قصف تركيا للأكراد… معاناة مستمرة

أردوغان يهدد بتكثيف الهجمات في سوريا والعراق والناتو وأوروبا مترددان في انتقاد أنقرة. في تهديد جديد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الأربعاء أن تركيا “ستواصل تكثيف عملياتها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق”.

وقال رئيس الدولة، التي بدأت سلسلة من عمليات القصف منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) رداً على هجوم أسفر عن جرح شرطيين في أنقرة وتبناه حزب العمال الكردستاني، “كثفنا بالفعل عملياتنا الجوية وسنواصل ذلك ونظهر للإرهابيين أننا قادرون على تدميرهم في أي مكان وفي أي وقت”.

أضاف أردوغان مساء الإثنين إن تركيا أكملت “بنجاح المرحلة الأولى” من حملة القصف، ولمح إلى أن أنقرة ستواصل “شن العمليات” في شمال سوريا والعراق.

وتحدث الإثنين، وكرر ذلك مساء أمس الثلاثاء، عن تدمير “192 هدفاً” ومقتل “162 إرهابياً” من أعضاء حزب العمال الكردستاني وحلفائه من وحدات حماية الشعب المتحالفة مع الأميركيين في القتال ضد مقاتلي تنظيم “داعش”.

معاناة المدنيين مستمرة

كان سمير سعدو (17 سنة) ينهي نوبة عمله كعامل نظافة في مركز القرية الطبي عندما تعرض المبنى لضربة جوية.

وقال سعدو المنتمي إلى للأقلية اليزيدية في العراق “لم أر أي شيء سوى الغبار والدخان، علقت ساقي أسفل الركام، صرخت طلباً للمساعدة وكان الناس يأتون لكن الطائرات واصلت القصف”.

وقال مسؤولون محليون إن ما لا يقل عن أربعة مدنيين قتلوا في هذا الهجوم الذي وقع في يوم الـ17 من أغسطس (آب) 2021، وكان من بين القتلى والد سعدو الذي كان يعمل طاهياً في المركز الطبي بمحافظة سنجار شمال العراق على بعد نحو 100 كيلومتر من الحدود التركية، وأصيب سعدو بكسر في الحوض وشرخ في الجمجمة.

وأظهر تحليل بيانات أجرته “رويترز” أن هذه الضربة كانت جزءاً من هجمات متصاعدة تنفذها طائرات وطائرات مسيرة تركية على المناطق ذات الغالبية الكردية في العراق وسوريا وأن تلك الهجمات استمرت منذ ذلك الحين، ووفرت شركات غربية المكونات المهمة للطائرات المسيرة التي يقول المسؤولون الأكراد والعراقيون إن تركيا تنشرها بوتيرة متزايدة.

وتصاعدت الضربات الجوية منذ أن أطلقت تركيا عملية “المخلب-القفل” في أبريل (نيسان) العام الماضي، وتقول وزارة الدفاع التركية إن الهدف هو حماية الحدود التركية “وتحييد الإرهاب والإرهابيين في المنبع”.

وفي وقت سابق هذا الشهر نفذت تركيا ضربات جوية على أهداف تابعة للمقاتلين في شمال العراق وفي سوريا بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته هجوماً بقنبلة قرب مبان حكومية في أنقرة، مما أسفر عن إصابة اثنين من رجال الشرطة.

وشمال العراق قاعدة لحزب العمال الكردستاني الذي شن منه على مدى عقود كثير من الهجمات المميتة على تركيا، وتصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.

وتستهدف العمليات التركية في سوريا وحدات حماية الشعب الكردية التي تقول أنقرة إنها تابعة لحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب جزء من قوات سوريا الديمقراطية، وهي حليف للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم “داعش”.

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان لـ”رويترز” إن جميع عملياتها تقع “في إطار القانون الدولي واحترام وحدة أراضي وسيادة جميع جيراننا”.

وأضاف البيان “في تخطيط وتنفيذ العمليات يستهدف الإرهابيون ومواقعهم ومستودعاتهم وملاجئهم فقط، ونبدي أقصى قدر من العناية والحساسية لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين ومنع إلحاق الضرر بالبنية التحتية والمواقع الثقافية”، وتابع “أي مزاعم بخلاف ذلك بلا أساس وافتراء وأكاذيب”.

ولم يتسن لـ”رويترز” التواصل مع حزب العمال الكردستاني، وقالت قوات سوريا الديمقراطية إن الضربات التركية في سوريا غير مبررة، وصرح متحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية أن قواتها “لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الدولة التركية”.

وحللت “رويترز” وقائع العنف التي رصدها مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، وهي منظمة بحثية عالمية تجمع تقارير من منافذ إعلامية وتقارير حكومية ومجموعات غير حكومية ومصادر أخرى.

وأظهر هذا التحليل أن تركيا نفذت في 2022 ما لا يقل عن 2044 ضربة جوية على المناطق ذات الغالبية الكردية في العراق وسوريا، بزيادة 53 في المئة عن العام السابق وأعلى عدد مسجل منذ أن بدأ المشروع في توثيق الضربات الجوية في البلدين في 2017. وهذه الأرقام هي تقدير متحفظ على الأرجح لأن التحليل يستبعد الضربات الجوية التي قد تكون نفذت أثناء القتال.

ويستمد المشروع معلوماته عن الضربات الجوية في شمال العراق وسوريا من مصادر تشمل الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني ووكالة الأناضول التركية الرسمية للأنباء والجماعات المراقبة للنزاع ومنها المرصد السوري لحقوق الإنسان ومجموعة الحروب الجوية.

ووفقاً للتحليل فإن المركز الطبي في سكينيا هو واحد من ثماني منشآت طبية في الأقل تعرضت للقصف بضربات جوية تركية أو قصف بري في الفترة بين 2018 والنصف الأول من 2023.

وأصدرت الحكومة التركية بياناً بعد أربعة أيام من الضربة الجوية في سكينيا ذكرت فيه أن الرئيس رجب طيب أردوغان طمأن رئيس الوزراء العراقي وقتئذ مصطفى الكاظمي في اتصال هاتفي أن العملية الأخيرة استهدفت أعضاء حزب العمال الكردستاني والجماعات المتحالفة معه فحسب.

وأضاف البيان أن الموقع الذي تعرض للقصف “لم يكن مستشفى أو مركزاً للرعاية الصحية”، وإنما أحد معاقل المنظمة، ولم يذكر البيان سكينيا.

وفي بيانها قالت وزارة الدفاع إن تركيا لم و”ولن تستهدف أبداً” تجمعات مدنية، خصوصاً “منشآت الرعاية الصحية والعاملين بها”.

وقال ثلاثة سكان محليين إن مقاتلاً مصاباً من حزب العمال الكردستاني كان يعالج في المركز في وقت الضربة الجوية، وذكر اثنان منهم أن المقاتل نجا من الهجوم. وأشار مسؤولون محليون إلى أن أربعة من أعضاء وحدات مقاومة سنجار المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني كانوا يحرسون المركز قتلوا في الهجوم.

وفي بعض الهجمات الأخرى التي حللتها “رويترز” كان الأشخاص الموجودون في موقع الهجوم على صلة بحزب العمال الكردستاني أو يشتبه في صلتهم به.

وقال أربعة خبراء قانونيين إنهم يعتقدون أن الهجوم على المركز الطبي انتهك القانون الإنساني الدولي، ومن المرجح أن يشكل جريمة حرب لأنه من غير القانوني استهداف المنشآت الطبية والمصابين من المقاتلين والمدنيين.

وفي يوليو (تموز) قدمت منظمتان غير حكوميتين، هما وحدة المساءلة ومقرها بريطانيا ومنظمة نساء من أجل العدالة ومقرها ألمانيا، شكوى نيابة عن الضحايا إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بحجة أن الهجوم انتهك حق الضحايا في الحياة تحت حماية القانون الدولي.

وقالت عضو الفريق القانوني تاتيانا إيتويل إن قضية الضحايا هي أن استهداف المستشفى، وهو مركز طبي مدني يعالج السكان المحليين ويقع بعيداً من أي أعمال قتالية دائرة تشارك فيها تركيا في الوقت الراهن، كان غير قانوني ومحظور بموجب القانون الإنساني الدولي ويشكل انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولم تبد تركيا أي رد فعل تجاه الدعوى القضائية التي قد تستغرق أعواماً للبت فيها.

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع التركية في مؤتمر صحافي الشهر الماضي إن العمليات العسكرية التركية “تأتي في إطار حقنا في الدفاع عن النفس” بموجب القانون الدولي، وقال المتحدث في بيان افتتاحي إن القوات المسلحة التركية “تستهدف الإرهابيين فقط” وتحرص بشدة على عدم الإضرار بالمواقع المدنية أو البيئة و”تبدي حساسية لا يظهرها أي جيش آخر”.

ويظهر تحليل البيانات أن الضربات التركية تصل إلى عمق العراق وسوريا وتغطي مساحة أوسع، وفي عام 2017 استهدفت الضربات الجوية التركية أقل من 36 موقعاً في العراق وسوريا. وفي عام 2022 ضربت الطائرات أو الطائرات المسيرة أكثر من 240 موقعاً في البلدين، وأدى الصراع إلى مقتل آلاف الأشخاص وإفراغ مئات القرى في السنوات الثماني الماضية، وفقاً لمنظمات غير حكومية ومسؤولين محليين.

ويشعر حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي والمنظمات الدولية بالقلق.

ورداً على طلب للتعقيب، قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إن “العمليات العسكرية غير المنسقة تعرض للخطر المهمة ضد داعش وسلامة القوات الأميركية وقوات التحالف”، وأضاف المتحدث أنه “مع إدراكنا للتهديد الأمني ​​الذي يشكله حزب العمال الكردستاني على تركيا داخل حدودها، فإننا نحث الحكومة التركية على احترام السيادة العراقية وتنسيق عملياتها العسكرية مع السلطات المعنية”.

وأسقطت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي طائرة مسيرة تركية كانت تعمل قرب قواتها في سوريا، وهذه هي المرة الأولى التي تتخذ واشنطن مثل هذه الخطوة.

وبعد يومين من الضربة الجوية في سكينيا، قالت بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق في بيان إنها تتابع التطورات “بقلق بالغ”.

وأضاف البيان “يتعين اتخاذ جميع التدابير الوقائية الضرورية أثناء العمليات العسكرية، بما في ذلك الضربات الجوية لحماية وتقليل الضرر الواقع على المدنيين الذين يعانون غالباً تداعيات هذه الهجمات”، ولم يشر البيان إلى تركيا.

ويقول بعض المحللين إنه أياً كان نتاج الاتهامات المرتبطة بحقوق الإنسان فإن الهجمات التركية تنذر بنتائج عكسية من الناحية الاستراتيجية على أنقرة من خلال إضعاف التحالف الدولي ضد الجماعات المتطرفة في المنطقة.

وقال جوناثان لورد، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث يتخذ من واشنطن مقراً، إن الضربات التركية “تؤدي إلى تآكل قوات الأمن التي تتصدى لتنظيم داعش”.

وأضاف “في العراق يمكن أن تشجع الضربات إيران والميليشيات الموالية لها على توسيع عملياتها”، وتابع “قد يشكل هذا سابقة للأطراف الأخرى لاستغلال العراق واستمالته”.

حرب طويلة

تخوض تركيا حرباً مع حزب العمال الكردستاني الذي يطالب بحقوق أكبر للأكراد منذ الثمانينيات، وأودى هذا الصراع بحياة أكثر من 40 ألف شخص.

وفي البداية كانت الحرب في جنوب شرقي تركيا بشكل أساسي حيث يتمركز معظم الأكراد في البلاد، وعمل حزب العمال الكردستاني من الحدود الجبلية مع العراق وأسس وجوداً له في شمال العراق ذي الغالبية الكردية، وهي منطقة تؤوي أيضاً أقليات عرقية ودينية أخرى هي الأشوريين والتركمان واليزيدين. وانخرطت هذه الأقليات أيضاً في الصراع إلى جانب الأتراك والأكراد والعرب.

وفي 2013 أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار وطالب أعضاءه بالانسحاب إلى شمال العراق، حيث المقر الرئيس للحزب الآن.

وعندما انهار وقف إطلاق النار في 2015 دخل النزاع أحد أكثر مراحله دموية، ونفذ المقاتلون الأكراد تفجيرات في مدن تركية. وفي هجوم نفذته جماعة تابعة لحزب العمال الكردستاني في ديسمبر (كانون الأول) 2016، أسفر تفجير سيارة ملغومة وتفجير انتحاري عن مقتل 44 أمام ملعب لكرة القدم في إسطنبول.

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيانها إنه منذ بداية 2017 نفذ حزب العمال الكردستاني والجماعات المتحالفة معه أكثر من 2200 عمل عدواني تشمل هجوماً على مدارس في إقليم غازي عنتاب في نوفمبر تشرين الثاني العام الماضي أسفر عن مقتل طفل في الخامسة وأحد المعلمين. وذكرت الوزارة أن هذه الهجمات “خطط لها في شمال العراق” وأن “المواد والأسلحة والذخيرة مخزنة أيضاً في هذه المناطق”.

ورد الجيش التركي، ثاني أكبر قوة مقاتلة في حلف شمال الأطلسي، بالتوغل على نحو أعمق في شمال العراق، ولقيت العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني دعماً قوياً من معظم الأتراك.

وتملك تركيا الآن نحو 80 نقطة عسكرية في العراق شيدت ما لا يقل عن 50 منها في العامين الماضيين.

وقالت وزارة الدفاع في الشهر الماضي إن القوات التركية “حيدت” نحو 39 ألفاً من المقاتلين منذ 2015، مستخدمة المصطلح الذي يعني عادة القتل.

وذكرت الوزارة في بيانها لـ”رويترز” أنه خلال الفترة نفسها قتل 1602 من قوات الأمن التركية في هجمات أو اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني وحلفائه.

وأضاف البيان أن في إطار عملية المخلب-القفل “تم تطهير الكهوف والمخابئ التي استخدمها الحزب لأعوام واحداً تلو الآخر”.

وقال إنه جرىت مصادرة أكثر من 2900 سلاح و1.3 مليون قطعة من الذخيرة ورصد وتدمير 4500 عبوة ناسفة.

ضربة بطائرة مسيرة

قبل نحو 24 ساعة من الهجوم على المركز الطبي في سكينيا في 2021، قصفت طائرة مسيرة تركية سيارة في بلدة سنجار المجاورة، وقالت ستة مصادر محلية إن الضربة أسفرت عن مقتل راكبي السيارة الاثنين سعيد حسن وعيسى خديدة، وهما قياديان في وحدات مقاومة سنجار.

ونشرت صحيفة صباح التركية المؤيدة للحكومة تقريراً عن الضربة، وقالت إن الجيش التركي استخدم مسيرة من طراز بيرقدار تي. بي2 في تنفيذها.

وقالت ثلاثة مصادر محلية لـ”رويترز” إن أحد المقاتلين أصيب ونقل إلى المركز الطبي في سكينيا في الساعات الأولى من الـ17 من أغسطس، وأضافت المصادر أن الضربات الجوية استهدفت المركز بعد فترة وجيزة من نقله إليه.

وكان المشهد في المركز الطبي فوضوياً بعد الهجوم، وأظهر مقطع صوره صحافي محلي صناديق أدوية وصور أشعة سينية متناثرة على الأرض. وكان الناس ينوحون وصفارات سيارات الإسعاف تدوي. وهرول المنقذون ذهاباً وإياباً، وحمل أربعة منهم جثة ملفوفة في بطانية ونقلوها بحرص إلى سيارة إسعاف. ووقف الناس يشاهدون ما يجري بجوار أحد الجدران القليلة الباقية من المركز الطبي حمل شعار الهلال الأحمر، مما يؤكد أن المبنى منشأة طبية.

وقال عدد من السكان المحليين والمسؤولين في الحكومة المحلية ومسؤولي الأمن والإدارة المحلية إن المنشأة كانت تحمل بوضوح ما يشير إلى أنها مركز طبي وأنها كانت تعمل في وقت الهجوم.

وكان المركز الطبي هو المنشأة الطبية الوحيدة في المنطقة، وكان يعمل به ما لا يقل عن 11 فرداً من الطاقم الطبي وغيرهم من الموظفين، وكان يضم معملاً وجهازاً للأشعة السينية وتجهيزات لإجراء جراحات بسيطة، وكان مدرسة في الأساس ثم حول إلى مركز طبي تديره السلطات المحلية ذاتية الحكم في سنجار.

ويوفر المركز رعاية طبية لمقاتلي وحدات مقاومة سنجار والجيش العراقي والمدنيين.

وقال سعدو وثلاثة شهود آخرين إن الطائرات المسيرة كانت تحوم في المنطقة في وقت الهجوم، وقال شاهد آخر إنه رأى طائرات مقاتلة، وذكر الخمسة أن المركز الطبي تعرض للقصف بثلاث ضربات في الأقل تفصل بين كل منها والأخرى نحو ثلاث دقائق.

وقال ويم زوينبرج خبير الطائرات المسيرة إن من المستبعد أن يكون المركز الطبي تعرض للقصف عن طريق الخطأ، لا سيما في ضوء القدرات المعلنة للطائرة التركية المسيرة بيرقدار تي. بي2 التي تستخدم غالباً في العراق.

وأضاف أن هذه الطائرة المسيرة مجهزة بكاميرات متطورة عالية الدقة أو أجهزة استشعار بصرية قادرة على التقاط تفاصيل معقدة، مما يتيح للمشغلين مراقبة الهدف لفترة طويلة من الوقت قبل شن الهجوم.

وعرضت “رويترز” على زوينبرج المقطع الذي يظهر شعار الهلال الأحمر على جدار المركز الطبي، وقال إن من وجهة نظره كان يتعين على مشغل الطائرة المسيرة أن يتمكن من رؤية الشعار.

وقال سعدو إنه وعائلته كانوا يأملون في العيش بسلام في سنجار، وقبل عقد من الزمن فرت عائلة سعدو من منزلها عندما بدأ مقاتلو “داعش” في قتل وخطف اليزيديين واتهامهم بالكفر، وقضت العائلة أعواماً في مخيمات للنازحين قبل أن تستقر في قرية قرب سكينيا في 2018.

وقال سعدو “كنا بصدد إعادة بناء حياتنا، حتى قتل أبي في هذا الهجوم، ومن هذه اللحظة أصبحت الحياة كابوساً”.

وقال سعدو إنه دفع لمهربين 5500 دولار لمساعدته في بلوغ أوروبا، وهو موجود الآن في مخيم للاجئين في اليونان مع عشرات اليزيديين.

“خامرني شعور سيئ”

وصلت الضربات الجوية التركية محافظة السليمانية العراقية أيضاً على الحدود مع إيران.

وبينما كانت شلير نامق، وهي امرأة كردية، تعد طعام الفطور في منزلها بقرية توتا قال في مايو (أيار) العام الماضي، سمعت دوياً. وظنت في بادئ الأمر أنه صادر من الفرن الساخن إذ كانت تخبز الخبز، لكن بعدها تلقى زوجها أرام كاكاخان رئيس بلدية القرية اتصالاً من راعي أغنام كان يرعى حيواناته على مقربة، كان هناك هجوم بطائرة مسيرة.

وقاد كاكاخان سيارته إلى المكان الذي يبعد نحو خمسة كيلومترات من القرية وبرفقته ابن عمه إسماعيل إبراهيم، وهناك وجدا ثلاثة مصابين من مقاتلي حزب العمال الكردستاني بدا أحدهم في الأقل على قيد الحياة. وتعاونا لنقل المقاتلين إلى سيارة إسماعيل وتحركا بالسيارة لنحو كيلومترين باتجاه أقرب مركز طبي عندما تعرضت السيارة لقصف ثان بطائرة مسيرة، وقالت نامق وأقارب آخرون ومسؤولون أمنيون أكراد إنه لم يكن هناك ناجون.

وذكر مسؤول أمني أن حزب العمال الكردستاني له قاعدة في المنطقة، وأضاف أن إبراهيم وكاكاخان قدما الدعم لحزب العمال الكردستاني من خلال إعارة سياراتهما وتوفير الغذاء وتنظيم الخدمات اللوجيستية، لكنهما لم يكونا من المقاتلين، ونفت عائلاتهما أن تكون للرجلين صلة بحزب العمال الكردستاني.

وفي أنحاء شمال العراق يقول السكان المحليون إنهم عاجزون عن منع الجماعات المسلحة من التمركز في قراهم ومناطقهم، ويخشون أن يؤدي رفض طلبات المساعدة التي تقدمها الجماعات المسلحة إلى تعريض حياتهم للخطر.

وفي الـ15 من يونيو (حزيران) زارت نامق قبر زوجها الموجود على جرف مطل على الوادي والجبال برفقة ابنتيها الشابتين.

وقال المرأة التي تبلغ من العمر (44 سنة) إن الطائرات المسيرة كانت تحوم في السماء عندما غادر كاكاخان المنزل، وأضافت مسترجعة تلك اللحظات “خامرني شعور سيئ وطلبت منه ألا يذهب”.

وقال ثلاثة قرويين إنهم سمعوا أزيز الطائرات المسيرة فوق المنطقة قبل وبعد الهجوم على سيارة كاكاخان، ولم ترد تركيا على طلب للتعقيب على هذه الحادثة.

وفي اليوم الذي دفنت فيه زوجها، انتقلت نامق إلى مدينة جمجمال العراقية على بعد نحو 40 كيلومتراً خوفاً على سلامة أسرتها، وهذه هي ثالث مرة تضطر فيها إلى النزوح، وكانت أول مرة في 1988 بعد أن أمر الرئيس العراقي حينئذ صدام حسين بشن هجوم كيماوي على الأكراد، وفقدت نامق كثيراً من أفراد أسرتها في هذا الهجوم، لكنها قالت إن نزوحها الأخير كان الأصعب و”دمر حياتي”.

وغادر معظم السكان توتا قال بعد الهجوم الذي أودى بحياة زوج نامق، مما حولها إلى واحدة من نحو 800 قرية خلت على عروشها بسبب النزاع منذ 2015 وفقاً لمسؤول من حكومة إقليم كردستان العراق.

ومن الصعب معرفة عدد الذين قضوا نحبهم في الصراع، ووفقاً لتحليل مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، فإن أكثر من 500 مدني وقرابة 2600 من أعضاء حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية والجماعات المتحالفة معهما قتلوا في ضربات جوية تركية في المناطق ذات الغالبية الكردية في العراق وسوريا بين مطلع 2016 والنصف الأول من 2023، ولا يشمل هذا الوفيات الناتجة من الاشتباكات ونيران المدفعية وإطلاق النار وغيرها من أشكال العنف.

وقال المشروع إن يتعين النظر إلى أعداد الوفيات على نحو تقديري، وأضاف أنه غالباً ما يفتقر إعلان أعداد قتلى النزاعات إلى الدقة، وقد يكون لدى أطراف مختلفة مصلحة في المبالغة في تقدير الأرقام أو التقليل منها، وكثيراً ما تصعب أخطار مناطق الحرب من الناحية اللوجيستية جمع بيانات دقيقة.

وحللت “رويترز” أيضاً بيانات جماعات مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة تناصر السلام. وتظهر بيانات مجموعة الأزمات أن النزاع في العراق أودى بحياة 177 فرداً من قوات الأمن التركية و1293 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني و101 مدني بين يوليو تموز 2015 ونهاية يونيو (حزيران) 2023، ولا تجمع مجموعة الأزمات أعداد القتلى من سوريا.

وتدرج المجموعة القتلى الذين يجري التعرف على أسمائهم فحسب، وتستند إلى تقارير من مجموعات حقوق الإنسان المحلية ووسائل الإعلام الصادرة باللغة التركية والمنافذ الإعلامية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني والإعلانات الرسمية للقوات المسلحة التركية.

ووفقاً لتقديرات مجموعة ثالثة، هي منظمة بيسميكر تيمز التي تتخذ من شيكاغو مقراً وتوثق تداعيات النزاعات في شمال العراق على المدنيين، فإن ما لا يقل عن 148 مدنياً قتلوا و221 أصيبوا في العمليات التركية في العراق منذ 2015. ووفقاً لتقديراتها أيضاً فإن نحو 444800 فدان من الأراضي الزراعية احترقت بين 2007 و2018 بسبب العمليات العسكرية التركية في العراق.

رحلة برية

تجملت ريام زياد (17 سنة) بمساحيق التجميل واستعدت للانطلاق مع والدها في رحلة برية إلى إيران في صباح أحد أيام مطلع أغسطس، كانت أنهت للتو امتحانات الثانوية العامة في مدينة الموصل بشمال العراق وتطمح للالتحاق بالجامعة، وقال أقاربها إن هذه الرحلة مع والدها، ناظر المدرسة، كانت استراحة تستحقها بجدارة.

وعلى طريق رئيس يبعد نحو 10 كيلومترات من الحدود الإيرانية، تعرضت سيارتهما لقصف بطائرة مسيرة، مما أدوى بحياة جميع ركابها على الفور، وهم ريام ووالدها زياد خضر وصديقه حسن كشمولا الذي كان يعمل مهندساً للاتصالات.

وقالت الأسرة إن ريام ووالدها عادا في اليوم التالي إلى المنزل في كيس واحد لحفظ الجثث، وكان سبب الوفاة المذكور في شهادتي الوفاة اللتين اطلعت عليهما “رويترز” هو “حروق بنسبة 100 في المئة جراء انفجار كبير”.

ولم يكن من الممكن التعرف على رفاتهما عندما شوهدا في المسجد المحلي.

وقال مصطفى أنور، ابن شقيق خضر “لم تعد هناك أي ملامح، كان الرأس متفحماً والأرجل والذراعين. تمكنا من فصل الجثتين، وكان جسد عمي أكبر من جسد ابنته. حملناهما وكفنناهما، ثم دفناهما”.

وقال جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان في بيان بعد الهجوم بفترة وجيزة إن طائرة مسيرة تركية استهدفت السيارة، وأضاف أن السيارة تابعة لحزب العمال الكردستاني وأن أحد الركاب كان عضواً كبيراً في الحزب، لكنه لم يذكر أيهم.

وفي الصباح التالي كتبت وزارة الدفاع التركية في منشور على موقع “إكس” إن قواتها “حيدت ثلاثة من إرهابيي حزب العمال الكردستاني” في شمال العراق.

ونفت عائلتا خضر وكشمولا، وهما عربيان عراقيان من الموصل، أن يكون لهما أي انتماء لحزب العمال الكردستاني. وقال مسؤول أمني في المنطقة التي وقع فيها الهجوم أيضاً إن القتلى كانوا مدنيين، وليس لهم أي انتماء لحزب العمال الكردستاني، وتحدث المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته.

وقالت نضال محمود، أرملة خضر، وهي تجلس في غرفة مليئة بالمعزين، إن زوجها وصديقه كانا في طريقهما إلى إيران لاصطحاب ابنتيها الكبيرتين، وهما طالبتي طب كانتا عائدتين للمنزل.

وأضافت “الناس يموتون. لماذا تقصفنا تركيا؟ يقولون حزب العمال الكردستاني لكن لا علاقة لهم بحزب العمال الكردستاني”، وقالت إن زوجها “لم يكن ينتمي إلى أي حزب، وكان مدرساً ومدير مدرسة. وكان يهتم بشؤونه الخاصة”.

وكانت نضال تحمل صورة ريام وشهادتها المدرسية وقميصاً وثوباً، وقالت “هذا ما بقي من ابنتي. كانت تريد أن تصبح مهندسة بترول لتحسين مستوى معيشة والدها”.

استسلام

يقول بعض الدبلوماسيين والمحللين الغربيين إن حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي وأوروبا مترددون في انتقاد أنقرة لأسباب عدة، فتركيا طرف قوي في حلف شمال الأطلسي، كما تبين خلال العام الماضي عندما امتنعت عن دعم مساعي السويد إلى الانضمام إلى الحلف، بعد أن اتهمت السويد بإيواء أنصار حزب العمال الكردستاني. ووافقت تركيا في يوليو (تموز)، لكن البرلمان التركي لم يصدق بعد على الأمر.

وفي الوقت نفسه يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى تركيا للمساعدة في الحد من أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى القارة، ويمكن لتركيا أن تلعب دوراً رئيساً في أي اتفاق لإنهاء الحرب الأوكرانية، وتحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من موسكو وكييف.

ويعني الوضع السياسي المهلهل في العراق أن لا بغداد ولا حكومة إقليم كردستان يتمتعان بالقوة الكافية للتصدي للوجود التركي.

ويخيم جو من الاستسلام للغارات التركية على السلطات في شمال العراق، ونادراً ما يجري المسؤولون العراقيون تحقيقات في الهجمات، ونادراً ما يحصل الضحايا على أي تعويض.

وقال مصدر في الحكومة الاتحادية “نحن نعرف من ينفذ هذه الهجمات، فلماذا نجري تحقيقاً؟”.

وقال مسؤول حكومي عراقي آخر إن تركيا لا تنسق مع العراق قبل تنفيذ هجمات على الأراضي العراقية، وأضاف المسؤول أن بغداد ليس لها أي تأثير أو نفوذ على حزب العمال الكردستاني. وحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جديدة، ولا يشكل التصدي للضربات عبر الحدود أولوية لها.

وتابع المسؤول “من الناحية العملية، لا يمكن فعل كثير، وهم (تركيا) يستغلون الوضع”.

وذكر متحدث باسم الحكومة العراقية في بيان “نبذل جهوداً دولية مع أصدقائنا لمنع هذه الانتهاكات للسيادة العراقية، وفي الواقع تقوض هذه الانتهاكات العسكرية الأمن الإقليمي والدولي ولا تخدم مصالح العراق أو تركيا”.

وأضاف “حكومتنا بدأت بوضع خطة لحماية الحدود العراقية، مثل نشر الآلاف من حرس الحدود وتشكيل لجان أمنية مشتركة تعمل مع الجانب التركي”، وأشار المتحدث إلى أن الدستور العراقي يحظر على الجماعات المسلحة استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات على الدول المجاورة.

وحكومة إقليم كردستان العراق قليلة الحيلة، ويهيمن عليها حزبان متحالفان مع عشيرتين متنافستين: الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة عشيرة الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة عشيرة برزاني، ونتيجة لذلك توجد إدارتان فعلياً داخل إقليم كردستان.

وقال قوباد الطالباني نائب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان “الحقيقة هي أنه ليس هناك ما يمكننا القيام به على الإطلاق، الجميع ينتهك سيادة العراق ووحدة أراضيه”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى