انهمك نظام الاستبداد والتسلط المشرقي في سورية ومنذ اختطاف السلطة عام 1970 ، على يد المجرم الأول حافظ الأسد، في سياسة كم الأفواه، وإلغاء السياسة من المجتمع السوري، ولجم أية محاولة شعبية أو مجتمعية للنهوض، على أي مستوى من المستويات، حتى باتت كل مفاصل المجتمع السوري ملحقة بالتغول الأسدي، ولم يعد بالإمكان لأي حراك سياسي أو إنساني أو اقتصادي أن يجد له أي مكان في البيئة السورية بعيدًا عن الحالة النهبوية الفاسدة والمفسدة، وهو واقع سوري لاشك أسس لما بعده، عندما تم توريث السلطة السورية لبشار الأسد بعد موت الأسد الأب/حافظ عام 2000، وجاء ذلك كما نعلم بمباركة أميركية على يد وزيرة الخارجية (أولبرايت)، بعد اجتماعها ومباركتها للوريث الجديد، الممسك باستمرار الدور الوظيفي المشبوه الذي سبق وأن لعبه أباه قبله، ملتزمًا كل الالتزام بالخطوط الحمر الأميركية، وأولها الحفاظ على أمن إسرائيل، والإمساك بحماية حدود إسرائيل بكل إخلاص ودقة، منذ أن تم توقيع اتفاق فض الاشتباك عام 1974، بعد حرب تشرين التحريكية، والتي كادت أن تكون حربًا تحريرية، لولا الدور الوظيفي المنوط بحافظ الأسد.
اليوم وبينما نحن جميعًا نترقب مصير النظام الأسدي، جراء البدء بتطبيق قانون قيصر/ سيزر الأميركي، إبان تفاعلات قضية تسريب ما ينوف عن 55 ألف صورة شهيد ملتقطة في سجون الموت الأسدي، لأكثر من 12 ألف معتقل تم قتلهم تحت التعذيب، كان قد أنهى حيواتهم النظام السوري في السنوات الأولى للثورة السورية ثورة الحرية والكرامة.
في هذا السياق وحيث يترقب الشعب السوري وغير السوري ما يمكن أن يؤول إليه حال السلطة في دمشق بعد البدء بتنفيذ قانون قيصر، فإن الأسئلة الأساسية تبقى ماثلة في المخيال السوري وهي هل سيساهم تطبيق هذا القانون الأميركي، في الوصول حقًا إلى عملية الانتقال السياسي المنصوص عنها في قرارات الأمم المتحدة، ومسار جنيف، المتوقف عسفًا من قبل النظام وداعميه الروس؟ وهل يمكن الاعتماد على الوعود والسياسات الأميركية في تحقيق رغبات ومتطلبات شعب سورية الذي يطمح لمجتمع ديمقراطي حر وكريم؟ وهل انتهى الدور الوظيفي المنوط ببشار الأسد ونظامه القمعي؟ وهل الواقع الدولي والإقليمي اليوم بات متهيئًا بحق لإنهاء حكم الأسد، والوصول بسورية إلى بر الأمان، منهيًا بذلك عذابات السوريين؟
كل هذه الأسئلة التي ما برحت مشروعة وحقيقية لدى كل السوريين، بالرغم مما شهده المجتمع الدولي وعرفه عن هذا النظام الذي دمر شعبه وأوصله إلى خسائر لم تمر مطلقًا على واقع السوريين من قبل، فخسائر الاقتصاد السوري على يد الجلاد بلغت، حتى نهاية العام الماضي، نحو 530 مليار دولار، منها أكثر من 65 ملياراً جراء تضرر 40 في المائة من البنية التحتية، وفق دراسة للمركز السوري لبحوث السياسات (مستقل) مركزه بيروت.
حتى أن رأس النظام (بشار الأسد) نفسه كان قد اعترف في كانون الأول/ديسمبر2019، أن كلفة إعادة الإعمار في سورية تقدر بنحو 400 مليار دولار في فترة تمتد من 10 سنوات إلى 15 سنة، وهذا الرقم يساوي أو يقترب من تقديرات الأمم المتحدة التي أكدت في آب/أغسطس 2019، بأن كلفة إعادة الإعمار تبلغ 400 مليار دولار، بينما تقديرات أخرى تشير إلى تجاوزها حافة 450 مليار دولار بعد العدوان الأسدي على إدلب وريف حماة وريف حلب الغربي في فترة ما قبل توقيع اتفاق ادلب الأخير بين تركيا وروسيا في 5 آذار/ مارس 2020.
ومع ذلك فهناك من يتحدث اليوم عن أن قانون قيصر سيمارس نوعًا من الضغط الجدي غير المسبوق على النظام السوري وداعميه، سيقوض أركان النظام المجرم. ويقولون إن قانون “قيصر سيلاحق المشروعات والاستثمارات التي قدمها الأسد خلال فترة الحرب لشركائه وداعميه بموسكو وطهران. إذا لم ينسفها القانون، فعلى الأقل سيوقفها ويمنع استمرار بيع واستنزاف ثروات السوريين، كما سيلاحق الشركات التي تأسست في لبنان بأشكال وأسماء وهمية ومزيفة، وحتى المساعي الإماراتية ومحاولات دول في أوروبا الشرقية، الذين رأيناهم جميعاً خلال الفترة الأخيرة يعززون العلاقات ويسعون لحصة من كعكة خراب سورية”.
وهنا يصعد السؤال هل سينهي قانون قيصر هذا النظام بالضربة القاضية؟ القراءة المتأنية تشير إلى أن هناك نوع من قضم متدرج، سياسياً واقتصادياً ومالياً. لذا ليس من ضربة قاصمة، بل اختناق بطيء. وفي هذه المجابهة لا حاجة لخوض أي حرب أو افتعالها. خصوصاً أن الحرب يصعب خوضها في بلاد غارقة في فقر مدقع وجوع فاحش.
وهناك من يصر حسب قراءات تاريخية لأنواع من الحصار والعقوبات تبين أنه ” لم يسقط نظام صدام حسين إلا بتدخل عسكري مباشر، ولن يسقط نظام بشار الأسد إلا بتدخل مباشر، لكن اليوم، أو بالأحرى منذ التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب النظام في خريف العام 2015، لم تعد فكرة شن حرب غربية على النظام واردة،”
وهذا يعيد كل السوريين إلى أسئلتهم السابقة المشروعة، في محاولة عاقلة ورصينة إلى الدفع بعملية الاعتماد على الذات، وعلى قوى الثورة والمعارضة، والحاضنة الشعبية للثورة السورية التي عادت تتمظهر في غير مكان من سورية، ليس آخرها ما جرى ويجري في محافظة السويداء من هبة شعبية ملفتة قد تقلب كل حسابات النظام ومناصريه.
لعل العودة للاعتماد على الذات والشعب السوري وفاعلياته، هي الأهم قبل المراهنة على تغيير قد يأتي من الخارج وقد لا يأتي، وإن أتى فسيكون من أجل مصالح أخرى ليس بالضرورة أن تتقاطع مع رؤى وآمال الشعب السوري ومصالحه وما قام من أجله.