وقفة مع وقفة محمد علي صايغ في نقد مسيرة الدكتور جمال الأتاسي

محمد عمر كرداس

بعد قراءتي لوقفة محمد علي صايغ ونقده لمسيرة الدكتور جمال أتاسي السياسية بالأساس ووصفه بشكل مبطن أنه وهو المنادي بالديمقراطية كان يمارس الدكتاتورية في حزبه، إذ بقي على رأس الحزب منذ عام 1966( وهو خظأ) وورود الكثير من المغالطات، لا أعلم أهي عن قصد بقصد تشويه صورته بدافع من البعض الذين نعرفهم جيدًا واتهامه بأنه يمارس بعكس ما يكتب، أم هي عن جهل بتاريخ الحزب كون كاتب المقال لم تتعد ممارسته التنظيمية في الحزب الأشهر أو السنوات في بعض مراتب تنظيم حلب، ليطل علينا أخيرًا كقيادي في الحزب بعد أن أُفرغ الحزب من مضمونه وشكلت قياداته لملمة، بعد أن غاب مؤتمره الشرعي الذي بقي أمينه العام يماطل بانعقاده سنوات طويلة.

أقول بعد قراءتي للمقال( الوقفة) أجد لزامًا عليَّ وأنا من رافق الدكتور جمال لربع قرن أن أصحح ما ورد من مغالطات في هذه (الوقفة) .

لقد كان اهتمام الدكتور مبكرًا في الفكر القومي والعمل القومي حيث ذهب إلى العراق وعمره عشرون عامًا لينضم إلى حركة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز وأزلامهم من حكام العراق، وبعد فشل المحاولة واعتقاله وإعادته إلى سورية وبدء التفتيش عن عمل سياسي نضالي فكان من مؤسسي حزب البعث قبل ذهابه لفرنسا وتخصصه بالطب النفسي، وليس كما ورد أن اهتمامه انعكاس لدراسته. ومن يقرأ بدايات الدكتور في العمل السياسي والفكري يكتشف ذلك.

أما (الصمت موقف) فكانت بعد 100 يوم من ترأسه لتحرير جريدة الجماهير في دمشق بتكليف من جمال عبد الناصر شخصيًا وقد حشد لها ثلة من الصحفيين المتميزين من السوريين والمصرين وكان زميله عبد الكريم زهور من كتابها، وكان من محرريها حمدي قنديل ورجاء النقاش وعبد المعطي حجازي وهم من الصحافيين المتميزين لاحقًا، أما لماذا كان (الصمت موقف) وتوقفت الجريدة، فالمسؤول عن ذلك السراج وأجهزته بدءاً من مضايقات النشر والتوزيع وترويع المحررين وقطع التمويل عن الجريدة فكان هناك استحالة للاستمرار وقد قيم المفكرون والسياسيون الوحدويون العروبيون المقال والموقف بأنه من أقوى وأشجع المواقف بينما يعتبره كاتبنا تخاذلًا وإخلاء الساحة لأعداء الوحدة، إنها كانت إنذارًا مبكرًا وتنبيهًا أن القادم سيكون وبالا على الأمة وهكذا كان فمن المعروف أن الدكتور كان يستشرف المستقبل في ذلك. وكان ذلك في بداية الوحدة وليس عند النهايات كما يورد الكاتب الذي اختلطت عنده التواريخ والأحداث.

أما بعد عام 1970 وعندما قام الأسد بانقلاب على رفاقه في الحزب وزجهم في السجون لربع قرن كان الحزب للتو خارجا من أزمة الاعتقالات التي مارستها مجموعة (جديد) وعقد مؤتمره الخامس الذي كان انتخابيا لترميم وضع المؤسسات وخرج عنه لجنة مركزية من 21 عضوا التي انتخبت بدورها اللجنة التنفيذية المؤلفة من 7 أعضاء وعندما طرح موضوع التعاون مع الحكم وقف عضو واحد ضد التعاون المشروط وهو من شق الحزب وخرج عنه لمدة 20 سنة وقد مهد الدكتور لهذا التعاون بنشرة حزبية لم يعط وعودا ولم يروج لآمال بل قال في النشرة :

” أننا في جبهة 68 كنا ننادي بمشاركة القوى التقدمية للحزب الواحد المتسلط على  الحكم ليتحمل الجميع مسؤولية التصدي للعدوان وهذا التغيير يفتح أمامنا بابا وفرجة قد تحقق ذلك وعند الفشل قد يرتد بنا الوضع إلى الأسوأ”. لقد أسقط حزبنا مقولة اسقاط النظام بالقوة وطرح التغيير الوطني والجبهات العريضة بدل ذلك وعلى المستوى العربي وخاصة الدول المعنية برد العدوان الصهيوني مصر وسورية والأردن وفلسطين، وكان طلب الرئيس جمال عبد الناصر من الدكتور جمال عام 69 في لقائهما في الإسكندرية بطلب من الرئيس أن يتعاون مع النظام من أجل إزالة آثار العدوان وقد عانينا الكثير في النقاشات وفي اللقاءات الحزبية من أجل توضيح الفكرة للقواعد وللجماهير الصديقة.

لم ينقسم الحزب بعد المؤتمر السادس الذي قرر الخروج من الجبهة ولم يكن في المؤتمر إلا صوت فوزي كيالي الذي دافع عن رفضه الخروج بينما زمرته كأنور حماده وغيره أخذوا مسار المصالحة وعندما اتضحت الأمور كانوا في مراكز سلطوية…ومن المعلوم أن الحزب أسقط فوزي كيالي من القيادة في المؤتمر الخامس وعاد بشكل ملتوي كوزير ليحضر المؤتمر السادس وقد تسبب في اعتقال راغب قيطاز وعبد المجيد منجونة في نهاية المؤتمر بعد وشايته لمدير المخابرات العسكرية يومها عدنان دباغ من أنهم يحملون في سيارة الوزارة بيان الخروج من الجبهة وقد صودر البيان والسيارات.

أما العودة الى العمل السري فهل كان متاحًا غيره …أظنك تعلم ماذا حصل لبعض قيادات الحزب كعبد المجيد منجونة ونجيب ددم وغيرهم من أعضاء الحزب وأعضاء النقابات عندما نشطت النقابات متجاوبة مع الحركات الشعبية في بعض المحافظات …ولكننا عندما نضحت الظروف لم يتوان الحزب عن الخروج للعلنية ببيانه بعد المؤتمر الثامن وبقينا نمارسها، وكلامك عن انه يجب الاستمرار بالعلن بعد خروجنا من الجبهة لا أراه إلا (ولا تؤاخذني) مجرد مزاودة، من يداه في الماء ويتنعم على من يداه في النار ويتلظى، وتصحيحا فإن الدكتور جمال أصبح أمينا عاما عندما أصبحت قيادة الحزب كلها في الداخل بعد المؤتمر الرابع والتخلص من زمر دخيلة كالقوميين العرب ومجموعات صغيرة أخرى وقد سعى منذ عام 70 إلى التوجيه لإيجاد البديل ووجه إلى انتخاب أمينًا عامًا مساعدًا ينتخب من المؤتمر وكان المحامي وعضو القيادة المركزية للجبهة المرحوم راغب قيطاز أمينا عاما مساعدا منذ عام 1970 إلى عام 82 عندما تخلى عن  منصبه وحتى التزامه بالحزب بعد مجازر حماه، ثم حاول الدكتور جمال مع الأستاذ يوسف صياصنة عضو اتحاد الكتاب وعضو المجلس المركزي لنقابة المعلمين وعضو مجلس الشعب وقد تولى مقعد الدكتور جمال في التجمع عند تأسيسه وقد رأس تحرير جريدة الحزب وفجأة نراه يعتكف في درعا ويتخلى، وقد  ذهبنا وفدا من الحزب والتجمع للطلب منه العودة فلم يرفض ولم يأت..وأنت ترى الآن وضع الحزب على يد أمينه العام حسن عبد العظيم منذ عام 2000 وكان من المفروض ان تنتهي ولايته عام 2005 بعد ان اتم الحزب انتخاباته بشكل ديمقراطي بعد أخذه بالديمقراطية الكاملة في الانتخابات وتخليه عن المركزية الديمقراطية وبعدد تجاوز 100 مندوب ولكن الأمين العام ماطل وبقي في منصبه لبعد عام 2011 لتهجر الناس ولتحاصر الغوطة  ويستشهد عدد من خيرة قيادات  ومناضلي الحزب وليفبرك مؤتمر من 30 عضوا غالبيتهم ليسو أعضاء منتخبين فلتعش الديمقراطية وتتنعموا بخيراها.

أنصح من يريد أن يتصدى لنقد فكر ومسيرة جمال الأتاسي أن يقرأ مسيرته الحزبية والفكرية قراءة الدارس والباحث ولكم الشكر.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الأخ الاستاذ عمر كرداس المحترم
    لا أعتقد مقالي فيه مزاودة على أحد .. ولأنني أحد المهتمين والمتابعين والمتأثرين بالدكتور جمال الاتاسي .. فلا أحد يمكن يشكك بأن ما كتبته هو للنيل منه أو الاساءة إلية .. هذا الرجل قدم الكثير الكثير للحزب في الفكر والسياسة ، ولا يستطع أحد أن ينكر دوره وحضوره السياسي والحزبي ، ونضاله طوال فترة حياته ..
    المقال يتضمن نقدا لمواقف ، وليس جريمة ان يتناول النقد أية شخصية حتى لو كان عبد الناصر ذاته ، فالجميع معرض للاخطاء والنقد .. ولذلك لا قدسية لأحد ، ولاتأبيد لأحد في اي موقع من المواقع ..
    وأنت يا أخي تنتقد من جاء بعد الدكتور وتمسك بالموقع ولم يعقد مؤتمرا كما تقول ، فكيف مبرر تأبيد الموقع لزيد ولا مبرر ذلك لعمر .. هذا خلط في منهجية تناول النقد ..
    وبكل الاحوال البشر خطاؤون وليس معصومين ، والخطأ مرافق لحياة الانسان وذلك ليس عيبا ولا نقيصة .. بل الذي لا يخطئ ليس من زمرة البشر ..
    أنت ياأخي فهمت ان كتابة المقال بدوافع الإساءة ، ولكن المقال لم يكن أبداً بدافع الاساءة أو النيل من الدكتور جمال ، وهو أكبر بحضوره ونضاله من أن يناله شخص مثلي أو أي شخص ٱخر .. خاصة إذا كان الشخص مثلي يعتبره نموذجا في الفكر والسياسة ..
    ولكن المقال يهدف الى غير ما تخيلت انت .. المقال يهدف من اجل الاستفادة من أخطاءنا في المستقبل ان نعمل مراجعة نقدية ، ومراجعتي للوصول الى النتائج التالية :
    ١- أنه في المواقف السياسية المفصلية لا يجوز أن نتخذ من ” الصمت موقف ” متكأ للهروب من المواجهة ( وهنا لا أعني ابدا ان الدكتور جمال هرب من المواجهة فتاريخه يشهد على إصراره على المواجهة في مراحل حياته ) وأنما كما أعتقد – وهذا اجتهاد – بأنه أخطا بالتقدير .. وبالتالي علينا بالمستقبل ان يكون الاصرار بما نؤمن ونعتقد هو الحافز لمواجهة أي تحول من التحولات أوالمخاطر التي تلم بأمتنا .
    ٢- أنه يجب علينا القطع النهائي مع أي تقارب او تحالف من النظام .. تجربة الجبهة التي اندفع باتجاهها الدكتور جمال ضمن ظروف الزمان والمكان ، تبقى تجربة لا يجوز تكرارها ، وبالتالي يجب القطع من كافة القوى السياسية مع اي اقتراب من النظام، سواء بجبهة أو دعوات النظام للتعامل معه عن طريق ما يسمى حكومة وطنية بالرشوة لبعض الوزارات …
    وبالتالي كانت الجبهة التقدمية كاشف للجميع .. ولا يجوز تكرارها بأي وجه من الوجوه ..
    ٣- ايضا على القوى السياسية القطع النهائي مع إسلوب العمل السري مهما بلغت التضحيات ، والنظام لن يبتعد عن الاعتقال والملاحقات ومحاصرة القوى السياسية سواء في العمل السري او العمل العلني .. وكما قلت في المقال بأن العمل السري عمل مؤامرتي أكثر منه عمل سياسي ، وهو عمل يستنزف الطاقات ويبتعد عل الحواضن الشعبية لأي قوة أو حزب . وبالتالي علينا الاستفادة من أخطاء تجربة العمل السري ..
    ٤- أما عن مسألة امتداد قيادة الدكتور لأكثر من ثلاثين عاما ، فهذه أمر واقع ، لم استجلبه من وحي الخيال .. وفي رأيي مهما كانت الظروف والاحوال ، لا يجوز تأبيد اي شخصية قيادية ولو كانت بحجم الدكتور جمال الاتاسي .. و قفوفي عند هذه الجزئية في النقد من أجل منع اي قيادة من الاستمرار في القيادة مهما بلغت قدراتها ، حفاظا على الديمقراطية والتداولية ، التي نتبناها كما نتبنى الكثير من الافكار نظريا ، ونعمل عل تنفيذ عكسها عمليا …
    اعتقد أن الموقف الذي اتخذته تجاه المقال تبريري وليس تحليلي يقوم على استخلاص ما يهدف إليه المقال.
    أخي عمر النقد ليس كفرا .. والنقد باب من أجل تجاوز ما نقع فيه ..
    وأعتقد أنك لا تعرفني كثيرا عن قرب ، فأنا أتاسياً وملتزما بخطه وفكره ، واسأل عني فإنني من أكثر المؤمنين بالفكر السياسي لجمال الاتاسي .. ولكن ذلك لا يمنع من نقده .. قد تعتبر النقد في زاوية ما غير محق ، وهذا رايك أحترمه ، ولكن يبقى للٱخرين رأيهم .. والرأي لايفسد اتصالنا أو ارتباطنا الفكري والمعرفي بالدكتور جمال ..
    لك تحياتي

    1. السيد محمد على صايغ
      تحية وبعد:
      عود على بدء: في مجال تجهيز البديل للدكتور أظن أن الدكتور عمل كل
      جهده فكان هناك ـأمين عام مساعد منذ المؤتمر الخامس عام 70 الى
      مرحلة خروجنا من الجبهة فكان الأستاذ راغب قيطاز وكان أيضا زميل
      الدكتور في قيادة الجبهة حيث كان لنا ممثلين اثنين وكان في مجلس
      الشعب وكان ينوب عن الدكتور في كثير من المجالات،وقد تخلى عن
      جميع مهامه بعد مجازر حماة وكان بعده يوسف صياصنة عضو مجلس
      الشعب وعضو القيادة وعضو المجلس التنفيذي لنقابة المعلمين ومسؤول
      الحزب الأول في التجمع منذ تأسيسه وقد تخلى أيضا بمحض ارادته وفي
      عام 89 ذهبنا بوفد من الحزب والتجمع لنطلب منه العودة لممارسة
      عمله في الحزب والتجمع ووعد ولكنه لم يأت، بعدها كان الأستاذ حسن
      ألا يكفي هذا ،هذا حسب مؤسسات وهو قام بكل مايلزم فلماذا تصر أن
      الدكتور لم يجهز من يخلفه…لا أعرف واصرارك هذا ماجعلني أتأكد أن
      هناك من أوحى لك بذلك…
      أما في موضوع الجبهة فأنت يجب أن تكون على علم إذا كنت في الحزب
      أن الدكتور كان أشد المنتقدين عما جرى في موضوع الجبهة ولم يتوهم
      يوما أن دخولنا في جبهة مع النظام سيحل مشاكل البلد والحكم ولكنه قال
      انها مغامرة محسوبة وقد فشلنا نتيجة تعنت الحاكم ومناورته وطائفيته
      ولم يقصر الدكتور في أي موقف وكان شجاعا بمايكفي ليخرج من
      الجبهة ويعترض علنا عن ماجرى في موقف لم يجرؤ أحد من
      المعارضين على أخذه وهم كانوا يريدون وهذه أيضا ليست مجال نقد
      بناء في ماقلته وانما تأتي في مجال النيل من مواقفه المشرفة…
      نحن مع النقد ،ولكن النقد الذي تكون غايته التصحيح وتوجيه البوصلة
      وليس الانتقاص من الشخصيات بأقوال وترهات ليست حقيقية
      أرجو أن يكون نقدا موجها للإصلاح وليس للتجريع وتهشيم شخصياتنا
      التاريخية.
      محمد عمر كرداس

زر الذهاب إلى الأعلى