
ليست العلاقات التونسية الأميركية جيّدة، خلافاً لما تسوّقه البيانات الرسمية للمسؤولين في البلدَين، فزيارة المستشار الخاص للرئيس ترامب لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، تونس أخيراً، ضمن جولة مغاربية، لم تقرّب الشقّة بين الطرفَين، رغم تغيّر أولويات السياسة الخارجية الأميركية.
عندما استولى الرئيس قيس سعيّد على مؤسّسات الدولة، وغيّر صلاحياتها، انتقدت إدارة الرئيس جو بايدن معظم الإجراءات التي أقدم عليها، من دون أن تصف ما حصل بـ”الانقلاب”. ودار يومها خلافٌ بين الطرفَين في مسألة الحريات وتعطلّ مسار الانتقال الديمقراطي. وحاولت واشنطن أن تضغط على السلطات التونسية من دون القطع معها، وهو ما دفع النظام نحو تسريع الخطى في اتجاه التقارب مع محور روسيا – الصين – إيران، وهو المحور الذي اتسعت خلافاته مع الغرب، حتى بلغت درجة إعلان الحرب المفتوحة. تغيّرت الإدارة الأميركية ولم تتغيّر سياسات سعيّد.
فاجأه الرئيس سعيّد مبعوث ترامب، عند استقباله، بصور أطفال غزّة المهدّدين جوعاً، وهي حركة رمزية لم يستسغها الضيف، ورأى فيها “خرقا للأعراف الدبلوماسية”، حسب مجلة “جون أفريك”. كانت تلك رسالة صريحة من الرئيس التونسي أراد منها التعبير عن رفضه السياسة الوحشية المتبعة من الكيان الصهيوني، والمدعومة أميركيا. وهي في الوقت نفسه رفض ضمني لأحد أهداف الزيارة التي منها توسيع دائرة الدول العربية المنخرطة في اتفاقيات أبراهام المؤدّية إلى التطبيع الكامل مع إسرائيل، والتي تعتبر من ثوابت السياسة الخارجية للرئيس ترامب.
الورقة الثانية التي يمكن لواشنطن أن تمارس من خلاها الضغط على بلاد ضعيفة مثل تونس، التعاون الاقتصادي والعسكري. في هذا المفصل الحسّاس، لم يتردّد سعيّد في التأكيد في المحادثات على أن تونس اختارت مبدأ تعدّد الشراكات، والبحث عن شركاء اقتصاديين من شأنهم تخفيف الضغط عليها وتمكينها من مجال أوسع يحرّرها من الضغوط عليها، وأن تتم هذه الشراكة بعيداً من الرغبة في الهيمنة والابتزاز.
هكذا يتبين أن زيارة مسعد بولس الاستطلاعية تونس لم تحقّق أهدافها من وجهة نظر واشنطن، على الرغم من أن المحادثات لم تتطرّق إلى المسائل الحرجة التي يرفض قيس سعيّد الخوض فيها، ويعتبرها شأنا داخلياً لا يحقّ لأيّ جهة أجنبية التحدّث في شأنها. وهي تمسّ ملفّ حقوق الإنسان والمساجين السياسيين واستقلالية القضاء والحريات والصحافة، فهذه المسائل لم تعد من أوليات الرئيس الأميركي الحالي.
من جانب آخر، تشير المصادر إلى رفض واشنطن مجمل المساعدات التي طلبها الطرف التونسي، بحجّة أن سياسة البيت الأبيض تجاه العلاقة بأفريقيا قائمة على “التجارة لا المعونة”، وهي سياسة تضرّرت منها (ولا تزال) تونس التي تمرّ بأوضاع اقتصادية ومالية صعبة ومعقّدة، فالقرار الذي أصدره ترامب، وتُفرَض بموجبه رسومٌ جمركيةٌ بنسبة 25% على السلع التونسية بداية من أول أغسطس/ آب 2025، من شأنه أن يزيد من نسبة الضغط على الأوضاع المالية في البلاد، رغم أن هذا القرار لا يستهدف تونس بالذات بقدر ما يشمل مختلف الدول، في ظلّ الحرب التجارية المتواصلة التي تخوضها واشنطن حالياً. وفي الآن نفسه، دليل على أن تونس لم يعد ينظر إليها بلداً صديقاً ومدللاً لأميركا.
المؤكّد أن العلاقات بين البلدَين أصبحت فاترةً، وأن السياسة الأميركية الراهنة لم تترك مجالاً للرهان عليها، خصوصاً في ظلّ تراجع الدبلوماسية التونسية. فما يتّخذه ترامب (وما يعلنه) من مواقف يجعل السلطة والمعارضة تسحبان ثقتهما من الإدارة الأميركية، وتتجنّبان التعامل معها، ولا تراهنان عليها. حتى أطراف المعارضة التي كانت من قبل توظّف لصالحها المواقف الرسمية الأميركية الناقدة للسلطة في مجال حقوق الإنسان، أصبحت اليوم تعتمد على نفسها في صراعها مع النظام القائم في تونس. لم يبقَ من أميركا سوى الوجه القبيح لإدارتها.
المصدر: العربي الجديد