تعيش إدلب على صفيح ساخن وسط تنافس محموم بين الروس والأتراك في سوريا وليبيا، والتقدم على الأرض لصالح حلفاء أنقرة المحليين في طرابلس الليبية، ويبدو أن حلول التهدئة شمال غربي سوريا، أضحت شبه مغلقة، لاسيما مع تصاعد استفزازات الروس في إدلب، وتلويحهم «بعملية عسكرية قريبة» عقب «قرار تم اتخاذه لاستئصال البؤرة الأخيرة» للمعارضة السورية، حسب وكالات الإعلام الروسية، التي وجدت أن ارهاصات المعركة قد بدأت بالظهور مع «دك سلاح الجو السوري مواقع تحشد المجموعات المسلحة… مستهدفاً مواقع عسكرية ومنشآت حيوية مثل الجسور والأنفاق الطرقية وغيرها» بمساعدة حليفها الإيراني والميليشيات التي تدعمها لاسيما بعد تزويد «موسكو سلاح الجو السوري بطائرات ميغ 29 التي تدرب عليها الطيارون السوريون في قاعدة حميميم في ريف اللاذقية المتاخم لريف إدلب الجنوبي» وذلك كخطوة «استباقية لأي تطورات محتملة».
ومقابل الاستفزازات الروسية، تكثف أنقرة من تحركاتها العسكرية وتوسع انتشارها شمال غربي سوريا، حيث عززت من قواتها العسكرية في إدلب، وأحدثت نقاط مراقبة جديدة لها في المنطقة، تزامناً مع زيارة تفقدية أجراها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الجمعة، برفقة قادة الجيش، للوحدات العسكرية على الشريط الحدودي السوري – التركي.
وذكرت وكالة الاناضول التركية، أن وزير الدفاع، زار القوات العسكرية في ولاية شانلي أورفة جنوب تركيا، برفقة رئيس الأركان يشار غولر، وقادة كل من القوات البرية أوميد دوندار، والجوية حسن كوتشوك أكيوز، والبحرية «عدنان أوزبال». وأجرى أكار وقادة الجيش لقاءات مباشرة وأخرى عبر تقنية فيديو «كونفرانس» مع قادة الوحدات في إطار الجولة، تزامناً مع دخول رتل عسكري تركي إلى سوريا، مؤلف من 30 آلية تحوي معدات عسكرية ولوجستية، وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع التركي شمال البلاد.
وسبق هذه الجولة، تدشين الجيش التركي 5 نقاط مراقبة عسكرية جديدة شمالاً، وحسب مصادر محلية لـ»القدس العربي» فإن إحدى هذه النقاط الضخمة دشنت في بلدة «معراته» وأخرى أقيمت في بلدة «كفرشلايا»، وثالثة في بلدة «بسنقول» في ريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى نقطتين في كل من «القياسات وبسنقول»، وبذلك يرتفع عدد مواقع المراقبة التركية إلى 62 موقعاً، شمال غربي سوريا، أحصاها المرصد السوري لحقوق الانسان.
الخبير السياسي درويش خليفة اعتبر أن التنافس بين الروس والأتراك في ليبيا، انعكس على إدلب السورية، وذلك في سياق السياسية المعهودة للجانبين منذ أن بدآ بتوسعهما خارج حدودهما في دول حوض المتوسط.
وبما أن ملف إدلب مهم بالنسبة للأتراك، فقد رجح المتحدث لـ»القدس العربي» أن نشهد خروقات لبروتوكول موسكو الموقع في الخامس من شهر آذار/مارس الملحق لمذكرة سوتشي، معتقدًا أن الأمور لن تصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة بالرغم من الحشودات العسكرية التي نشهدها مؤخراً لكلا الطرفين روسيا- تركيا.
وأشار خليفة إلى أن إيران وميليشياتها لم يكونوا راضين عن اتفاق موسكو الآنف الذكر، بسبب عدم وضع بصماتهم عليه وتجاهلهم مؤخراً من قبل الروس والأتراك، ما جعلهم الخاسر الأكبر على الجغرافيا السورية، بعد استهدافهم المتكرر من الطائرات الإسرائيلية وبرضا روسي غير معلن، وعقوبات أمريكية طالت الاقتصاد والبنى التحتية العسكرية للحرس الثوري الإيراني.
وبالعودة لملف الشمال الغربي من سوريا وبعد التصعيد الذي شهدته المنطقة وبلغ ذروته يوم قتل 33 جندياً تركيا في 27 شباط/فبراير الماضي، جراء قصف جوي لقوات النظام السوري على منطقة خفض التصعيد. توجب على الجيش التركي تحصين دفاعاته في المنطقة والانقضاض على قوات النظام والميليشيات الحليفة مرات عدة ليكون الرد مناسباً أمام الشعب التركي وكذلك شركائه في حلف الناتو.
وما يجعل المنطقة ملتهبة، حسب ما يقول الخبير السياسي لـ»القدس العربي»، أن النظام السوري، دائماً ما يهرب من استحقاقاته الداخلية بالعودة لملف إدلب وخرق الاتفاقات الثنائية ما بين الروس والأتراك وبذات الوقت لخلق توازن في علاقاته واللعب على التناقضات الروسية – الإيرانية، حيث يميل كل حين على كتف أحدهما. لكن ما زاد من إرباك الوضع في إدلب مؤخراً، تشابك ملفها العسكري والسياسي مع الملف الليبي بالرغم من بعدهما الجغرافي 2130 كلم، بيد أن الذرائع دائماً حاضرة على طاولة الدبلوماسية الروسية وهي «وجود فصائل جهادية مصنفة على لوائح الإرهاب لم تستطع تركيا معالجة وجودها وإيجاد حل يشبه ما تم الاتفاق عليه في سوتشي».
الخبير السياسي درويش خليفة يقول إنه بالرغم من تكثيف تركيا لضغوطها على هيئة تحرير الشام وإجبارها على فتح الطريق الدولي حلب – اللاذقية – إم 4، إلا أن الوضع يزداد سوءاً لافتاً إلى إن «الشراكة الاقتصادية التركية الروسية المتصاعدة، لم تساهم حتى اللحظة في تقارب وجهات النظر السياسية والعسكرية بسبب تضارب المصالح وعدم الالتقاء أو الإيفاء في التزامات كل طرف للآخر» كما جزم المتحدث ان «جائحة الوباء الأخيرة (كورونا) ستكون سداً منيعاً أمام أي عمل عسكري بسبب تكلفة مكافحة الوباء وتكاليف الاعمال العسكرية».
المصدر: «القدس العربي»