قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن زيارة بشار الأسد إلى الصين تشكل نجاحاً دبلوماسياً جديداً لرئيس النظام السوري، الذي تم حظره من قبل المجتمع الدولي بسبب قمعه الدموي لانتفاضة مارس/آذار عام 2011 والفظائع التي ارتكبها خلال الحرب الأهلية، والذي يسعى إلى تعزيز شرعيته على الساحة الدولية.
وصل رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين أمس الخميس، في زيارة تستغرق خمسة أيام، واستقبله الرئيس شي جين بينغ يوم الجمعة. وأعلن الزعيمان عن إقامة “شراكة إستراتيجية” بين البلدين. وقال الرئيس الصيني: “في مواجهة الوضع الدولي المليء بعدم الاستقرار وعدم اليقين، فإن الصين مستعدة لمواصلة العمل مع سوريا، لدعم بعضنا بعضا، وتعزيز التعاون الودي، ودعم العدالة والإنصاف الدوليين بشكل مشترك”.
وجاء في البيان المشترك أن “الجانب الصيني سيواصل تقديم كل المساعدة الممكنة لسوريا ودعم جهود إعادة الإعمار والتعافي السورية”. من جانبه، أكد “الدكتاتور السوري” أن “هذه الزيارة مهمة للغاية بحكم توقيتها وظروفها، لأن عالم متعدد الأقطاب يتشكل اليوم، وهو ما سيعيد التوازن والاستقرار الدولي”، تشير “لوموند”.
وأضافت “لوموند” القول إن إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية في شهر مايو/أيار، والتي روجت لها المملكة العربية السعودية، بمثابة البادرة الأولى لصالح إعادة تأهيلها. ومن خلال قدومه إلى الصين للقاء الرئيس شي جين بينغ، بعد تسعة عشر عاماً من زيارته الأولى كرئيس دولة شاب، حصل بشار الأسد على دعم القوة العالمية الثانية، التي تهدف إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن يحضر بشار الأسد حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية التي تنظمها الصين اليوم السبت في هانغتشو، هذه المدينة الواقعة في الجنوب الشرقي والتي تضم بشكل خاص المقر الرئيسي لشركة علي بابا الرقمية. وبالإضافة إلى شي جين بينغ وبشار الأسد، سيكون زعماء ست دول (كمبوديا وكوريا الجنوبية والكويت وماليزيا ونيبال وتيمور الشرقية) حاضرين أيضًا. وفي هذه المناسبة، سيترأس شي مأدبة عشاء من شأنها أن تساعد في إخراج سوريا من عزلتها الدبلوماسية.
ووصل بشار الأسد إلى الصين على متن طائرة تابعة لشركة طيران الصين برفقة زوجته. وفي يوم الجمعة، زار الزوجان معبدًا بوذيًا، حيث رحب بهم السياح ترحيبًا حارًا، وفقًا للدعاية.
لكن بالنسبة إلى رئيس النظام السوري، فإن مسألة هذه الزيارة هي قبل كل شيء اقتصادية. إذ يسعى “الديكتاتور” إلى الحصول على استثمارات لتمويل إعادة إعمار سوريا، التي مزقتها اثني عشر عامًا من الحرب، وتواجه اليوم أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، ما يؤدي إلى تأجيج موجة جديدة من التظاهرات في جنوب البلاد، تتابع “لوموند”.
وبينما ترفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تطبيع علاقاتهما مع نظام دمشق، وتمويل إعادة إعمار سوريا، من دون حل سياسي يتم التفاوض عليه مع المعارضة تحت إشراف الأمم المتحدة، فإن الصين تطرح كبديل.
ومن دون تقديم الدعم العسكري، على عكس روسيا وإيران اللتين ساعدتا الأسد على استعادة السيطرة على أغلبية أراضي سوريا، حافظت بكين على علاقات دبلوماسية مع دمشق خلال الحرب. وفي ثماني مناسبات على الأقل، استخدمت الصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنع قرارات ضد سوريا، بما في ذلك فرض العقوبات على استخدام الأسلحة الكيميائية. ولطالما دانت بكين الثورات الشعبية التي حدثت كجزء من “الربيع العربي”، توضح “لوموند”.
وفي مواجهة الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ترى الصين فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة والظهور كبديل. وهكذا سهلت بكين إبرام اتفاق انفراج بين السعودية وإيران في مارس/آذار الماضي، والذي شاركت في التوقيع عليه. وفي شهر يونيو/حزيران، في أثناء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بكين، اقترح شي جين بينغ تنظيم مؤتمر دولي للسلام بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويعتزم تقديم العرض نفسه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الزيارة المقررة نهاية العام.
ويمكن لبكين أن تلعب دوراً رئيسياً في إعادة إعمار سوريا، بما يقدر بعشرات المليارات من الدولارات. ومن هذا المنطلق، انضمت دمشق عام 2022 إلى مبادرة “طرق الحرير الجديدة”، التي تستثمر بكين من خلالها في البنية التحتية في عدة قارات لربط الصين ببقية العالم. وسوريا دولة صغيرة منتجة للمواد الهيدروكربونية، وتوجد فيها الشركات الصينية منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وإذا كانت العقوبات الدولية وكذلك الوضع المالي للبلاد، على المدى القصير، تمنع الاستثمارات الضخمة من الصين، فإن ميناء اللاذقية السوري يوفر لسوريا إمكان الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى تمتع سوريا بموقع إستراتيجي بين العراق (الذي تحصل منه الصين على ما يقرب من 10% من احتياجاتها من الهيدروكربونات) وتركيا (محطة العديد من الممرات التي تربط آسيا بأوروبا).
وأكدت “لوموند” أن دمشق تتلاعب بفكرة تقليص اعتمادها على الدولار عبر استبداله باليوان في معاملاتها، وجذب الاستثمارات عبر الالتفاف على العقوبات الغربية التي تحد من معاملاتها المالية. وهي مرشحة لعضوية مجموعة البريكس وكذلك منظمة شنغهاي للتعاون.
وزيارة بشار الأسد للصين هي أيضاً وسيلة لبكين لبناء “نظام دولي جديد”. ويأتي ذلك في أعقاب الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين في فبراير/شباط، والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في سبتمبر/أيلول، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر/تشرين الأول.
المصدر: “القدس العربي”