أيّدت غالبية الناخبين الأتراك دعم الرئيس رجب طيب أردوغان في انتخابات الإعادة يوم الأحد؛ مما أكسبه فترة ولاية أخرى مدتها خمس سنوات كرئيس، ومدد قبضته على السلطة لأكثر من 20 عامًا. ومع ذلك، يأتي التصويت للاستمرارية وسط تغييرات كبيرة في تركيا وما حولها، التي لا تزال تتعافى من زلزال مدمر، وتتعامل مع الاضطرابات المالية، وتتصدى للتحديات الأمنية في جوارها.
استطلع موقع “أتلانتك كاونسل” آراء نخبة من خبرائه حول توقعات العالم من أردوغان بعد فوزه، ومنهم دفنة أرسلان مستشارة سياسات الطاقة في السفارة الأمريكية، ويفيغينا جابر مستشارة السياسة الخارجية السابقة لرئيس الوزراء الأوكراني، وريتش أوتزن المستشار العسكري والمدني السابق في وزارة الخارجية الأمريكية.
موقع محوري
تقول أرسلان إن فوز أردوغان بنحو 52% من الأصوات ضد منافسه كمال كليتشدار أوغلو، بالإضافة إلى حصول الأحزاب التي تدعمه على الأغلبية في البرلمان، يعني أن تركيا ستدخل فترة أخرى من “صنع القرار المركزي”، ولكن أيضًا فترة “الاستقرار السياسي”.
وتوضح يفغينيا أن “موقف تركيا المتضارب بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، والتجارة وتطوير التعاون الاقتصادي مع روسيا مع توفير الدعم للدفاع عن النفس لأوكرانيا، من المرجح أن يظل على حاله”، لكنها تضيف أنه “قد يلعب أردوغان دورا بجد هذه المرة، من خلال مطالبة روسيا بالمزيد من المفاوضات بشأن صادرات الحبوب من أوكرانيا، بل ودفع كلا الجانبين من أجل وقف إطلاق النار”.
ويضيف أوتزن أن السياسة الخارجية التركية ستستمر على الأرجح مع شبه استقلالها الاستراتيجي وتوازنها وتحوطها بين القوى العظمى. مع ذلك، داخل حلف الناتو تبرز “آفاق انضمام السويد”، خاصة مع دخول التشريع السويدي الجديد لمكافحة الإرهاب حيز التنفيذ الكامل الشهر المقبل.
إعادة تفكير اقتصادي؟
وفي الداخل، يرى الخبراء أنه ستكون الأولوية الأولى لأردوغان هي الاقتصاد التركي، الذي يكافح حاليًا النمو البطيئ، وانخفاض الاحتياطيات، وارتفاع التضخم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسة أسعار الفائدة المنخفضة للحكومة.
وتقول دفنة أرسلان: “إذا تمكن فريق الاقتصاد التركي من العودة إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية وذات مصداقية يمكنها حل المشكلات الحالية، فقد تصبح البلاد وجهة لرأس المال الأجنبي مرة أخرى”.
وقد أشار أردوغان في تصريحاته المتعلقة بالنصر إلى الذكرى المئوية هذا العام لتأسيس الجمهورية التركية، وناقش الاقتصاد التركي بإسهاب، وهو ما يعتبر إشارة “على أنه مصمم على تقديم خريطة طريق أقوى للاقتصاد”.
وتتابع دفنة أن الأمر سيتطلب “وضع معايير اقتصادية قوية وتنفيذ إصلاحات هيكلية حاسمة لإعادة الثقة في الاقتصاد التركي للمستثمرين المحليين والأجانب”.
ومن المتوقع أن تظل روسيا في مرتبة عالية بين شركاء تركيا الاقتصاديين، حيث تسعى أنقرة إلى إعادة تزويد احتياطيات بنكها المركزي المستنفدة بالوقود.
وقد كانت رسالة أردوغان في ختام حملته هي: “علاقات تركيا مع روسيا لا تقل أهمية عن العلاقات مع الولايات المتحدة”. ويرى الخبراء أنه لم يكن من المستغرب أن يسارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهنئة أردوغان على النصر حتى قبل إعلان النتائج الرسمية.
لكن بالنسبة لأوكرانيا، من المرجح أن يواصل أردوغان “الدعم العسكري التركي والمشروعات الجارية في مجال الدفاع”.
التنافس على “منطقة ما وراء الناتو”
يقول ريتش: “تبرز سوريا كمسألة إرث شخصي لأردوغان”، ويوضح أن الرئيس التركي يريد إخراج وحدات الدفاع الشعبي التابعة لحزب العمال الكردستاني من الحدود التركية وتسهيل عودة عدد كبير من اللاجئين إلى سوريا.
ويحذر من أنه “لا يمكن استبعاد عملية عسكرية كبرى جديدة ضد وحدات حماية الشعب هذا العام أو العام المقبل”.
ومع ذلك، إذا تمكنت تركيا من إضعاف وحدات حماية الشعب بشكل كافٍ من خلال ضربات الطائرات بدون طيار والمدفعية وحدها، وإحضار رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى المفاوضات، فقد تتخلى عن عملية برية كبيرة.
كما يشير ريتش، تمتد المخاوف الأمنية التركية إلى ما وراء سوريا، إلى ليبيا والقوقاز والبحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة، وكلها تتطلب مفاوضات ماهرة مع القوى الإقليمية.
ويستطرد بالقول: “في هذه المنطقة الواقعة خارج الناتو، من أجل الأمن التركي، من المرجح أن يترك أردوغان الباب مفتوحًا للصفقات بينما يدق السيوف من حين لآخر للتأثير”.
المصدر | أتلانتك كاونسل – ترجمة وتحرير الخليج الجديد