يبدو أن النظام السوري قد بدأ مرحلة التنازل التدريجي عن معركة محاصرة الدولار الأميركي، والتوسع في إصدار حزمه التسهيلية لعمل مراكز الصرافة وسحوبات النقد الأجنبي، أملاً في جذب رؤوس الأموال السوريين في الخارج والمستثمرين العرب.
ويتيح القرار الصادر عن البنك المركزي للمصارف وشركات الصرافة المرخص تعاملها بالدولار الأميركي، بيع أو تحويل القطع الأجنبي لحصة المستثمر “سوري غير مقيم وعربي وأجنبي” من المال الخارجي المستثمر في المشروع والأرباح والفوائد السنوية الناجمة عنه.
ويسمح للمصارف وشركات الصرافة بتحويل الالتزامات المترتبة على المشروع الاستثماري بالقطع الأجنبي تجاه الخارج، وفق القرارات والأنظمة النافذة، التي تتطلب في حال عدم صدور إجازة استثمار خلال المدة المحددة أو في حال عدم التنفيذ لأسباب خارجة عن إرادة المستثمر، استعادته المال الذي أدخل للمشروع، وفق كتاب يبين آلية إدخال المال وسبب طلب الإعادة.
قرار لترتيب البنية الاقتصادية
ويمثل القرار، رغم تعقيداته البيروقراطية والأمنية، تغيراً في سياسات النظام النقدية التي ركزت على إصدار قرارات وإجراءات تهدف إلى محاصرة الدولار ومنع تداوله خلال السنوات الماضية، والتركيز على جذب الاستثمارات وطمأنة رؤوس الأموال بقدرتهم على تحصيل الأرباح بالنقد الأجنبي، بهدف ضخ أموال جديدة في السوق.
ويرى الباحث الاقتصادي فراس شعبو، أن النظام السوري يحاول إعادة تموضع وترتيب الاقتصاد السوري، والعمل على إعادة هيكلته لإيجاد بيئة مناسبة لجذب المستثمرين بعد مرحلة التطبيع السياسي.
ويقول: “رغم أن مرحلة ضخ الاستثمارات وإعادة الإعمار في سوريا بعيدة نسبياً، إلا أن النظام يحاول أن تكون أرضيتها ممهدة ببنية تحتية مناسبة تساعد في دخول المستثمرين وضخ الأموال، وتقديم رسائل مطمأنة بوجود تغييرات في السياسة والانفتاح الاقتصادي”.
ويعتقد شعبو أن هذا المسار مع ما يحمله من بوادر تغيير في نهج وتفكير البنك المركزي بضرورة الانفتاح على الخارج، إلا أنه قد يتحول إلى نافذة لمساعدة المحسوبين على النظام والمتنفذين في الداخل السوري على إخراج أموالهم.
ويضيف: “يشعر البنك المركزي بضرورة الانفتاح ومواكبة التطورات، وعدم الاعتماد الكلي على السلطة الأمنية والانكماش الداخلي وقرارات تجريم الدولار، خاصة بعد المغريات والوعود التي يوفرها التطبيع، لذلك يعمل على النسج من هذه الوعود مخططات ورؤى اقتصادية ترجع بالنفع سواءً بتحقق وعود التطبيع أو إعادة الإعمار”.
خطط تحتاج ضمانات
ويأمل النظام أن يتيح القرار انسيابية أكبر في عملية ضخ السيولة من النقد الأجنبي في سوق الاستثمار بعد انكماش دام لسنوات، الأمر الذي ينعكس على حركة التجارة الداخلية وتخفيف الأعباء على الموازنة العامة، وبالتالي تعزيز الدخل الحكومي ودخل الفرد.
وكان وزير المالية في حكومة دمشق كنان ياغي، قد تحدث عن وجود خطط مدعومة تهدف إلى نمو الاقتصاد السوري بنسبة 3 في المئة عام 2024، من خلال تحسين مناخ الاستثمار وإعادة المستثمرين العرب والأجانب إلى سوريا. إضافة إلى العمل على تغطية عجز موازنة 2023، عبر الأوراق المالية وقروض داخلية وخارجية، ومحاولة إدارة العجز بزيادة الإيرادات وتقليل الإنفاق.
ويشير شعبو إلى أن النظام بدأ العمل على تهيئة البنية التحتية لتسهيل عملية ضخ الأموال من وإلى الداخل السوري، إلا أن هذه الخطوات مرتبطة بضمانات تقدم لرؤوس الأموال، إما شخصية أو على مستوى الدول، خاصة وأن بنية النظام فاقدة للثقة، وبالتالي الحاجة إلى ضمانات من شخص بشار الأسد للمستثمرين.
يبدو أن النظام السوري يحاول من خلال القرار الأخير إعادة استنساخ تجربة 1985، خاصة مع توافر بيئة مشابهة لوضع الاقتصاد السوري في تلك الفترة رغم مرور عقود طويلة، وذلك من خلال تفعيل دور المستثمرين وتخفيف القيود على حركة أموالهم، أملاً بالحصول على نتائج مطابقة، إذ ساهمت الخطوة في انتعاش الاقتصاد وتحقيق فائض في الميزان التجاري، فضلاً عن كسر عزلته السياسية والاقتصادية في ذلك الوقت.
المصدر: المدن
يظل نظام دمشق يضع الحلول الأمنية والسياسية الناقصة للقضايا الاقتصادية ، يعطي أريحية بحركة العملات الأجنبية لتشجيع المستثمرين ، متناسياً بإن الأمن الاجتماعي والسياسي والملكية والشفافية ومحاربة الفساد هي الأساس بجلب المستثمرين ، فكيف بدولة ليس فيها إحداها ؟.