ما حجم التّوقّعات من قمّة بايدن – شي؟

جورج عيسى

بعد سنة صعبة للعلاقات الثنائيّة، خصوصاً في نصفها الأوّل، من المقرّر أن يلتقي الأربعاء الرئيسان الأميركيّ جو بايدن والصينيّ شي جينبينغ على هامش قمّة التعاون الاقتصاديّ لمنطقتي آسيا والهادئ (أبيك) في كاليفورنيا. ستمثّل القمّة اللقاء الثاني للرئيسين منذ تولّي بايدن الرئاسة سنة 2021.

قالت السكرتيرة الصحافيّة في البيت الأبيض كارين جان-بيار إنّ الرئيسين سيناقشان “الأهمّية المتواصلة للحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة” وكيف يمكنهما “الاستمرار في إدارة التنافس بمسؤوليّة والعمل معاً حيث تتلاقى مصالحنا، خصوصاً في التحديات العابرة للأوطان والتي تؤثّر على المجتمع الدوليّ”.

تخفيف التوتّر

لا يحمل كلام جان-بيار أيّ جديد بالنسبة إلى الآمال الأميركيّة للعلاقات مع الصين. هو يندرج في الآداب الدبلوماسيّة المتبادلة بين البلدين. من حيث المبدأ، يسعى شي وبايدن إلى تهدئة التوتّر بالنظر إلى حاجة الدولتين إلى بعضهما البعض في مجالات متنوّعة. تصبّ تهدئة التوتّرات مع الصين في خدمة بايدن الذي يعاني أزمتين دولتيّتين مفتوحتين على أبواب انتخابات رئاسيّة صعبة. وتعاني الصين مشكلات اقتصاديّة كبيرة.

تحظى السياسة المتشدّدة تجاه الصين بتوافق الحزبين. لهذا السبب يُتوقّع أن تحفل الحملات الانتخابيّة الأميركيّة بمزايدات حيال الخطوات الأنسب لتقييد الصين. تدرك بكين قواعد اللعبة في الانتخابات الأميركيّة، لكنّها لا تريد أن تتحوّل الحملات الانتخابيّة إلى سياسات فعليّة في المدى المنظور. إلى الآن، وبعد سلسلة من اللقاءات الأميركيّة الصينيّة الرفيعة المستوى التي بدأت أوائل الصيف، تجد الصين بعض علامات التفاؤل. قال شين يامي، مدير قسم الدراسات الأميركيّة في معهد الصين للدراسات الدوليّة، إنّ “الاتّجاه الحاليّ في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة هو اتّجاه لتخفيف” التوتّر.

عراقيل

التصوّرات جزء أساسيّ من استراتيجيّة الدول على المستوى الخارجيّ. وتصوّرات الأميركيّين والصينيّين لا تساعد الدولتين على المضيّ قدماً في تعزيز الروابط. كتب دونغ يو في صحيفة “شينخوا” الصينيّة إنّ الأساس الناجح للعلاقات المستدامة بين البلدين هو الاحترام المتبادل حيث لا يمكن لأيّ دولة أن تغيّر نظام الأخرى، كما التخلّي عن عقليّة الحرب الباردة وإنشاء تعاون يفيد كلا الطرفين. ويذكر يو أنّ شي نفسه اعتبر الانفتاح بين الدولتين أهمّ حدث طرأ على العلاقات الدوليّة خلال نصف القرن الماضي.

يعبّر هذا التحليل عن نظرة صينيّة مشكّكة من الأهداف الأميركيّة البعيدة المدى، من بينها تغيير نظام بكين الداخليّ. ظنّ قسم من الأميركيّين أنّ استقبال الصين في منظّمة التجارة العالميّة وتبنّيها الرأسماليّة سيجعلها تتبنّى تدريجياً الديموقراطيّة الليبيراليّة. عوضاً عن ذلك، ظلّت الصين تتبنّى رأسماليّة موجّهة من الدولة. ولا تظهر الولايات المتحدة اليوم أيّ ميل علنيّ لتغيير طبيعة النظام في الصين، لكنّ ذلك قد لا يكون كافياً لمعالجة هواجس بكين في هذا الشأن.

وثمّة هاجس صينيّ من محاولة أميركيّة لمنعها من النموّ والازدهار، لأنّ ذلك سيهدّد مكانة أميركا كمهيمن على العالم. لكنّ الغرب يقول إنّه يجد في ممارسات الصين التجاريّة مثل إغراق الأسواق بسلع مخفّضة بفعل الدعم الرسميّ أو التلاعب بعملتها ضرباً لعدالة التنافس. ويعتقد مراقبون غربيّون أيضاً أنّ نظرة الصينيّين إلى أميركا كقوّة في طور الأفول تحمل في طيّاتها بذور سوء تقدير لقوّة بكين الدوليّة.

“ألف سبب”

بصرف النظر عن قوّة الأدلّة، تظهر هذه التصوّرات المتبادلة حجم العوائق التي تصعّب تطوير علاقات صحّية. مع ذلك، تريد الدولتان الحفاظ على ضمانات تمنع بالحدّ الأدنى وقوع انفجار كبير. والمسبّبات المحتملة لمثل هذا الانفجار كثيرة مثل إسقاط أميركا منطاداً صينياً “للتجسّس” في شباط وفرض ضوابط على صادرات التكنولوجيا المتقدّمة إلى الصين وزيارات كبار المسؤولين الأميركيّين لتايوان والتوتّرات بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبيّ وغيرها. وتقول الولايات المتّحدة إنّ طائرات صينيّة حلّقت تحليقاً خطيراً بالقرب من طائراتها فوق البحر نفسه. ربّما بدأ الطرفان يعملان على إعادة تعزيز تلك الضوابط.

خلال زيارة لرئيس الأغلبيّة الديموقراطيّة في مجلس الشيوخ تشاك شومر للصين بعد ساعات من هجوم “حماس” على إسرائيل، قال شي إنّ هناك “ألف سبب لجعل العلاقات الأميركيّة الصينيّة أفضل، بينما ليس هناك سبب واحد لجعلها أسوأ”. وقال المسؤول التنفيذيّ الرئيسيّ في شركة “دي بي أس غروب هولدينغز” بيوش غوبتا إنّه “سبق أن بدأ الحوار يتحسّن. مع زيارات عدد من القادة الأميركيّين للصين هذه السنة، أستطيع رؤية بعض التغيّرات المهمّة في النبرة والممارسة معاً”.

الفرصة الأخيرة

بالرغم من النقاط الإيجابيّة التي يمكن تلمّسها على مسار العلاقات بين بكين وواشنطن، ثمّة مؤشّرات أخرى يمكن أن تقيّد الآمال المقعودة على هذه القمّة. من جهة، إنّ معظم التوتّرات التي برزت خلال النصف الأوّل من سنة 2023، أتت بعد قمّة بالي التي جمعت شي وبايدن في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وهذا مؤشّر إلى أنّ قمّة الأربعاء قد لا تعني الكثير بالنسبة إلى العلاقات المستقبليّة حتى ولو خرجت بنقاط اتّفاق بين البلدين.

من جهة أخرى، يعتقد المدير الإداريّ وكبير المحلّلين السياسيّين في شركة “لونغفيو غلوبال” ديواردريك ماكنيل أنّ قمّة الأربعاء قد تكون “الفرصة الأخيرة” التي على الرئيسين انتهازها لترسيخ الاستقرار في العلاقات قبل سلسلة من الأحداث التي يمكن أن تثير الاضطرابات كانتخابات تايوان (كانون الثاني 2024) إلى جانب الانتخابات الأميركيّة.

إعادة عقارب الساعة

بحسب مجلّة “فورين بوليسي”، التوقّعات من القمّة متواضعة وتتمحور حول قنوات التواصل العسكريّ ومنع استخدام الذكاء الاصطناعيّ في مجالات عسكريّة معيّنة وحضّ الأميركيّين على الاستثمار في الصين والطلب من أميركا التشديد على سياسة “الصين الواحدة”. ويريد بايدن في المقابل وقف صادرات الصين من الفنتانيل إلى المكسيك ومواصلة عقد لقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين والاستمرار في التنسيق المناخيّ.

يكتب تشارلي كامبل في مجلّة “تايم” الأميركيّة أنّ بايدن وشي يريدان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء نحو أربعة عقود، حين كانت علاقات البلدين تسلك مساراً تصاعدياً سريعاً. في الفيزياء كما في السياسة، يعدّ هذا الأمر صعباً إن لم يكن مستحيلاً. لكنّ ذلك لا يمنع المحاولة.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لقاء بايدن شي هل يمكن أن يحقق انفراج بالعلاقات الاقتصادية والسياسية وانعكاسها على الوضع العسكري ؟ هل يمكن أن يعيدوا عقارب الساعة لأربع عقود عنما كانا يسعيان لسرعة التقارب ؟ المؤشرات لا تعطي انطباع إيجابي ولكن فقط استمرار التواصل حتى لا يصلان للمواجهة الحادة .

زر الذهاب إلى الأعلى