عن دار موزاييك في اسطنبول صدرت رواية ظل بين ورقتين للكاتبة رندة عوض. وهي العمل الأول الذي اقرؤه لها .
الرواية مكتوبة على لسان الراوية وهي تتابع حياة ستيلا وابنتاها سارة و نارة. هم قادمين من السعودية الى مركز لجوء في هولندا. حيث توثق الرواية ما عاشوه و عانوه طيلة ثلاث سنوات في مراكز لجوء متعددة موزعة في عدة مدن هولندية…
ستيلا امرأة فلسطينية سورية وهذا يعني أن جدّها وعائلته الفلسطينية كانوا قد هربوا من فلسطين التي احتلتها قوات الصهاينة في عام ١٩٤٨م. حفاظا على حياتهم من بطش ومذابح الصهاينة الذين أعلنوا دولتهم على جزء من فلسطين. وكانت وجهة لجوئهم سوريا حيث استقروا في مخيمات متعددة منها مخيم خان الشيح بريف دمشق ، حيث استقر جدّها. ومثله مخيمي فلسطين واليرموك في أطراف دمشق وغيرهم كثير في سوريا كلها…
من يومها أخذت ومنذ ولادتها صفة الفلسطينية السورية. فلا هي اخذت الجنسية السورية ولا تملك أوراق لجنسيتها الفلسطينية الاصلية… فهي ومن مثلها تحمل وثيقة تعريف بأنها فلسطينية مستقرة في سوريا…
المهم ولدت و عاشت ستيلا في ريف دمشق وانتمت نفسيا ووجدانيا للمكان وأهله. تزوجت وأنجبت طفلتين سارة ونارة. وعاشت في السعودية مع زوجها لسنوات طويلة…
ستيلا تمتلك موهبة الكتابة وهي مثقفة ، تكتب عن كل ماحولها. بعين الناقد ، كما انها تكتب القصة والشعر…
عندما حدث الربيع السوري في ربيع عام ٢٠١١م. وهي مازالت مع زوجها في السعودية، تابعت الأحداث بشغف لعل الشعب ينتصر ويسقط الاستبداد ويبني دولة الديمقراطية والعدالة والحرية و يعيد الكرامة للناس…
تابعت ستيلا ما يحصل في سوريا وكيف استعمل النظام السوري المستبد المجرم جميع انواع الاسلحة ضد الشعب السوري في كل سوريا وكان نصيب أهل الغوطة القتل والاعتقال والتهجير والكيماوي وتدمير البلدات كما كل سوريا ايضا…
لقد خاضت ستيلا معركتها مع النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكان لها حضورها وتأثيرها فيه. مما دفع النظام وجيشه الالكتروني ان يهددها، لذلك قدمت طلبا للجوء إلى اوروبا هربا من بطش النظام ويده الطويلة حتى وهي في السعودية…
حصلت ستيلا وابنتيها على حق اللجوء. وكان زوجها قد سبقها الى السويد. لكنها وصلت هي وابنتيها الى هولندا في عام ٢٠١٧م…
الرواية توثق ماعاشته ستيلا وابنتيها في هولندا لمدة ثلاث سنوات في مراكز اللجوء حتى حصولهم على الإقامة…
وصلوا الى احدى المدن الهولندية حيث نقلتهم السلطات المختصة إلى أحد مراكز اللجوء. لقد جاؤوا على أنهم عابرين الى السويد وجهتهم النهائية، لكن السلطات هناك جعلتهم يبصمون عندها بصفتهم لاجئين فيها. حيث تستفيد تلك الدول من منح المساعدات الأوربية على من يصلون إليها ويستقرون بها من اللاجئين. وحتى لو عادوا الى غير دولة فإنهم يعيدونهم إلى تلك الدولة بموجب البصمة التي أخذت في أول دولة وضعوا فيها رحالهم. وهذا ما حصل مع ستيلا وابنتيها…
تواصل معها زوجها منذ وصولهم الى هولندا وطلب منها أن تستعد للسفر الى السويد وهو قد أنجز المطلوب من تذاكر وواسطة نقل إلى المطار وغيره. لكنها لم تستجب لطلب زوجها. وبناتها اصغر من ان يكنّ قادرات على تحدي إرادة امّهم. رغم تعلقهم الشديد بوالدهم. لم نفهم حقيقة هذا التصرف من الزوجة التي لم تسعى لتجاوز هذا البعد والافتراق عن الزوج الذي لم يعد يذكر مع مضي سنوات اللجوء في هولندا وكأنه لم يكن موجودا…؟!!.
المهم بدأت معاناة اللجوء منذ اللحظة الاولى لنقلهم الى اول مركز لجوء وما تلاه بعد ذلك. تقديم الأوراق الثبوتية لأكثر من مرة وكذلك البصمات التي كانت متآكلة في أصابع ستيلا . و سرد حكايتها بالتفصيل لأكثر من مرة ليتأكدوا من صدقها إن كانت مبتدعة أم حقيقية.
أجواء مراكز اللجوء. أولها الموظفون والمسؤولون الأمنيون لقد كان أغلبهم ذي مواقف عنصرية مسبقة. لا يتعاطفون مع اللاجئين و يتصرفون بعدوانية. ويتخفون وراء القانون واللوائح، وقد يصلوا إلى درجة منع التحدث أو المناقشة أو التفسير. ودائما يهددونهم بعدم قبول طلبات اللجوء التي يقدمونها. وأنهم مستعدون ان يعيدوهم الى بلدانهم الأصلية أو البلدان التي أتوا منها. كان ذلك جحيما بالنسبة لستيلا وابنتاها.
هذا غير اكتظاظ مراكز اللجوء بكثير من السوريين والأفغان والعراقيين و من الصومال وحتى الاسبان ؟! هذا غير سوء الخدمات في الملاجئ وسوء تصرف الكثير من اللاجئين الفوضوية والغير مسؤولة…
قدمت ستيلا نفسها على أنها كاتبة وشاعرة وأنها صاحبة رأي وحضور ، هذا انعكس عليها سلبا وايجابا. السلطات هنا تريد الناس صامتين خاضعين أذلاء. وهي ليست كذلك. والناس في مراكز اللجوء وجدوها نقطة ضوء يهتدون بها ويجعلونها أمامهم ويستعينون بها في مواجهة مستجداتهم…
العلاقة بين اللاجئين القادمين من بلاد مختلفة أغلبها جيدة وتضامنية. فيها الهارب لأسباب سياسية مثل ستيلا وعائلتها. وذلك العراقي ايضا. وتلك العائلة الصومالية. وغيرهم كثير. وذلك السوري الذي هرب ليعيش مثليته بحرية حيث كان منتهك الكرامة في مجتمعاتنا العربية. هناك بلاد الحرية الشخصية. ؟!!…
لم تستقر حالة ستيلا وبناتها عبر ثلاث سنوات. لقد تأخر اتخاذ قرار بحقها بسبب بصمتها المتآكلة على اصبعها. وبسبب ثقافتها ومعرفتها ومحاججتها للمحققين معها. لكن تواجد من تبناها بدء من محاميها الذي استمر داعما لها يوجهها ويحمي مصالحها حتى حصلت على الإقامة هي وبناتها بعد ثلاث سنوات…
لقد استطاعت ان تعلن حضورها المتميز في آخر مركز لجوء وصلت إليه. لقد كانت تواجه نفسها وتتحداها وتطالبها بالصمود وان تستمر في حربها لتحصل على حق اللجوء. اخذت من الشجرة التي تجاور سكناها رمزا للصمود وعدم الاستسلام. وعندما كانت تقترب من الانهيار كانت تكتب لنفسها رسائل وتعيد قراءتها لذاتها على أنها رسائل دعم وتشجيع. لقد بدأت تحضر بصفتها كاتبة وقاصة وشاعرة داخل مركز اللجوء وخارجه في المجتمع الهولندي أيضا. بدأت تكسب ودا واحتراما و تعاطفا. وصل الى كثير من الهولنديين. لقد تعرفت على الاسباني زميلها في مركز اللجوء العازف على البيانو وشجعها لتقرأ اشعارها وقصصها على أنغام البيانو في تجمعات المركز بشكل دوري، حضر بعض الهولنديين وهذا زاد من شعبيتها بدأت تظهر على التلفزيون وفي الصحف. وتوسعت دائرة صداقاتها الهولندية ومنهم تلك الممثلة الثمانينية المشهورة التي سكنت عندهم في المركز أسبوع وحيث تبادلت مع ابنتيها السكن عند الممثلة لأسبوع ايضا. وهكذا أصبحت حاضرة في وجدان الهولنديين. كذلك تعرف عليها أحد المخرجين وتبنى قضيتها…
كان ملف لجوئها كبيرا شهرتها كانت سلاح ذو حدين. البعض قال لها قد يرفضون قبولك لانك تخرقين مجتمعا له أعرافه وأصوله وعنصريته المصونة. والبعض قال بل ستحصلين على الاقامة لانك متميزة ولك من يدافع عنك ويدعم حقك باللجوء من شخصيات نافذة هولندية…
كانت تنتظر على احر من الجمر…
بناتها لم يتكيفون بسهولة مع ما عشنه. اولا الانفصال عن صديقاتهن التي كنّ يتعايشنّ معهنّ في السعودية. ثم معاناة الانفصال القسري عن الوالد. الكبيرة سارة بدأت تدخل سن المراهقة. كانت المتغيرات التي عاشتها اكبر من تحملها. انعزلت لفترة ثم تناولت ادوية كثيرة في محاولة انتحار اُنقذت منها. بعد ذلك بدأت تتكيف وتدخل عالم التجمل وإظهار الذات وخلق الحضور والبحث عن حب تحتاجه النفس والروح . الصغيرة ناره كانت متكيفة مع الجو المحيط بها في اي مركز لجوء وصلوا له. كونت صداقات كثيرة واستمرت متابعة بعضها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد بعدها عنهم في مراكز لجوء جديدة… مع متابعة قضية اللجوء دخلت الفتيات في مدارس لتعليم اللغة وغيرها. وهنا استقر بهم الحال فقد وجدن لهنّ هدفا ومسؤولية ومتابعة. مما أراح ستيلا من عناء متابعة الدعم النفسي لبناتها حيث يستطعن شق طريقهم الصعب في لجوء قسري لا يرحم…
كانت معركة ستيلا الأساسية مع الأنظمة والقوانين ومع من يستلم ملفها. اعتقدت ان بعضهم عنصري وله مواقف مسبقة وقد يرفضون لجوئها وابنتيها. استعانت بكونها فلسطينية ولا أوراق ثبوتية لها بالانتماء إلى وطن. وان عدم قبولها في اللجوء يعني أن تعاد للسعودية ولن ينجحوا بذلك فهي ليست سعودية. اما إعادتها لسورية يعني أنها اعيدت للسجن وقد تُقتل هناك. اما فلسطين. فأين فلسطين تلك ؟!!…
استعانت على مواجهة محنة تأخر قبول طلب اللجوء عبرعلاقات نافذة مع شخصيات ذات تأثير اجتماعي في هولندا. كذلك كونها استطاعت أن تحضر ويصبح لها تأثير بكتاباتها وشعرها وقصصها وحتى في التمثيل في بعض المسرحيات وأن تكون معروفة ومحبوبة بين الهولنديين أنفسهم…
مما أدى أخيرا أن تُقبل إقامتها وابنتاها في هولندا وان تبدأ رحلة حياة جديدة…
الكتاب الرواية التي نقرؤها كتبت بناء على طلب من جهات هولندية أن توثق رحلة لجوئها وابنتيها الى هولندا…
في التعقيب اقول:
كم هو مؤلم ان تطردنا أوطاننا أو تهدر دمنا او تسجننا. لأننا طالبنا بحقوقنا الانسانية الفطرية الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الافضل.
صحيح ان الكاتبة لم تتوسع حول كونها من أصل فلسطيني . ولكن واقع حال فلسطيني سوريا. انهم خاضعين لكل قوانين السلطة السورية والتزامهم بكل ما يطلب منهم بما فيها الخدمة العسكرية الالزامية. وان النظام السوري تاجر بالقضية الفلسطينية لعقود. وشق صف فدائييها واستخدم بعضهم ضد بعض وضد الشعب السوري في ثورته الأخيرة. ومع ذلك بقي الفلسطيني في سورية منذ سبعة عقود للآن لا يملك حق المواطنة في بلد “القومية العربية” والمقاومة …
وكذلك الحديث عن الدول الأوروبية التي استقبلت بعض طالبي اللجوء من بلادنا ومن العالم. تصدمنا القوانين المجحفة والعنصرية. والتمييز. حتى عدم احترام حقوق الإنسان في بلاد تدعي ذلك…
لقد وجدنا ان ميزان العدالة والانسانية مختل في اوروبا كما في بلادنا ولكن بصورة مختلفة وأقل ظلما . لكنه محكوم بذات القواعد: مصالح الدول اهم من كل اعتبار….والحديث يطول…