهم عبروا عن سخطهم تجاه العملية السياسية والأحزاب المسيطرة على النظام السياسي بعد 2003، عبر تظاهرات شعبية في الشوارع خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي أطاحت حكومة عادل عبدالمهدي.
منذ ذلك التاريخ بدأ الشارع يميل نحو القوى المدنية بدلاً من الكتل والأحزاب السياسية المعروفة منذ 2003، إلا أن خطواتها بدت متعثرة نتيجة الاندفاع وغياب عامل الخبرة.
ويستعد العراق لخوض انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إذ يتنافس ما يقارب 70 حزباً وتحالفاً سياسياً وأكثر من ستة آلاف مرشح على مقاعد مجالس المحافظات في الانتخابات المحلية، فيما تترقب الأوساط السياسية والشعبية نتائج تلك الانتخابات وحظوظ القوى والأحزاب السياسية المعروفة فضلاً عن القوى المدنية وقياس إمكانية تحقيقها لنتائج أمام القوى التقليدية.
حكم المحاصصة
في هذا السياق، يقول سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، “لقد مر عقدان تقريباً على منظومة حكم المحاصصة الطائفية والإثنية المنبثقة ظهرت خلالها أحزاب قائمة على الطائفية السياسية احتكرت تمثيل (المكونات) وتعاملت مع الدولة كغنيمة تقاسمت ما بينها السلطات والنفوذ والمغانم”.
وأضاف “عرف شعبنا تجربة حكم العقدين بأنها نكث للوعود واستشراء للفساد وثراء فاحش على حساب المال العام مقابل خدمات عامة متردية وارتفاع نسب الفقر والبطالة والأمية، وتدهور خدمات التعليم والصحة والسكن”.
ورأى، أنه مع توالي الأزمات وتعمقها وعجز القوى المتنفذة وأحزابها عن تقديم الحلول والمعالجات وتعمق الفوارق الاجتماعية في الدخل والثروة في المجتمع، تصاعدت حركات الاحتجاج الشعبية وتنامى الوعي العام واتسع الرفض الشعبي لمنظومة حكم المحاصصة ورموزها وارتفعت المطالبات بالتغيير ونبذ أفكار وممارسات التمييز الطائفي والقومي والتعصب والتوظيف السياسي للمقدس والتطلع نحو إعلاء شأن المواطنة وقيم العدالة الاجتماعية وأنماط الحياة المدنية.
وأوضح، أنه بمزيد من الوضوح فإن أحزاب منظومة المحاصصة تتمادى في الاستئثار بالسلطات والثروة والهيمنة على الحياة الاقتصادية، كما يتأكد عجزها عن إصلاح الدولة التي ينخر الفساد مؤسساتها ويضعف هيبتها ويزعزع أركان السلاح خارج قبضتها، وبات القرار السياسي خاضعاً لقوى نافذة في الدولة ومؤثرات خارجية قوية.
المزاج الاجتماعي
في المقابل، نوه الباحث السياسي خالد الناصر، بأن هناك تغيرات حدثت منذ عام 2003 وإلى الآن تحول المزاج الاجتماعي العراقي وفق التغيرات التي شهدتها الأحزاب والمكونات السياسية. وأضاف “أن هذه التغيرات مرت بعدة مراحل كانت الأولى منها هي الاستقطاب الطائفي التي امتدت تقريباً منذ 2003 إلى 2014، وخلالها بدا المزاج الاجتماعي العراقي طائفياً وشهد حالة استقطاب طائفية مما دفعه إلى التوجه ودعم الأحزاب الدينية”.
وتابع “خلال المرحلة الأولى أصبح الخطاب الطائفي متناغماً مع المزاج الشعبي ثم بعد هذه الفترة وبعد معارك التحرير التي خاضها المجتمع العراقي ممثلاً بالقوات الأمنية والفعاليات الاجتماعية ضد تنظيم داعش الإرهابي وتحرير المدن التي سقطت في يده، سارع المزاج الاجتماعي إلى الهرب من الخطابات والتوجهات الطائفية واتجه إلى العشائرية نوعاً ما، وهنا بدأت الأحزاب الإسلامية أو ذات التوجهات الإسلامية تغيير خطابها إلى تيارات أو خطابات مدنية تستطيع أن تجد لنفسها مساحة داخل المجتمع”.
ومضى الناصر في حديثه بالقول، “لا يزال المجتمع العراقي لم يؤمن كثيراً بالتيارات المدنية بشكل واسع وهناك نخب وفعاليات اجتماعية نوعية بدأت تتوجه نحو هذا الطريق، ومع ذلك لم يصل المجتمع العراقي إلى الإيمان المطلق بالتيارات المدنية أو إنتاج حركات أو أحزاب ذات طابع مدني حقيقي”.
وتابع “التيارات المدنية أو الأحزاب التي تدعي أنها مدنية في العراق حالياً معظمها انشق بالأساس من نفس الأحزاب الدينية وغيرت توجهاتها تناغماً أو هرباً من الخطاب الديني الذي ما عاد له صدى أو مقبولية لدى الشعب العراقي”.
ونوه إلى أنه ومنذ عام 2014 لا يزال الناخب العراقي يميل إلى النظام العشائري، لكن المزاج يتغير نحو التوجهات والحركات ذات الطابع المدني التي تهتم بتقديم الخدمات إلى المواطنين بغض النظر إن كانت تيارات عشائرية أو دينية أو مدنية فما يهم الناخب والمجتمع العراقي هو الحصول على خدمات.
استقطاب الجماهير
وفي السياق، أقر الباحث السياسي عقيل الطائي، أن العراق بحسب الدستور دولة مدنية، لكن الأحزاب الإسلامية والحزب الشيوعي باعتبارهم من أشد معارضي النظام السابق فقد تقلدوا وتسلموا الحكم في البلاد لكن نقص الخبرة والاستئثار السلطوي عند البعض لم يمنحهم فرصة النجاح الباهر.
ومضى في حديثه، “لا ننسى الوضع الأمني للعراق فجميع دول العالم أصبح لها ميدان على أرضنا”، منوهاً بأن الحزب الشيوعي أيضاً للأسف فشل في استقطاب الجماهير لأن ذات الأيديولوجية يحاول تطبيقها في زمن تغير فيه كل شيء كما أصبحت تجربته أكثر فشلاً عندما تحالف مع حزب إسلامي.
وزاد، “الدول الديمقراطية فيها أحزاب دينية وغير دينية لكن هناك قانوناً يضبط إيقاعها وأداءها وهذا مفقود في العراق للأسف وهناك رغبة في تبديل الوجوه لدى الشارع. أما الأحزاب التي انبثقت من احتجاجات 2019 فاعتقد أنها عندما ترى المكاسب تهرول في وقت تنقصها الخبرة”.
عدم الاستقرار
بدوره، اعتبر الأمين العام لحزب البيت الوطني حسين الغرابي، أن انتخابات 2021 برهنت أن الناس انعدمت صدقيتها في وعود الأحزاب الحاكمة وتوجهت لانتخاب الأحزاب الجديدة والتحالفات التي لم تُجرب سابقاً.
ونوه إلى مسيرة 20 عاماً من التخبط وعدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي في العراق باتت تدعو للمراجعة وعدم تجربة أحزاب الفشل القديمة، مبيناً أن أحزاب مسكت السلطة والثروة وحرمت ملايين العراقيين من حقوقهم. وتوقع أنه في أي مناسبة انتخابية مقبلة سيثب العراقيون إصرارهم تجاه هذه الأحزاب وإزاحتها من الواجهة السياسية للبلد.
المصدر: اندبندنت عربية
بعد عقدين من حكم منظومة المحاصصة الطائفية والإثنية المنبثقة من دستور بريمر والاحتلال الأمريكي ، ظهرت خلالها أحزاب قائمة على الطائفية السياسية واحتكرت تمثيل (المكونات) وتعاملت مع الدولة كغنيمة تقاسمت ما بينها السلطات والنفوذ والمغانم كانت مسيرة 20 عاماً من التخبط وعدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي ، ليتطلب مراجعة جادة للحل جعل المواطن يتوجه للمطالب المدنية.