من الثورة إلى الدولة.. تفكيك الثنائية تحديد الأولويات ومعارضة سلمية /*/

المفكر السوري عبد الله تركماني يرى أن ما طرحته قيادة المرحلة الانتقالية، حول ضرورة الانتقال من الثورة إلى الدولة، يشكل مدخلًا مهمًا لنجاح مرحلة الانتقال من الدولة “التسلطية” إلى الدولة “المنشودة”، التي تلقى قبولًا من أطياف الشعب السوري كافة.

وفي هذا السياق، تواجهنا عدة أسئلة وتحديات: هل ستكون الجمهورية السورية الثالثة دينية أم مدنية؟ برلمانية أم رئاسية أم مختلطة؟ ما مدى ضمانها للحريات الفردية والعامة بما فيها حرية المعتقد؟ وكيف يتم تأمين تداول السلطة والفصل بين السلطات الثلاث، قال تركماني في حديثه إلى عنب بلدي.

ولا شك، بحسب الباحث، أن النجاح في الانتقال إلى دولة “الحق والقانون” مرهون بـ”كيفية تعاطينا مع التحديات السابقة، وما يرتبط بها من مؤسسات فاعلة ومجدية”، و”مدى قدرتنا على توفير أوسع إجماع سياسي واجتماعي من المكوّنات السياسية والفكرية والاجتماعية كافة”.

ويعتمد هذا الإجماع، بحسب تركماني، على ثقة المواطنين السوريين وتعاونهم، من خلال تأمين حرياتهم وعدم فرض توجهات سياسية وثقافية معينة عليهم.

ويعتقد الباحث أن السوريين، الذين رحّبوا بوعود رئيس المرحلة الانتقالية، بعد سنوات من غياب الأمن والاستقرار، انتظروا مدى “تطابق الممارسة مع قيم بناء دولة الحق والقانون”، انطلاقًا من قناعتهم بأن سلطة “الدولة المعاصرة” ليست مهمتها “ممارسة السيادة” على مجتمعها فقط، وإنما “توظيف موارد الدولة لتحقيق تنمية شاملة تلبي حاجات المواطنين إلى العمل والسكن والغذاء والصحة والتعليم”.

وقد أدرك السوريون، وفق تركماني، أن الدول تتفاوت في درجة قيمتها وتطور نظمها بتفاوت مستوى “الحوكمة الرشيدة لمؤسساتها”، وفي تمتع جميع المواطنين بما سماها “الحريات غير المنقوصة” وهي: حرية الرأي والتعبير، حرية التجارة والتنقل، حرية تشكيل أحزاب وروابط مدنية وسياسية.

ويرى الباحث أن ممارسة السيادة الوطنية، من قبل سلطة الدولة الحاكمة، تستدعي وجوب “وجود معارضة سلمية منافسة تضبط الحكم”، من خلال تطلعها للحكم مستقبلًا، واستعدادها للمنافسة في الانتخابات المقبلة الدورية.

وفي سياق تحقيق ذلك كله، وفق الباحث، لا شك أن تحديد الأولويات ومراجعة الأهداف المزمع تحقيقها ضرورة ملحّة في سوريا، ليتم التركيز على متطلبات “تكريس القواعد الديمقراطية وبناء المؤسسات الدستورية ومعالجة المشكلات المعيشية وتحديث الهياكل والبنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحقيق التنمية والارتقاء بمستويات القدرات السورية”.

 ميول إسلامية.. يعدلها تجاوز الاستقطابات

يرى الباحث السوري عبد الله تركماني، أن ثمة ميولًا واضحة لإدخال القيم والمبادئ والأحكام والممارسات الإسلامية في قوانين الدولة وممارساتها، أي وجود ما سماها بـ”دولة دينية، لها مهمة رئيسة هي تطبيق الشريعة”.

 في حين يعتقد تركماني، أن ضمان الوصول إلى “دولة الحق والقانون” منوط بتحصين رئيس المرحلة الانتقالية بمجالس استشارية من أهل الكفاءات، وبأكثرية سياسية وفكرية واسعة، والإقلاع عن “الاعتقاد بالاكتفاء برجاله في إدلب”، إذ إن التحديات الاقتصادية والاجتماعية، التي تواجه المرحلة الانتقالية، بحسب ما قاله تركماني لعنب بلدي، تتطلب “تجاوز الاستقطابات الأيديولوجية في اتجاه توظيف كل الإمكانيات المتوفرة لإعادة بناء سوريا برجالها ونسائها وشبابها، إضافة إلى نسج شراكات استراتيجية عربية وإقليمية ودولية”.

كما يتطلب طمأنة تلك الدول، بأن الهدف الأساسي للسياسة الخارجية السورية هو “المساهمة في خلق وضع إقليمي ودولي، يتمتع بالتعاون المشترك، والاحترام المتبادل، والشراكات الاستراتيجية، ونبذ التطرف”.

وأشار الباحث إلى أن الحل لـ”الخروج من مأزق الدولة السورية المستمر” هو مغادرة ما سماه “بنيان الإقصاء والعنف” إلى رحاب بنية اجتماعية- سياسية- ثقافية تقوم على العمل المنتج واستثمار الموارد الاقتصادية والبشرية وزيادتها، وتحرر إرادة المواطن.

 ولا ينبغي توجيه طاقات الشعب السوري، بحسب الباحث، لتصفية الحساب مع الماضي، وإهمال تحديات الحاضر وتأجيل التفكير في آفاق المستقبل، بحيث لا تُختزل الأمور بالفصل “التعسفي” بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي واجتماعي، إذ إن السوريين، إضافة إلى الحياة السياسية النشطة، أحوج ما يكونون إلى ضمان مستوى معيشي مناسب، بما يتطلب إصلاحًا شاملًا لكل مؤسسات الدولة، وفق الشرعة العالمية لحقوق الإنسان ومبادئ الحوكمة الرشيدة (المساءلة، والشفافية، والكفاءة)، بحسب ما قاله الباحث في مركز “حرمون للدراسات”.

ويتطلب الانتقال من فكر الثورة إلى فكر الدولة، بحسب تركماني، “الاجتهاد” في المفاهيم المتداولة لدى الرئيس ومساعديه، لتأكيد التوافق بين الأطياف الفكرية والسياسية والمكوّنات الطائفية والقومية، لضمان السلم الأهلي والوحدة الوطنية على أساس “المواطنة المتساوية”.

/*/ – نُشرت في ملف صحيفة ” عنب بلدي ” في 22 حزيران/يونيو 2025، حول ” من الثورة إلى الدولة.. تفكيك الثنائية “.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى