يثير إعلان تنظيم “داعش” المتأخر عن مقتل زعيمه أبو الحسين القرشي أول من أمس الخميس، في شمال غربي سورية، واتهامه “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بالوقوف خلف العملية بعد نحو 3 أشهر من إعلان تركيا مسؤوليتها عن قتله، تساؤلات حول “أزمة القيادة” التي يعيشها التنظيم الذي فَقَد 4 من قادته في منطقة واحدة تقريباً خلال سنوات قليلة.
وفي معرض إعلانه، قال المتحدث باسم “داعش” أبو حذيفة الأنصاري، في تسجيل نشرته حسابات مرتبطة بالتنظيم، إن أبو الحسين القرشي قتل خلال مواجهة مع ما سماها “هيئة الردة والعمالة” (هيئة تحرير الشام) في إحدى بلدات ريف إدلب (جنديريس التابعة لمنطقة عفرين) “إثر محاولة أسره، فاشتبك معهم بسلاحه حتى قُتل متأثراً بجراحه”.
ولم يحدد التسجيل وقت مقتله، لكنه أعلن عن هوية الشخص الذي اختاره التنظيم كزعيم له وهو أبو حفص الهاشمي القرشي، مشيراً إلى أن عناصر “هيئة تحرير الشام” اعتقلوا أيضاً المتحدث السابق باسم التنظيم أبو عمر المهاجر مع مجموعة أخرى من عناصر التنظيم.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن مطلع مايو/أيار الماضي مقتل زعيم تنظيم “داعش” خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية في سورية، في حين قال مصدر مطلع من “الشرطة العسكرية” العاملة تحت مظلة “الجيش الوطني السوري” المعارض، في حينها، لـ”العربي الجديد”، إن “قياديّاً بارزاً في تنظيم داعش فجّر نفسه، إثر عملية أمنية نفذها جهاز الاستخبارات التركية بالاشتراك مع مجموعات أمنية من الجيش الوطني السوري في ناحية جنديرس بريف حلب الشمالي”، مؤكداً أن الهدف من العملية كان إلقاء القبض على القيادي، لكنه فجّر نفسه.
ووفق الرواية التركية التي أوردتها وكالة “رويترز” على لسان مسؤول أمني تركي كبير (لم تسمِّه) في 2 مايو الماضي، فإن زعيم التنظيم أبو الحسين القرشي قُتل عندما فجر سترة ناسفة خلال غارة للقوات الخاصة التركية بعد رفضه الاستسلام.
“داعش” يعاني من أزمة قيادة
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية إن التنظيم يعاني من دون شك من أزمة على صعيد القيادة منذ عام 2019، نتيجة أسر ومقتل عدد كبير من القيادات من قبل جهات عدة مثل التحالف الدولي بقيادة واشنطن و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والحكومة العراقية، إضافة إلى “هيئة تحرير الشام”.
وأضاف أبو هنية في حديث مع “العربي الجديد”، أن هذه الأزمة تتعلق أساساً بالهيكل التنظيمي على مستوى القيادات، لكن على مستوى العناصر، لا يزال لدى التنظيم “قدرات ملحوظة مثبتة على الأرض”. وأشار إلى أن التنظيم “يعمل بشكل مرن وغير مركزي، من المفارز إلى القواطع، ولا تتأثر الهياكل الدنيا كثيراً بما يحدث على مستوى القيادة، لأنه تنظيم راسخ وليس جديداً، وهو من أكثر التنظيمات تماسكا على المستوى التنظيمي ولديه مرونة كبيرة في طريقة عمله”.
ورأى أبو هنية أن التأخير في الإعلان عن مقتل الزعيم السابق واسم الزعيم الجديد، يشير إلى وجود مشكلات وإعادة ترتيب للقيادة بعد الاختراقات الأمنية المتكررة لمكان وجود زعيم التنظيم. وأضاف انه ليس هناك معلومات عن الزعيم الجديد، “لكن من شبه المؤكد أنه عراقي كما جرت العادة سابقاً، والأرجح أنه شخصية شابة وجديدة وليس من القيادات المخضرمة في التنظيم، وهذا يشير إلى تحوّل نوعاً ما في القيادة، لأن القيادات التاريخية للتنظيم إما اعتُقلت أو قُتلت”.
ولفت أبو هنية إلى أنه على الرغم من أن الأسماء التي يعلنها التنظيم لزعمائه هي حركية وليست حقيقية، لكن من الثابت، أنها ليست وهمية، بل هي لأشخاص حقيقيين، إذ كان المعتقد أن ما يعلنه التنظيم مجرد أسماء لا وجود لها على أرض الواقع، لكن تبين أن كل ما يعلنه التنظيم هو شخصيات حقيقية موجودة على الأرض.
وحول التضارب بين الرواية التركية ورواية التنظيم بشأن مقتل القرشي، قال أبو هنية إن الأتراك حين أعلنوا الخبر قبل نحو 3 أشهر، لم يقدّموا تفاصيل كثيرة، لكن التنظيم يقدم رواية منطقية ومتماسكة أكثر، وفيها تفاصيل عن اعتقال المتحدث باسم التنظيم وعناصر آخرين، مشيراً إلى وجود تعاون مؤكد بين “هيئة تحرير الشام” والاستخبارات التركية.
تكتيك “داعش” حيال مقتل قادته
من جهته، رأى الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تأخر التنظيم في إعلان مقتل قائده السابق وتعيين بديل له، هو “نوع من التكتيك يستخدمه التنظيم ليقول لخصومه إنه لا يوجد فقط زعيم، لكن هناك مؤسسات وهياكل وبنى تنظيمية قادرة على إدارة دفة المواجهة، كما أن تأخر الإعلان هو نوع من أنواع التضليل الإعلامي الذي يمارسه التنظيم لأسباب نفسية تخص مناصريه وخصومه”.
ولفت الباحث إلى أن “هيئة تحرير الشام” استغلت عناصر “داعش”، لا سيما الفارين منهم، بعد معركة الباغوز، لتبييض صورتها مع التحالف الدولي، إذ استقبلت قادة وعناصر التنظيم في إدلب، وفرضت عليهم لاحقاً نوعاً من الإقامة الجبرية، وبدأت التحقيق معهم بشأن المعلومات الخاصة بالتنظيم وأبرز قيادييه وتحركاتهم، وهو ما مكّنها من جمع معلومات كثيرة عن التنظيم، وساعدها في التقارب مع تركيا والتحالف الدولي عبر الضربات الجوية في شمال غربي سورية.
وقُتل زعيم “داعش” الأسبق أبو إبراهيم القرشي، في فبراير/شباط 2022، في غارة أميركية في محافظة إدلب شمال غربي سورية، بعد مقتل سلفه أبو بكر البغدادي في إدلب أيضاً، في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”. ويستخدم التنظيم اسم “القرشي الهاشمي” في أسماء زعمائه في محاولة للإيحاء بأنهم ينحدرون من نسب النبي محمد وفق زعمهم.
وتشير تقديرات إلى أن “داعش” الذي كان يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسورية عام 2014، يضم اليوم ما بين 6 و10 آلاف مقاتل في البلدين، يواصلون شن هجمات كر وفر ضد قوات “قسد” والنظام السوري والحكومة العراقية، وينتشرون بشكل خاص على امتداد الحدود العراقية – السورية في كلا البلدين. كما بايع التنظيم العديد من الجماعات في أنحاء العالم مثل أفغانستان والصومال، وبعض البلدان الأفريقية.
المصدر: العربي الجديد