شنت الطائرات الحربية الروسية عشرات الغارات الجوية خلال الأيام الماضية، على مناطق البادية السورية، التي تمتد بين أرياف وبوادي محافظات الرقة وحماة وحمص وديرالزور، مستهدفة مواقع لتنظيم “داعش” في البادية السورية، خاصة المثلث الواقع بين محافظات الرقة وحمص وديرالزور.
التصعيد الروسي جاء عقب هجوم عسكري نفذه تنظيم “داعش”، على طريق دمشق-ديرالزور بالقرب من بلدة كباجب، أسفر عن مقتل 37 عنصراً من قوات النظام، بينهم 8 ضباط برتب مختلفة.
لكن الهجوم الروسي، ضد خلايا التنظيم المنتشرة في البادية السورية، ليس الأول من نوعه، فقد نفذت القوات الروسية مع قوات النظام، ثلاث عمليات عسكرية خلال عام 2020، بهدف القضاء على خلايا “داعش”، كان آخرها عملية “الصحراء البيضاء”، لكن جميع تلك العمليات باءت بالفشل ولم تحقق الأهداف المعلنة لها.
وتعود أسباب فشل النظام وحلفائه في القضاء على خلايا التنظيم، إلى عوامل عديدة منها ما يتعلق بالاستراتيجية العسكرية للنظام وحلفائه، وأخرى تتعلق بالتكتيك القتالي الذي تتبعه خلايا التنظيم في عملياتها العسكرية.
السبب الأول في فشل كل من النظام وروسيا وإيران، في القضاء على خلايا “داعش” في البادية، يكمن في أن العمليات العسكرية، تكون عبارة عن ردّات فعل غير منتظمة وتفتقر للاستراتيجية، وتكون دائما عقب الهجمات العنيفة للتنظيم، والتي تتسبب بخسائر فادحة للنظام وحلفائه.
فعملية التطهير التي أعلن عنها منتصف عام 2020، كانت رداً على هجمات التنظيم على السخنة وحقلي آراك والهيل النفطية، أما عملية الصحراء البيضاء كانت رداً على مقتل الجنرال الروسي فيتشسلاف غلادكيخ، في ريف ديرالزور الجنوبي، أما العملية الحالية هي رد على الهجوم الذي استهدف عناصر الفرقة الرابعة في 30 من كانون الأول/ديسمبر 2020.
عمليات النظام وحلفائه ضد خلايا التنظيم، لم تقتصر على كونها ردّات فعل فقط، بل غابت عنها الخطط الاستراتيجية المتكاملة. فلا يملك الحلف المعادي للتنظيم مخططاً عسكرياً وزمنياً محدداً للقضاء على تلك الخلايا، بل يعتمد على هجمات متقطعة غالباً ما تكون برية دون عمليات إسناد جوي، أو عمليات تنفذها الطائرات الحربية وحدها، كما يجري الآن داخل البادية.
أما السبب الثاني هو التنافس الروسي الإيراني على النفوذ في شرق سوريا، فالقوات الروسية والإيرانية لا تلعب الدور الكافي في دعم العمليات العسكرية ضد خلايا التنظيم في البادية، وتركز فقط على تعزيز مناطق نفوذها في الحواضر المدنية في ريف حمص وديرالزور وريف الرقة الجنوبي.
ويمتنع كلا الطرفين عن الدفع بثقلهم العسكري البري في معركة تطهير البادية، خوفاً من أن يستغل الطرف الأخر حالة الفراغ العسكري لتعزيز نفوذه. فالقوات الإيرانية لم تشارك في عملية الصحراء البيضاء أو العملية الحالية حتى الآن، بينما تكتفي روسية بالمشاركة الجوية لإسناد قوات النظام المتقدمة برياً.
حالة التنافس زادت في الفترة الأخيرة، خاصة بعد افتتاح القوات الروسية مقراً لها، في مبنى الفندق السياحي في مدينة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، التي تُعتبر أهم معاقل القوات الإيرانية شرق سوريا، وازدياد حالات الانشقاق في صفوف المليشيات الموالية لإيران والتحاقها بالتشكيلات المدعومة روسياً.
بينما يعتبر الضعف الاستخباراتي سبباً من أسباب الفشل في القضاء على خلايا تنظيم “داعش” في البادية. فشكل العمليات العسكرية ومناطق انطلاقها والنقاط المستهدفة، يؤكد أن القوى المهاجمة تجهل أماكن تمركز التنظيم والمواقع المحتملة لوجود خلاياه، كما تغيب عنها المعلومات التي يمكن من خلالها رصد تحركات التنظيم وتوقع هجماته والتعامل معها قبل حدوثها.
ويشكل وجود التنظيم في مناطق نائية في البادية بعيداً عن المجتمعات السكانية، عاملاً أساسياً في عدم قدرة النظام وحلفائه على الحصول على معلومات استخباراتية عن التنظيم، من خلال الأسلوب التقليدي الذي يقوم على تجنيد متعاونين خارج صفوف التنظيم، مهمتهم نقل التحركات وجمع المعلومات الاستخباراتية المبدئية.
الاستراتيجية التي يتبعها التنظيم أيضاً، تلعب دوراً مهماً في جعل عملية القضاء عليه أمراً صعباً جداً، من خلال عدد من التكتيكات العسكرية، التي تساعده في البقاء.
أول تلك التكتيكات عدم إيجاد مناطق مواجهة مباشرة مع النظام وحلفائه، بحيث تكون الهجمات عبارة عن عمليات صغيرة لها أهداف محددة وتختلف زمنياً وجغرافياً في كل مرة. فالتنظيم يبتعد عن إيجاد مناطق سيطرة واضحة في المناطق المأهولة بالسكان في القرى والبلدات والمدن، وذلك لأسباب عديدة، أولها تجنب وجود خطوط مواجهة فعلية تجعله تحت ضربات القوى المعادية له بشكل مباشر، ما يرهقه على الصعيد البشري والعسكري.
كما تشكل عمليات التحرك المستمر في البوادي الشاسعة، وأسلوب حرب العصابات الذي يعتمده التنظيم، وقدرة عناصره على التخفي ضمن الطبيعة الجغرافية في البادية، عوامل إضافية تساعده على البقاء وتصعب من عملية ملاحقته.
تحتاج حرب القضاء على “داعش” إلى استرتيجية مشتركة بين القوى المتصارعة في البادية، خصوصا بين الروس والإيرانيين. كما تحتاج إلى عنصر أساسي آخر وهو مشاركة أكثر فعالية من الولايات المتحدة في حرب التنظيم داخل البادية السورية، باعتبارها أحد أطراف النفوذ، وصاحبة القدرة العسكرية الأكبر في المنطقة.
المصدر: المدن