أولًا .ان فتح هذا الحديث ليس ترفاً .وبحثا يؤدي للفرقة .بل هو تنوير للحاله الناصرية في سوريا. وخاصة تجاه الربيع السوري بشكل خاص. ووضع النقاط على الحروف سلبا وايجابا. وعيننا في كل ذلك على المستقبل…
ثانيا.من المهم ان نؤكد ان عبد الناصر كان لحظة تاريخية فارقة في التاريخ العربي المعاصر .(ونعلم أنه مختلف عليه). وموقفنا أنه كان صوتا للحرية والعدالة والكرامة للإنسان العربي. دعوة للتوحيد العربي. تكللت بالوحدة المصرية السورية. التي أُسقطت سريعا.. لن ندخل بحديث طويل عن عبد الناصر والناصرية. فهو موضوع للتاريخ والمهم ما تبقى منه لنا الآن وللمستقبل..
ثالثا.ما تبقى من الناصرية .الحرية والتحرر والاستقلال الوطني والقومي ودعوة التوحيد القومي و العدالة الاجتماعية. ومالم تكمله الناصرية بتجربة عبد الناصر المباشرة هو البعد الديمقراطي .في الدولة والحياة السياسية وصناعة المستقبل.. وهذه احد اهم نقاط تجاوز المنطق الشمولي القائم على الحزب القائد والقائد الأوحد الرمز. او المجموعة المسيطرة على امور الحكم والتي تحمل توجها فكريا سياسيا. ثم في الممارسة تصبح دولة أمنية تتحكم بمفاصل الدولة والمجتمع . وتتحرك بالعمق لمصلحة الطبقة الحاكمة . مغطية نفسها بالأفكار والأهداف العظيمة.. ويغطي وجود القائد أو مرحلته على ذلك لكن في النهاية يظهر الوجه للدولة والمجتمع. لصالح هذه العصبة . وخاصة بعد ذهاب المؤسس بالموت كما حصل مع عبد الناصر.. والحديث يطول ..لذلك قلنا ما تبقى من الناصرية..
رابعا.عبد الناصر وتجربته والناصرية. كانت في زمانها ومكانها في تاريخنا المعاصر احد المكونات الاساسية الفكرية والسياسية. في بنية التجربة المباشرة مصرياً وعربياً وحتى في العالم الثالث. إلى جوار التيار الشيوعي والإسلامي . وقد تكون أهمهم في نصف القرن الماضي. قبل ان تزاح لصالح التيار الإسلامي .وذلك لأسباب قد تكون موضع حديث آخر…
خامسا. في سوريا التيار القومي العربي عريق جدا. ففيه تشكل حزب البعث وغيره من الحركات القومية. وعندما ظهر عبد الناصر ودوره القومي وعداوته للغرب وخاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر وتأميم قناة السويس عام ١٩٥٦م. أصبح حضور عبد الناصر في الذهن الشعبي السوري والطبقة السياسية وحتى الأحزاب كقائد ملهم لذلك كانت الوحدة المصرية السورية تحصيل حاصل..
كان تغلغل الانتماء لعبد الناصر وزعامته كبعد رسالي ومخلّص في ذهن السوريين كبير جدا. وعندما حصل الانفصال وذلك لأسباب كثيرة بعضها يتعلق بأخطاء الممارسة. والبعض يتعلق بالعداء الخارجي لها . من التحالف الثلاثي .الغرب و(اسرائيل) والأنظمة العربية التابعة للغرب . التي وجدت بعبد الناصر وحضوره ودوره تهديدا مباشرا عليهم ولذلك خاضوا حربهم مع عبد الناصر شخصيا ومع مصر ومع نموذجه. حتى تم إخراجه من المسرح السياسي عبر الموت. وعبر ردة السادات التي انتهت بمصر تخرج من ذاتها ودورها العربي وحتى المصري عبر الصلح مع (اسرائيل) …وهذا حديث آخر..
سادسا. بعد الانفصال عن الوحدة تداعى كثير من السياسيين والمثقفين والحزبيين لتشكيل حركات وأحزاب لمواجهة الانفصال وإعادة الوحدة. ممثلة بعبد الناصر وفكره وسلوكه كنموذج. وتكتل بعض الناصريين كحالة سياسية مع بعض الضباط الناصريين و ساهموا مع البعث في صناعة حركة الثامن من آذار. التي جاءت بالبعث للحكم . واستُبعد الشركاء الناصريين. البعض بالإعدام بعد محاولة انقلاب. والبعض بالاحالة للتقاعد .أو بالابعاد عن مراكز السيطرة والتحكم.. وعمل البعث حتى السبعين على التحكم بالسلطة وإنهاء الصراعات الداخلية بينهم كحزب ومراكز قوى. حتى استقام الأمر لحافظ الأسد وعصبته بشكل مطلق في السبعين من القرن الماضي..
عمل الناصريون لتشكيل أحزاب سياسية منذ ماقبل انقلاب البعث عام ١٩٦٣م. ليحولوا حالتهم من الحالة الشعبية العفوية ليصبحوا أحزاب سياسية متنوعة. تميزت جميعها بأنها تعتبر نفسها ملتزمة بفكر ونهج عبد الناصر. وتختلف بزعامتها التي جاء أغلبها من أصول سابقة بعثية أو ماركسية الهوى والفكر .. واختلفت ايضا بين بعضها عبر الموقف من البعث الذي استأثر بالحكم . فبعضهم ارتضى أن يكون في ركب البعث يقتسم معة كعكة السلطة ولو بشكل رمزي وشكلي باهت . والبعض الآخر آثر أن يكون في المعارضة.
سابعا. عندما استلم الحكم الاسد الاب عبر انقلاب ١٩٧٠م .وبعد أن غيب الموت عبد الناصر. وأصبحت السلطة في سوريا استبدادية عند الأسد. الذي حوّل حزب البعث من حزب يقود الحكم لاداة بيد السلطة كما حول الأسد كل مفاصل الجيش والامن والدولة لتكون بيده و بيد عصبته بالمباشر.. هنا دخل الاسد في لعبة استقطاب للقوى الناصرية التي كانت تعبر عن امتداد شعبي كبير. ومازال واقع الوحدة المجهضة قريب .وغياب عبد الناصر الذي دفع الناصريين ان يعلنوا استمرارهم بقضيته .وتحويله من قائد تاريخي إلى مبدأ ونهج وعقيدة.. وطرحت في وقتها مقولة الجبهة الوطنية التقدمية لتقود سوريا . لتحقيق أهداف الوحدة والحرية والاشتراكية. اهداف مشتركة بين البعث والناصرية كواجهة سياسية وكان الشيوعيون جزء من محاولة صناعة الجبهة الوطنية التقدمية. أما واقع الحال فكان محاولة احتواء من الأسد للناصريين بشعبيتهم الكبيرة. حتى تستقيم له الأمور في الدولة والمجتمع والأمن والجيش .ويقيلهم بعدها من السياسة ومن أي دور. وكان الناصريون ينطلقون من خلفية أن المشاركة بالحكم ولو كشركاء افضل. وخاصة أنهم لا يمتلكون اي امكانية لبديل عن النظام لفرضه بالواقع فلا ديمقراطية هناك.. ولا قوة وراءهم لفرض وجودهم في السلطة. لذلك ارتضوا أن يعملوا مع البعث في الحكم وكان هذا لسان حال كل القوى الوطنية الاخرى.. وظهرت الجبهة الوطنية التقدمية ضامة فيها الأحزاب الوطنية من البعث والاتحاد الاشتراكي والحزب الشيوعي والاشتراكيين العرب..الخ. ولكن شهر العسل لم يدم فالاسد استنفذ الوقت وأعلن الدستور الذي يجعل البعث قائد الدولة والمجتمع وبالتالي تحولت كل أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الى احزاب رمزية دون اي فاعلية تبصم على سياسة الاسد المستبدة . وحصلت حرب تشرين في عام 1973 من القرن الماضي . طوب نفسه قائدا تاريخيا. ووضع الأحزاب في الجبهة الوطنية. امام خيارين اما ان يكونوا في واجهة رمزية ومغطين لكل أفعال النظام حيث السلطة الحقيقية بيد الأسد وعصبته. أو ليخرجوا ولا قدرة لهم على أي فعل يؤثر على النظام ويفرض عليه جبهة حقيقية. بعدما اصبح الاسد مهيمنا على كل شيء في الدولة والجيش والأمن والمجتمع. وحاصرهم بالبعث كقائد للدولة والمجتمع .وعدم النشاط السياسي في الجيش وبين الطلبة الا للبعث. مؤسسا لتجفيف منابع الإمداد التنظيمي للأحزاب جميعا ومنها الناصريين.. بعدما كانت شعبيتهم مكتسحة الواقع. وسارعت اغلب الاحزاب ومنها الاتحاد الاشتراكي للخروج من الجبهة الوطنية . ولكن بندوب. فبقي مع الأسد من كل الأحزاب من رضي بالقليل المعطى لهم فلا بديل لديهم . ولا يخفى عنا البعد الانتهازي عند هؤلاء. فهم اخيرا فهموا اللعبة وارتضوا أن يحصلوا على بعض المكاسب الشخصية. ولو كانوا في الصورة يحملون وزر النظام وما فعله بالشعب السوري وعربيا واقليميا عبر عقود …
ثامنا. لم يتوقف حراك الناصريين في الواقع .منهم من استمر في سياق العلاقة مع النظام عبر الجبهة الوطنية التقدمية. ونعتبرهم من بنية النظام و احدى ادواته. تخدم حراكه و تمثل شكلا من الغطاء للنظام بأنه يعبر عن تحالف قوى وطنية تقود الدولة. وليس سلطة متغلبة عبر عصبة عائلية ممتدة في الطائفة العلوية متغلغلة في مراكز القوة والهيمنة للدولة والمجتمع. ومستثمرة هذه القوى كغطاء لها ولجميع اخطائها وموبقاتها عبر عقود والآن في سوريا وخارجها
.
.سينصب حديثنا على الناصريين المعارضين. متمثلين بحزب الاتحاد الاشتراكي العربي ومن دار في فلكه من بعض المجموعات الناصرية مثل التنظيم الشعبي الناصري .. ولن نخوض في موضوع تعدد منابر الناصريين وتجمعاتهم. الا من باب أن الناصرية ككل فكر ومنهج سياسي لم تحظ بالتوافق بين جميع أنصارها.. ويضاف لذلك اختلاف القراءة السياسية للواقع ولا يغيب أيضا البعد الذاتي لكثير من رموز الناصريين الذين استمروا في مواقعهم القيادية لعقود.
تاسعا.عمل الناصريين المعارضين الخارجين من الجبهة الوطنية وعبر سنوات مع غيرهم ممن رفض هيمنة البعث وسلطته على الدولة والمجتمع. وتوصلوا لبناء تحالف فيما بينهم يدعو النظام للخيار الديمقراطي في الدولة .. سمي التجمع الوطني الديمقراطي. يحوي الطيف الوطني السوري من ناصريين وشيوعيين واشتراكيين عرب وبعثيين ديمقراطيين. وعمال ثوري الخ. ووضعوا نصب أعينهم التحرك المجتمعي لتحقيق ذلك.. ولكن ما أرادوه لم يتحقق .وذلك لأنهم لم يمتلكوا ايا من أسباب القدرة على تحقيق ذلك.. لا القدرة الواقعية ولا الامتداد الشعبي . ولا اي دعم اقليمي او دولي.. فقد اصبح الاسد ونظامه جزءا فاعلا في لعبة النظام الإقليمية والدولية .خاصة بعد حرب تشرين وتوافقاتها. ودخول النظام السوري الى لبنان ودور النظام في الحرب العراقية الايرانية.. وبعد ان دخلت جماعة الطليعة الاسلامية في حربها المفتوحة.. على النظام بتوصيف طائفي .. أعطت للنظام مبررا ليقسم ظهر الطليعة والإخوان المسلمين من ورائهم. والحركة الوطنية أيضا التي عبرت عن موقفها الوطني. رافضة استبداد النظام وطائفية المواجهة المسلحة ومطالبة بالحل الديمقراطي لسورية.. كان البطش عاما وشمل سورية كلها .. و من نتائجه تدمير مدن وعشرات آلاف الشهداء ومثلهم مشردين ومنفيين.. واستوى المجتمع السوري بيد النظام المهيمن .وأصبحت السياسة شبه معدومة مجتمعيا و فعالية للأحزاب. سيطر النظام على الفضاء السياسي كاملا .وبدأ حضور الأحزاب شبه رمزي في الواقع السوري في الثمانينات.. بعد ان اكتظت السجون وصارت القوى السياسية المعارضة تتصرف وفق منطق الحفاظ على الذات .. والتعبير عن الاستمرار في حمل شعلة السياسة بحدها الأدنى.
٧ . ٣ . ٢٠١٤م.
قراءة موضوعية للحالة الناصرية في سوريا. وخاصة تجاه الثورة السورية، باعتبار عبد الناصر كان لحظة تاريخية فارقة في التاريخ العربي المعاصر وكان صوتا للحرية والعدالة والكرامة للإنسان العربي ، فتعددت القراءات والرؤى للناصرية ،ليكون موقف القوى الناصرية خارج الجبهة مؤيد للثورة وإن اختلفت المواقف بين القواعد والقيادات بطريقة التعامل معها .