يتأرجح مصير النازحين من أبناء عشائر البدو من محافظة السويداء جنوب سورية إلى مدن وأرياف محافظة درعا المجاورة بين محاولات ترحيل وتهجير ممنهج منذ سنوات، وبين الملاحقة والتضييق من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وبعض الفصائل المسلحة والعصابات المحلية.
ونزحت معظم العشائر العربية من محافظة السويداء عقب قيام الثورة السورية في مارس/آذار 2011، نتيجة الاحتقان الطائفي الذي يغذيه النظام بشكل مستمر، بعد تشكيل ما يسمى بالفصائل المسلحة الرديفة لجيش النظام، مثل “الدفاع الوطني” و”كتائب البعث” و”حماة الديار” وغيرها.
وقد استخدم النظام هذه المليشيات كأداة للتحريض الطائفي على عشائر البدو والوافدين من أبناء محافظة درعا إلى محافظة السويداء والمهجرين من المحافظات السورية.
تأجيج النظام الصراع بين عشائر البدو والدروز
وتعتبر عشائر البدو من السكان الأصليين لمحافظة السويداء، لكن النظام كان يعمل على تأجيج الصراع بينها وبين طائفة الموحدين الدروز الذين يشكلون غالبية سكان هذه المحافظة، التي لطالما شهدت مشاحنات على أساس طائفي، بدفع من النظام قبل الثورة السورية وأثناءها، أبرزها ما جرى في العام 2000 الذي شهد اقتتالاً دامياً بين الدروز والبدو.
وقبل 2011 كان البدو يتنقلون ضمن محافظة السويداء بأغنامهم. واستقر العديد منهم في تجمعات سكانية، أو ضمن القرى والبلدات في الجنوب السوري، مع المحافظة على مهنتهم الأساسية في تربية المواشي ورعيها.
ويوضح الناشط علي الحسين، القاطن في الريف الشرقي لمحافظة السويداء، أن المستجدات التي طرأت على المشهد السوري بعد العام 2011 “أشعلت شرارة النزاع بين أكثرية درزية وأقلية من عشائر البدو في مناطق اللجاة والقريا والرحا، وفي البادية الشرقية، وتلك المتاخمة لمناطق ريف درعا الشرقي”.
ويبيّن أن “هذا النزاع أدى الى نزوح أعداد كبيرة من عائلات العشائر، من ديارهم في محافظة السويداء”، مضيفاً: قُطع الطريق أمام العودة الآمنة لهذه العائلات لديارها نتيجة تأجيج مشاعر العداء بين الطرفين بدفع من أجهزة النظام الأمنية والعصابات المحلية المرتبطة بها.
ويتابع الحسين: أجهضت هذه الأجهزة كل محاولات فعاليات أهلية على مدى سنوات للتقارب وعودة العيش المشترك بين البدو والدروز كما كان قبل انطلاق الثورة في 2011، والتي استغلها النظام لتعميق الخلافات بين الدروز والبدو.
اتهام البدو بالارتباط بتنظيمات متطرفة
ويشير إلى أن التحريض على البدو “وصل الى حد اتهامهم بالارتباط بتنظيمات متطرفة، من قبيل تنظيم داعش الذي كان ينشط في ريف درعا الغربي وفي بادية السويداء شرقاً، وهو ما خلق حالة توجس وكراهية تفاقمت بعد هجوم خلايا داعش على ريف السويداء الشرقي منتصف 2018”.
من جانبه، يوضح عمر الصبرا، وهو من أبناء عشائر السويداء والخبير في شؤونهم في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “نزحت من محافظة السويداء إلى ريف درعا أعداد كبيرة من العائلات وبعض العشائر بالكامل، ومنها الجوابرة والحواسنة، اللتان كانتا تقطنان في قرى اللجاة وقم وعريقة والخرسا في الريف الشمالي الغربي من محافظة السويداء”.
ويتابع: نزحت عائلات بالكامل، مثل النزال والمحص والعيد والكريع، وكذلك عشيرة الشنابلة التي نزحت من بلدة القريا وجوارها إلى جنوب السويداء، وما تزال على خلاف مع بعض المزارعين من أهالي بلدة القريا”.
ويعتقد الصبرا أن الحل الأنسب لعودة النازحين البدو إلى بيوتهم “يكمن في تحييد أدوات الفتنة من عصابات وفصائل رديفة، وحل القضايا العالقة عشائرياً، دون تدخلات قوى الفتنة المعروفة للجميع”.
ويضيف: يجمع البدو والدروز علاقات اجتماعية وعادات وتقاليد مشتركة، ولا بد من إلغاء الملاحقات الأمنية بحق النازحين، وتقديم ضمانات لهم من الفعاليات الدينية والاجتماعية في السويداء للعودة وقطع كل جذور الريبة والخلاف.
ولا توجد إحصائيات رسمية يمكن الركون إليها لعدد البدو في محافظة السويداء، إلا أن بعض المصادر تقدر هذا العدد بنحو 10 آلاف، ينتشرون في عدة مناطق في المحافظة، منها مدينة السويداء مركز المحافظة التي تعد من المحافظات السورية محدودة الموارد.
من جانبه، يقول جاسم المحص، وهو أحد النازحين من بلدة عريقة الواقعة في الريف الغربي للسويداء في حديث مع “العربي الجديد”: “خرجنا من بلدتنا طوعاً، ولم يجبرنا أحد على هذا القرار”.
ويضيف: أخطأنا في الحسابات، فمعظم العشائر والعائلات التي بقيت في مدن السويداء والعديد من قراها حافظت على أمنها، وتجاوزت محاولات زرع الفتنة بين المكونين البدوي والدرزي، وعاشت وما تزال بأمان، وتخطت بعض النزاعات الفردية والعائلية التي قد تحصل ضمن المكوّن الديني والطائفي الواحد في أي وقت.
النازحون هدفاً للعصابات والأجهزة الأمنية
ويوضح المحص أن النازحين من السويداء “لم يستطيعوا التأقلم مع أماكن النزوح، وبنفس الوقت لا يمكنهم العودة إلى ديارهم خشية تعرضهم لعمليات انتقامية”، مضيفاً: بتنا هدفاً للعصابات والأجهزة الأمنية في البلدات التي نزحنا إليها في محافظة درعا.
ويتابع: العائق الأكبر للعودة إلى الديار هي الجهات الرسمية، والقرارات الصادرة بملاحقة ومحاكمة أبناء العشائر الذين انتموا إلى فصائل ومليشيات مسلحة خلال الحرب السورية، بالإضافة إلى التعديات التي حصلت بين بعض أبناء العشائر وبعض أهالي بلدات السويداء، وقتل فيها أشخاص من الجهتين.
ويشارك سكان محافظة السويداء من البدو بفعالية في الحراك الثوري الذي تشهده هذه المحافظة منذ نحو شهرين، في رد على كل محاولات النظام زرع الشقاق بينهم وبين الدروز.
اعتقال عدد من أبناء عشائر السويداء النازحين
وتعرض عدد من أبناء عشائر السويداء النازحين لمحافظة درعا إلى مضايقات، وصلت إلى حد الاعتقال بتهم الانتماء إلى عصابات السطو والخطف والسرقة، والتي نشطت لعدة سنوات في محافظتي درعا والسويداء، وكادت أن تتسبب بنزاع أهلي بسبب عمليات الخطف المتبادل.
وقام “اللواء الثامن”، المرتبط بالجانب الروسي ومقره بلدة بصرى الشام بريف درعا الشرقي، بمداهمات مؤخراً لبلدات خربة غزالة والكحيل وبصرى الشام وغيرها، واعتقل بعض الأشخاص من عشائر البدو لنفس الأسباب، مضافةً إليها أعمال الترويج والاتجار بالمخدرات.
ويقول أحد المقربين من هذا اللواء، لـ”العربي الجديد”، إن العديد من أبناء البدو “وجدوا في الانتماء لعصابات الخطف والفدية وفي تجارة المخدرات المورد الأسرع والأكثر ربحاً، وذلك نتيجة ظروف نزوحهم السيئ وعدم امتلاكهم لموارد ثابتة، كالأراضي والعقارات”.
ويضيف: وجدت عصابات الخطف والسطو وتجارة الممنوعات في بعض البدو النازحين إلى درعا معيناً، نتيجة معرفتهم بطرق التهريب في محافظة السويداء وخبرتهم في بناء شبكات للتواصل بين العصابات والمهربين بين المحافظتين، ومن ثم هم دائماً موضع الشك والاتهام.
وكانت بلدة خربة غزالة شهدت، أواخر العام الماضي، عدة أحداث اتهم بعض النازحين من البدو بالاشتراك بها، ما أدى إلى مداهمة عناصر “اللواء الثامن” للبلدة واعتقال البعض، واتهامهم بخطف أحد أبناء البلدة.
عبث الفصائل المسلحة بالنسيج الاجتماعي
ويقول شهاب البكار، وهو من النازحين من قرية دير داما في الريف الشمالي الغربي للسويداء في حديث مع “العربي الجديد”: نتلقى بعض المعاملة المختلفة كوننا نازحين، وخاصة من الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية التي تعبث دائماً بالنسيج الاجتماعي من خلال توريط البعض من أبنائنا بأعمال السرقة والخطف والاتجار بالممنوعات، والخطف والسطو وسرقة السيارات.
ويشير البكار، الذي كان يعمل في سلك التعليم قبل 2011، إلى أن “الجنوب السوري كله يشهد أعمال عنف يومياً وجرائم قتل ومحاولات اغتيال وهجرة وترحيل”.
ويضيف: يعلم الجميع أن هذا ناتج من فساد الأجهزة الأمنية وضعفها، وسياسة زرع الفتن وإثارة النعرات والنزاعات بين أبناء المجتمع الواحد التي ينتهجها النظام.
ويشير إلى أن “معاناة النازحين البدو في جنوب سورية لن تنتهي إلا بمصالحة أهلية وعشائرية، بعيداً عن النظام، بحيث يعود النازحون من أبناء عشائر البدو إلى ديارهم في قرى وبلدات السويداء وريف دمشق، وهذا الأمر يحتاج إلى تغليب قرار العيش المشترك وتجاوز الإشكاليات والتراكمات الحاصلة بين جميع مكوّنات المنطقة”.
المصدر: العربي الجديد
نظام طاغية الشام لعب على وتر الصراعات الداخلية ذات البعد الطائفي والعرقي والديني وكان دور محافظة السويداء زرع الفتنة بين عشائر البدو السكان الأصليين بالمحافظة وبين طائفة الموحدين الدروز أغلبية سكان المحافظة ، ليرحلوا عن مساكنهم ببداية الثورة ، وما يزال النظام يلعب على هذا الوتر ، ليتطلب وعي وطني يتجاوز هذه الفتنة بمصالحة بعيداً عن النظام .