انهيار الليرة السورية.. الأسباب وطرق الوقاية منها في المناطق المحرَّرة

في لقاء خاصّ لإدارة التوجيه المعنوي تحدّث الخبير الاقتصادي الدكتور محمد حاج بكري عن الأسباب المتراكمة التي أدّت إلى هبوط الليرة السورية فقال: “هناك أسباب عديدة ومتراكمة أدت إلى الانهيار الاقتصادي، مثل عدم وجود احتياطي نقدي وتوقّف عملية الإنتاج وعدم القدرة على التصدير وارتفاع الواردات ارتفاعاً جنونياً، وعدم وجود قدرات تشغيلية، والعجز في الميزان التجاري، والاستهلاك على حساب الادّخار والعجز في ميزان المدفوعات والتضخّم وسعر الصرف، وعدم القدرة على زيادة الرواتب والأجور وطباعة عملة بدون رصيد وحتى تزويرها، وتدنّي مستوى دخل الفرد لحدٍّ أدنى من الكفاف ومؤشّر الفقر فنحن أفقر شعب في العالم الآن، والاختلالات الهيكلية والبنيوية المتوارثة في الاقتصاد السوري، والتخبّط في القرارات الاقتصادية، واعتماد مبدأ الجباية والتعفيش وأسواق السّنّة لسدّ النفقات وتغطيتها، والخوف لدى المواطنين -باعتبار أنّ رأس المال يهدف إلى الأمان قبل الربحية- أدّى إلى تهريب الأموال واستبدال العملة المحلية بعملة أكثر استقرار وهي الدولار، واقتراب موعد قانون قيصر وهروب معظم التجّار من الوطن وظهور طبقة تجارية موالية فاسدة انتهازية، وخروج معظم ثروات الوطن عن السيطرة وأهمّها النفطية والحيوانية والزراعية والمائية، والتقارير الدولية بإدانة بشار الأسد ونظامه بجرائم حرب، وقناعة معظم الشعب السوري حتى الموالي بعدم استمرارية بشار الأسد في الحكم وأنّ مصيره قادم في الأجل القريب، وغير ذلك الكثير الذي أدّى إلى فقدان الشعب السوري ثقته بالعملة الوطنية التي في الأصل فقدت ركائز مهمّة منذ بدء حرب الأسد المجنونة على الشعب، ومنها الادّخار والتسعير والتداول فليس هناك ادّخار في المصارف السورية بل العكس تماماً تم سحب الأموال وتهريبها واستبدالها والتسعير يتم على أساس العملة الأجنبية بسبب عدم وجود منتّج محلّي، والتضخّم والتداول فقد المصداقية بالعملة المحلية، وحتى النظام نفسه يبيع البضائع للمناطق المحرّرة بالدولار، ولا ننسَ سرطان الفساد الذي استشرى في المجتمع السوري ليصبح شبه ثقافة على يد هذه العائلة الفاسدة، وأحد العوامل المهمّة التي لعبت دوراً في الانهيار الاقتصادي هي بيع أصول الدولة ورهنها باعتبارها من أهمّ مصادر الدخل إلى إيران وروسيا.

وعن الإجراءات الواجب اتخاذها في الشمال المحرّر لتخفيف أثر الأزمة في المناطق المحرّرة.. وضّح الدكتور حاج بكري قائلاً: “أصبح من المعلوم لدى الجميع انّه لا بدّ من استبدال التعامل في الليرة السورية من خلال آليّة للتسعير ودفع الأجور، والأهمّ مراقبة أعمال الصرافة وضبط تحويلاتها وإغلاق منافذ التهريب والمعابر، ووضع أسس اقتصادية معرفية قابلة للتطبيق للمناطق المحرّرة وكيفية استثمار ثرواتها ومقدّراتها، وتسهيل عبور البضائع للمناطق المحرّرة المستورَدة من قِبَل تجّارها بمعنى منع الرسوم التي تفرضها الفصائل للحدّ من غلاء السلع وارتفاع تكاليفها على المواطنين، والسعي من قِبَل الحكومة لفتح آفاق التصدير للمنتجات وخاصة الزراعية في المناطق المحرّرة بالإضافة، إلى توجيه المنظّمات الإغاثية العاملة في هذه المناطق لتأمين السلع الضرورية وتحديد المناطق المستهدَفة الأكثر فقراً، وأن تعمل هذه المنظّمات ضمن إدارة موحّدة من أجل عدالة التوزيع، وأن تكون هناك لجنة مهنية لتحديد السلع والاحتياجات الضرورية وتبويبها حسب الأولوية، وأيجاد بدائل للسلع التي كانت تأتي من طرف النظام، ولا بدّ من التوعية الفكرية وخاصة عن طريق المجالس المحلية وعقد الندوات وطباعة البراشورات وحتى الخطب الدينية يوم الجمعة، بالإضافة إلى أنّ رأس المال بطبيعته يقودك إلى الحفاظ على نفسه كمستودع للقيمة والقدرة الشرائية، وهناك بوادر للوعي الشعبي ظهرت على أرض الواقع”.

وعن علاقة قانون قيصر بانهيار الليرة السورية.. بيّن الدكتور حاج بكري: “قانون قيصر هو قانون عقوبات اقتصادي على نظام الأسد وداعميه أو أيّ جهة تتعامل معه، ويستهدف النظام استهدافاً مباشراً بالإضافة إلى روسيا وإيران، وستكون الشركات الإيرانية والروسية عرضة للعقوبات كالجيش والمستثمرين في حال مخالفة بنوده.

القانون يتمتّع بمصادر قوّة كبيرة؛ فهو حائز على موافقة الحزبَين الجمهوري والديمقراطي، ويستند إلى القرارات الدولية المتَّخَذة في مجلس الأمن، ويلقي بالكرة في ملعب الأسد وداعميه روسيا وإيران، بالإضافة إلى أنّ الظروف الدولية وخاصة المزاج الدولي ضدّ إيران يساعد على تأييد القانون، وسيشكّل القانون ضربة قاسية للنظام وخاصة في ظلّ عدم قدرة الحلفاء على مساعدته.

لقد تحاشت الولايات المتّحدة فرض أي عقوبات على روسيا في سوريا، لكنّ القانون الآن وضع هذه الفرضية أمام المحكّ، ويساعدُ أكثرَ في تطبيق القانون الوضعُ الاقتصادي الذي يعاني منه النظام وانهيار الليرة، فهو يقلّص خياراته للحدّ الأدنى وخاصة العسكرية، فأركان النظام ستكون لديهم حسابات خاصة بعد فقدانهم الثقة بقدرات التصدّي للعقوبات والحصار المفروض عليهم، وستتشكّل بوّابة عريضة لتفكّك البنية الصلبة للنظام، وتدفع مواليه للخروج من تأثيره وسلطته بسبب تزايد الأزمة المعيشية وعدم المقدرة على إيجاد حلول وبدائل، ممّا سيؤدّي بالنتيجة إلى فقدان سيطرته الداخلية وهذا ما نلاحظه حالياً”.

المصدر: التوجيه المعنوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى