استئناف للقتال في درعا السورية

ليث أبي نادر وعدنان أحمد

انتهى مساء الجمعة الهدوء النسبي بين الفصائل المحلية في درعا البلد، جنوبي سورية، ومجموعات متهمة بالانتماء لتنظيم “داعش” بعد استئناف القتال عقب انتهاء الهدنة، التي مُددت بهدف السماح بخروج بقية العائلات العالقة في المنطقة، خاصة مع فشل المساعي لإيجاد حل سلمي بين الطرفين.

وكان تواصل أمس  خروج المدنيين من الأحياء التي تشهد اشتباكات في منطقة طريق السد والمخيم، بعد إعلان المجموعات المسلحة عن تمديد الهدنة يوماً آخر، والتي كانت بدأت مساء الأربعاء الماضي، وانتهت مساء أمس الجمعة. ومع بدء سريان الهدنة، خرجت عشرات العائلات من المنطقة باتجاه مناطق درعا البلد والمحطة والقرى المجاورة، فيما اكتفى عناصر الهلال الأحمر التابعين للنظام بمراقبة النازحين من دون تقديم أية خدمات لهم.

وكان اجتمع، مساء أول من أمس الخميس، عدد من وجهاء وفعاليات درعا البلد في المسجد العمري، لبحث سبل وقف إطلاق النار في حي طريق السد، من دون أن يسفر عن أية نتائج.

أبازيد: مجموعة من المفسدين

وحول هذه المبادرة، قال الشيخ فيصل أبازيد، عضو اللجنة المركزية في محافظة درعا وخطيب المسجد العمري، إن وجهاء من المحافظة طرحوا مبادرة للتوصل إلى حل، و”أبلغناهم أن القضية ليست خلافاً عشائرياً حتى تحل بهذه الطريقة. لكن أعطيناهم فرصة وذهبوا إلى محمد المسالمة الملقب بـ”الهفو”، ومؤيد الحرفوش الملقب بـ”أبو طعجة”، وعرضوا عليهما الاحتكام لطرف ثالث أو الخروج من المدينة، لكنهما رفضا بالمطلق”.

وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”: “لقد أعطيناهم فرصة محدودة وليست لأيام طويلة، لأنه لا يؤتمن لهذه الجماعة، وقد يقومون بعمليات انتحارية ضدنا. وقد أطلقوا بالفعل معركة ضدنا سموها الفرقان. لكن لن نعطيهم الفرصة لتنفيذ مآربهم”.

وخلال خطبة يوم الجمعة في المسجد العمري، قال الشيخ أبازيد إن بعض الوجهاء في مدينة درعا “قدموا مبادرة لحقن الدماء وهم مشكورون على ذلك، ولكن تأخر الوقت، ولا يمكن أن يكون هناك حل إلا باستئصال هذه العصابة المجرمة”، التي وصف بعض عناصرها بأنهم إما “جهلة، أو لا يريدون أن يعرفوا الحق ويلتزموا به”.

وأوضح أن “الهفو” و”أبو طعجة” لم يكن لهما أي دور في مواجهة النظام عندما حاصرت قواته درعا البلد العام الماضي، بالرغم من أن هذا الحصار كان أبرز أهدافه المعلنة من جانب النظام هو المطالبة بهذين الشخصين.

وأكد أن الأمر ليس بين عائلتي أبازيد والمسالمة كما يروج هذان الشخصان، مؤكداً أن “أبو طعجة” و”الهفو” ليسا من “داعش” لكنهما مرتزقان يبحثان عن أمرين: الحماية والمال، أما من معهم فبعضهم مع “حزب الله” أو “قوات النمر”، أو جهلة ومغلوب على أمرهم.

حقيقة ما يجري في درعا

وقال مصدر مطلع على الاجتماع الذي عقد في المسجد العمري مساء الخميس الماضي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن الاجتماع فشل نتيجة رفض محمد المسالمة الملقب بـ”الهفو” ومؤيد الحرفوش الملقب بـ”أبو طعجة”، تسليم نفسيهما ومطلوبين آخرين لطرف عشائري ثالث. وتملك الفصائل في درعا أدلة قاطعة تثبت تورطهم في عمليات اغتيال.

وأوضح أن المطلوبين دفعوا بأقاربهم للتوسط من أجل إيجاد تسوية عشائرية، بعد أن أحكم المقاتلون الحصار عليهم، لأنهم يريدون النجاة من دون دفع ثمن جرائمهم، لكن الفعاليات المحلية في درعا البلد تمسكت بمطالبها، المتمثلة في تسليم المطلوبين أنفسهم لطرف ثالث، ومحاكمتهم على أفعالهم، أو المضي في القتال حتى تحقق العملية العسكرية أهدافها.

ونفى المصدر أن يكون جميع مقاتلي الفصائل من عائلة أبازيد، أو أن يكون الطرف الآخر يمثل عائلتي المسالمة والحرفوش. واعتبر أن محاولة البعض تصوير الأمر صداماً بين العشائر هدفه تمييع الصورة الحقيقية، وهي أن المواجهة هي بين مجرمين وقطاع طرق من كل العشائر ومقاتلين وثوار من كل عائلات درعا أيضاً. وأكد أن أحداً من العشائر، وحتى أقاربهم، لم يكفلوا مجموعة “الهفو” و”أبو طعجة” ومن معهم من المطلوبين، والذين يقدر عددهم بنحو 50 شخصاً.

وحول حقيقة ما يجري على الأرض، وهل هو فعلاً مواجهة مع عناصر من تنظيم “داعش” أم يدخل في إطار الصراعات المحلية التي لها بعد عشائري، قال المصدر المقرب من الفصائل المحلية في درعا البلد مفضلاً عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إنه ليس جميع المقاتلين الموجودين في منطقة طريق السد هم من “الدواعش”، لكن عناصر من “داعش” من خارج المنطقة وصلوا إلى هناك خلال الفترات الماضية، ومن ضمنهم الذين هربوا من مدينة جاسم عقب العملية الأمنية التي جرت ضدهم هناك.

رصد اتصالات بين الحرفوش والمسالمة و”داعش”

وحول انتماء المدعوين محمد المسالمة ومؤيد الحرفوش، أكد المصدر أنه رُصدت محادثات هاتفية بينهما وبين عناصر من التنظيم، وهناك تسجيلات لدى فصائل درعا البلد تثبت ذلك.

وأوضح أن المشكلة مع “الهفو” و”أبو طعجة” ليست جديدة، ولا ترتبط بالتفجير الأخير في منزل القيادي السابق في المعارضة غسان أبازيد، والذي أسفر عن مقتل 4 أشخاص، “حيث لديهما تاريخ حافل بالإجرام والانتهاكات المختلفة”.

وأشار إلى أن العديد من الأشخاص ضمن مجموعتهم مرتبطين بعمليات اغتيال، ومن بين قتلاهم في العملية الحالية صلاح غزلان المنضوي ضمن مجموعة “الكسم” التابعة للأمن العسكري، مضيفاً أن الكسم حاول المشاركة في الحملة الأمنية الحالية للتغطية على جرائمه، لكن الفصائل رفضت ذلك بشكل قاطع، حيث تقتصر المشاركة على أبناء درعا البلد وعناصر من الفيلق الخامس.

وجهة نظر أصحاب المبادرة

وللتعرف على وجهة نظر أصحاب المبادرة، حاولنا التواصل مع الشيخ عبدو الوهاب المحاميد والدكتور زياد المحاميد اللذين طرحا مبادرة الحل السلمي، لكنهما لم يردا على الاتصالات.

وقال الصحافي محمد العويد، المطلع على تفاصيل المبادرة وله تواصل مع زياد المحاميد، لـ”العربي الجديد”، إن المبادرة طرحت باسم “عشيرة درعا”، وهي كناية عن اجتماع كل عشائر درعا في تجمع واحد، وتضمنت وقفاً لإطلاق النار ومن ثم الاحتكام إلى طرف ثالث، أو خروج المطلوبين إلى خارج محافظة درعا، لكن جماعة “الهفو” و”أبو طعجة” رفضت الخيارين.

وأوضح العويد أن هذا الرفض مفهوم لأنه لا يوجد خيار حقيقي أمامهم للخروج من درعا، حيث من الصعب استقبالهم من أية جهة حتى في الشمال السوري، ويبدو أنهم يراهنون على التمترس والدفاع عن أنفسهم، وعلى تململ المجتمع المحلي من القتال والضغط مجدداً لإيقافه.

من جانبه، قال القيادي السابق في المعارضة السورية العميد إبراهيم الجباوي، لـ”العربي الجديد”، إن النظام السوري “حارب تنظيم داعش صورياً في وادي اليرموك بريف درعا الغربي، لكنه أخرج قادته من الصف الأول في حافلات مكيفة إلى الصحراء، وتظاهر باعتقال قادة الصفين الثاني والثالث من أبناء المنطقة، ثم أفرج عنهم بعد أيام بشرط العمل تحت أمرة أجهزة أمن النظام”.

وأضاف الجباوي أن “ما يجري اليوم في درعا، وبالأمس في مدينة جاسم، أن تلك الفلول المفرج عنها عاثت فساداً، وتوغلت بسفك دم الأبرياء، وذلك وفقاً لتوجيهات الأمن العسكري، ممثلاً برئيسه في المنطقة المجرم لؤي العلي”.

“الأحرار ضاقوا ذرعاً بما يحصل”

وتابع إن “الأحرار تنبهوا لذلك، وضاقوا ذرعاً بما يفعله هؤلاء من قتل وخطف وانتهاك للأعراض، فقرروا اجتثاثهم. وتوافق على هذا الحل جميع الأحرار في المنطقة. فكانت البداية من جاسم صاحبة أكبر نصيب من اغتيالات أبنائها، واليوم في درعا البلد وما حولها، وغداً سيكون في أية منطقة أو مدينة أو بلدة يظهر فيها نشاط لهؤلاء الفلول المأجورين المنفذين أوامر أجهزة أمن النظام”.

من جهته، رأى العميد سعد الزعبي، القيادي السابق في المعارضة السورية والمنحدر من محافظة درعا، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن الجميع وقع في فخ النظام “رغم أنه قد تكون هناك خلية داعشية، لكنها صناعة النظام، وبالتالي استطاع النظام أن يصل إلى ما يريده من قتال بين الإخوة”.

وجهاء درعا البلد: المعركة فرضت علينا

وكان صدر، أول من أمس، بيان عن وجهاء وفعاليات محلية في مدينة درعا البلد حول الأحداث الأخيرة في محافظة درعا، جاء فيه أنه منذ أكثر من عام، عاد تنظيم “داعش” للتموضع في محافظة درعا في عدة أماكن، شملت “أرياف المحافظة بشرقها وغربها وشمالها، وفي مركزها القابع جنوباً عبر البادية السورية انتقالاً للسويداء ومن ثم درعا بتسهيل من أجهزة المخابرات وحواجزها، عبر دفع قادة وعناصر التنظيم مبالغ طائلة لها”.

وأضاف البيان أن الحملة الأمنية ضد عناصر تنظيم “داعش بدأت بمنطقة جاسم ثم انتقلت لدرعا البلد، وستمتد إلى كل منطقة يوجد فيها تنظيم داعش الإرهابي، لأن محافظة درعا ستحافظ على ثوريتها ولن تقبل أن تصبغ بصبغة غير الثورة”.

ورأى أن المشاركين في العملية الأمنية ضد “داعش” وعصابات القتل والخطف “هم الثوار الحقيقيون”، مؤكداً أن عناصر النظام ومليشياته لا يشاركون بهذه الحملة التي اتخذ قرارها أهالي درعا ولا علاقة للنظام بها. وأكد أن المعركة فرضت على درعا البلد “بعد عجز الوجهاء والعشائر وقادة الرأي والميدان عن التوصل إلى صيغة للحل تحقن الدماء وتجنب المدنيين الأذى”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى