![](https://arabiansforum.net/wp-content/uploads/2023/09/ا-1-1-1-780x470.jpg)
عندما كانت أميركا تلعب خلف الأبواب المغلقة وتحيك المؤامرات ضدنا، كنا نمني النفس ان زعمائنا ومن لف لفهم ، لا يعلمون بما يدبر لنا ، وإن كانت السنين تكشف مرة بعد أخرى عن أنهم في الغالب كانوا جزءاً من لعبة كبرى شاركوا فيها لضمان البقاء في مناصبهم . ولكن أمريكا اليوم بقيادة رؤسائها وقادتها اتجهت للعب على المكشوف والمطالبة بثمن حمايتها لأنظمتنا علناً . وتقف ضدنا ومع عدونا الصهيوني على المكشوف ، ويمثل نقل سفارتها للقدس ، والصمت عن اقتحامات الأقصى المتواصلة ، ومحاولة دعم السيطرة على الضفة الغربية ، ثم أخيراً التوقيع على مشروع الخط الحديدي من الهند إلى الخليج ومن ثم إلى إسرائيل ليكون ميناء حيفا بديلاً عن الموانئ العربية في البحر المتوسط ، وما قابلها من غبطة لأنظمة عربية … أمثلة صارخة لاستهتارها بنا . ومع ذلك لازال هناك من يتوهم بأن أمريكا ممكن أن تقف معنا او إلى جانب قضيتنا ، ويلقي بكل رهاناته عليها . وهناك من لازال يتوهم أنها ستقف إلى جانب مطالبنا بالحرية والتغيير الديمقراطي ، وبأنها يمكن أن تدعم حركات التغيير في بلدنا أو في أي بلد عربي ، وحتى انتفاضة السويداء هناك من بدأ يروج اليوم استناداً إلى الاتصالات الأمريكية مع بعض شيوخ العقل بأنها داعمة للانتفاضة ومؤيدة لمسارها ، وكأن ذاكرة شعبنا أصابها العطب ولم تعد تذكر تصريح رئيس أكبر دولة في العالم الرئيس أوباما حين أعلن ” بأن أيام الرئيس السوري معدودة ” وفعلا كر العد لسنوات تجاوزت الإثني عشر عاماً . وهناك من أصبح لديه انحراف في البصر والبصيرة حينما يظن أن إعلان أمريكا محاربة إيران هو لخدمة قضيتنا ، وحبا بسواد عيوننا . بل إنهم انسجاما مع التوجه الأمريكي المعلن في محاربة ايران والتسويق لاحتمال إعلان الحرب عليها ، وما يكتنف هذا الإعلان من اللعب على التوازنات والتكتيكات والضغط لعقد الصفقات لتمرير اتفاق نووي جديد ولو على حسابنا وضد مصلحتنا اذا لزم الامر ، ووفقا لحسابات خاصة بالمصلحة الامريكية ومصلحة ولايتها الثانية والخمسين ” اسرائيل ” . فان العديد من الدول والقوى العربية أقامت الاحتفالات في عهد ترامب على أنغام الدبكة العربية تأييداً وتثميناً وابتهاجاً وفرحاً بإصرار الرئيس الأمريكي على محاربة ايران ، وكأن ترامب او غيره من الرؤساء يتخذ قراراته بعيداً عن سياسات واستراتيجيات المؤسسات الأمريكية الحاكمة ، وكأن ذلك فرصة تاريخية للانعتاق من احتلالاتنا كلها ، وكسراً لقيود الماضي والحاضر ، وخلاصاً من انفراط عقدنا وتجزئة دولنا .
ولا شك بان مواطني بلدنا يرفضون احتلال بلدهم ، ولا يرغبون أبداً ولم يرغبوا يوماً أن يروا محتلا لبلدهم مهما كانت صفته ومواصفاته ، وطريقة دخوله ونفوذه ، مادام يفرض إرادة وجوده وهيمنته بالقوة على أرضنا .
ولكن هناك من يدفع بتحويل الصراع على سورية من الدول الاقليمية والدولية من صراع وجود مع عدونا الصهيوني التاريخي الى صراع بجذر مذهبي وطائفي ، وتحويل اتجاه الصراع ومحوره إلى صراع آخر جديد ، باستبدال عدو تاريخي قديم بعدو جديد ، ولا مانع من التقرب والتقارب والتطبيع مع العدو الاسرائيلي القديم في سبيل قهر العدو الإيراني الجديد . وبالتالي فإن قيام العدو القديم بطائراته وصواريخه الذكية الأمريكية بضرب قواعد وقوات العدو الجديد على أرضنا وتحويل بلدنا الى ملعب لتصفية حسابات خاصة لغيرنا ، يعد مكسبا وطنيا لنا ، وربما يعتبره البعض عربون صداقة وتحالف ينبغي ترسيخه وتأكيده ودعمه بكل الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الصحفية تمهيداً لفتح قنوات الاتصال والتواصل بعدونا التاريخي علناً بعد أن كان أغلبها يجري من وراء ستار .
حقا إن ما يجري وما يتم التسويق له مؤشر على متاهة وتوهان في الرؤية السياسية العربية لدى أصحاب القرار والقوى المدعومة منهم ، وبعض السياسيين الساذجين . هذا إذا لم نقل خيانة وارتباط وتبعية لأجندات مرسومة لهم ، تتناقض مع وطنية وطن ، ومع مشروع أمة ، أمة مازالت تبحث عن أدوات وطنية لصياغة مرتكزات مشروعها القومي .
فهل تتمكن قوى الأمة وطلائعها الجديدة من إنجاز مشروعها القومي النهضوي من أجل أن يكون لأمتنا بين الأمم حضوراً ودوراً وبصمة في صناعة التاريخ الإنساني من جديد ، أم أنه حلم أو مجرد حلم ، والأحلام لا تتحقق بالنوايا الحالمة لوحدها ، ولا تصنع نهوضاً ، ولا إرادة فعل وتغيير .