هل اقترب رحيل الأسد

أحمد مظهر سعدو

في سياق ما يتمظهر على السطح من خلافات بينية وبنيوية داخل السلطة الأمنية في سورية. بين الأسد ورامي مخلوف. وكذلك ما طفى على وجه الإعلام الروسي مؤخرًا من محاولة لتعرية رأس النظام وعصابته وكشف المستور، ومحاولة الضغط عليه بطريقة غير مباشرة، ومن ثم جملة المفاعيل الإقليمية والدولية المحيطة، التي أشارت إلى قرب انتهاء السلطة الحاكمة بدمشق، ومن ثم اخراج المحتل الإيراني عبر سياسة جدية أميركية ملموسة مؤخرًا، هل ستتفعل موضوعيًا بشكل ملموس في إنتاج ذلك قريبًا؟

كل هذا وما يدور حوله خلق جوًا جديدًا في الواقع السياسي السوري وضع المسألة السورية من جديد في قمة أولويات المنطقة والعالم. حول هذه المحاور كان لصحيفة إشراق أن تحاورت مع بعض الساسة والكتاب والباحثين وسألناهم: هل ترون أن ساعة كنس ورحيل هذه السلطة الخاطفة للوطن السوري قد اقتربت. ومن ثم هل نحن قادمون على تغيرات كبرى في الواقع السوري.؟

الباحث السوري المعارض الدكتور مخلص الصيادي قال لإشراق:بني النظام السوري منذ استلام حافظ الأسد السلطة عام 1970 على قاعدة واحدة أن الرئيس هو الأساس، والجميع يخضع له، وتتوزع الحصص والمكاسب والمسؤوليات فيما دون موقع الرئاسة، ليس في النظام السوري أحد يحتل الرقم 2 أو الرقم 3 أو الرقم 4، الكل دون هذه الأرقام سواء كان موقعهم سياسي أو أمني أو مالي واقتصادي، لذلك لا صراع مع الرئيس، وإنما الصراع مع من دونه.

الركيزة الثانية في بناء النظام السوري، أن كل الثروات تحققت وبنيت على قاعدة الفساد، والحصص، والاقطاعيات، فلا وجود للقانون، ولا مكانة لعدالة التوزيع حتى بين هؤلاء الفاسدين، القضية مرتبطة بالدور الذي تراه الرئاسة لهذا الشخص أو ذاك، وما يمكن أن يحققه الشخص المعني لاستقرار النظام ولأهدافه، مضحك حديث رامي مخلوف عن أن في سورية قانون يمكن أن يلجأ إليه، وأن ما هو مطالب به لا بد أن تتيحه القوانين السورية.

الركيزة الثالثة أنه في مقاييس النظام لا وزن للشعب واحتياجاته ورأيه وتوجهاته، الوزن يعطى للبنى والتشكيلات ذات الأثر في ديمومة النظام، ومن الناحية الاجتماعية فهذه موزعة في دوائر معينة، الأسرة، العائلة، الطائفة، الحلفاء من الطوائف الأخرى.” وأضاف ” من خلال هذه الركائز نستطيع أن نفهم ما يحدث في السلطة الآن من مماحكات وعمليات شد وجذب قد تؤول إلى تشذيب وتغيير في توزيع المراكز والمواقع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. وأقدر أن مسار الصراع المستمر في سورية منذ 2011، وكذلك تقلص مصادر الثروة الوطنية نتيجة هذا الصراع وتكاليفه، ونتيجة الحصار المفروض على النظام السوري وداعميه ونتيجة انهيار أسعار النفط، وضيق ذات اليد لدى روسيا، وهي الداعم الرئيس للنظام عسكريًا، والتكاليف المادية والاقتصادية والنفسية التي فرضتها جائحة كورونا، هو ما عجل بظهور هذه المماحكات، وانكشافها على أعلى مسؤول في هرم القطاع الخاص السوري.” ثم قال ” ليس في مقدور رامي مخلوف أو غيره أن يصارع بشار الأسد أو يكون ندًا له، هذا خارج بنيان السلطة السورية، وهو يعلم ذلك، ولكن يبدو أنه لم يدرك بعد أن بشار الأسد ألحق عائلة الأخرس به، فصارا مركبًا واحدًا.” وعن الذي قاله إعلام موسكو قال:” وأرجح أن كل ما أثاره الإعلام الروسي من ضجيج، وما أطلقه من توصيفات أصابت رأس النظام وتمحورت حول الفساد والعجز إنما جاءت في إطار تثبيت المكاسب الروسية، وإزاحة المنافس الايراني، وترسيخ صورة روسيا باعتبارها الفاعل الأول لما يمكن أن يترتب للوضع السوري مستقبلًا. هل آن أوان رحيل هذا النظام، رحيل عائلة الأسد، ومن يحيط بها أمنيا واقتصاديا، وبدء مسيرة جديدة في سورية؟ أما القول إن الوضع في سورية على عمومه صار يفرض تغيير النظام، وإنا ذاهبون إلى ذلك، فالجواب نعم، لكن المشكلة الرئيسية أن القوى الفاعلة على الساحة السورية لم تجد بعد بديلًا لبشار الأسد. وهي تبحث عن بديل، لأن استمرار وجود هذا الطاغية وزمرته بات مكلفًا لجميع هذه القوى.”

أما الكاتب الصحافي محمد خليفة فقال لإشراق” بصرف النظر عما يصدر عن موسكو في الآونة الأخيرة من أنباء وتعليقات ورسائل مشفرة لا تسر النظام الأسدي، أرى أن هذا يتآكل يوميًا ويخلق بنفسه آليات سقوطه بسرعة. لقد بلغت أزماته العضوية الداخلية مستوى تجعلنا على يقين أنه على حافة السقوط، ولم يعد له حليف يمكن أن ينقذه من مصيره المحتوم. فقد استهلك طاقته وقدرته على الاستمرار أو الاستقرار، وبات يواجه انهيارًا حتميًا ووشيكًا على الصعيد الاقتصادي، نتيجة تدني سعر العملة المحلية وافتقاره للعملات الأجنبية، ما أدى لاتساع مساحة الفقر والعوز إلى حد لا مثيل له منذ مجاعة الحرب العالمية قبل قرن ونيف. وأخذ هذا الوضع الاقتصادي يؤثر بحدة على قاعدته الاجتماعية، ويزيد درجة الغليان الاجتماعي في أوساطها بوتيرة غير مسبوقة، وينذر بحدوث انفجار اجتماعي لا يمكن السيطرة عليه.” ثم نوه إلى أن ” النظام يعيش أيضًا عزلة خانقة على الصعيد الدولي، فلا معين ولا معيل له سوى إيران وروسيا، وهاتان الدولتان تعانيان حاليًا من ضائقة اقتصادية معروفة ومشخصة ليست أقل من ضائقته، بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليهما، وخصوصًا إيران التي وصفها تقرير أكاديمي أميركي بأنها تهدد بقاء نظام الملالي. وبسبب انهيار أسعار النفط، وعوامل أخرى ليس في يده مفاتيح حلها. هذا كله قبل استحقاق قانون (سيزر) الأميركي الذي سيدخل حيز التطبيق على النظام وكل الكيانات المستعدة للمغامرة بمساعدته، والنظام وحليفاه يتهيآن كذلك لنصيب مماثل من هذه العقوبات القاتلة التي تشبه حبلًا يلتف على أعناق الثلاثة بعد أن ربطت سياستهم الارهابية مصيرهم بهذا الشكل.” ثم أضاف ” إن نظام الأسد دخل مرحلة ما يسميه المشرعون (مرض الموت) الميؤوس من شفائه، ولا منقذ له من قدره المحتوم. وأمام هذه الحقيقة الحتمية لا مفر أمام قادة الكرملين من حساب مصالحهم والتصرف بواقعية وذرائعية، ومن المؤكد أنهم سيضحون به مقابل ثمن مناسب يدفعه بعض العرب، أو الأتراك، أو الأميركيون تعويضًا لخسائرهم في سورية. وانتهى إلى القول” نظام الأسد يقترب من نهايته، لا بسبب تخلي الروس عنه، وإنما بسبب صمود الشعب السوري المتمرد والثائر عليه. إذ لم يكن أحد من حلفائه يتوقع أن يصمد السوريون أمام أعتى درجات السحق والابادة، وأمام تخاذل وتواطؤ الدول الكبرى، إلا أن ما تصوروه مستحيلًا قد تحقق في العام العاشر من الثورة، وأصبح الأسد مهددًا بالغرق هو ومن حاولوا إنقاذه من سقوطه الافتراضي الذي كان مقدرًا له أن يكون في عام 2012 ولكنهم غرقوا معه، وأصبحوا مهددين مثله بأوخم العواقب. إن سورية والشرق الأوسط برمته مقبل على تغييرات جذرية وعميقة، لأن محور الشر الايراني – الروسي لن يستسلم بسهولة، وسيقاوم حتى اللحظة الأخيرة، وقد يقدم على خيارات جنونية. في الخليج، أو الهلال الشيعي، وخاصة سورية – لبنان. إن إيران اختارت المواجهة مع العالم كله، وها هي تواجه العالم، بما فيه روسيا التي بدأت تضحي بمصالحها معها لصالح مصالحها الاستراتيجية مع أميركا واسرائيل. وعلى الصعيد السياسي يستعد العالم كله لصفقات اللحظة الأخيرة. والغرب على يقين أن بوتين سيختار الاتفاق معه على حساب إيران والأسد.  وصمود الشعب السوري هو الذي قلب موازين القوى، لا انقلاب روسيا الاضطراري بعد أن جربت كل أسلحتها في لحمنا النيء، وفشلت. الشعب السوري المنكوب سيتخلص من الأسد حتمًا، ولكن كم سيحصل من مطالبه المشروع …؟ الأمر ليس مضمونًا لأن مصيره ليس بيده، ولن يحضر القسمة إلا كطرف ثانوي بسبب ضعف ممثليه في المعارضة، وضعف ذوي القربى.”

أما المعارض السوري عبد الباري عثمان فأكد لإشراق أن “الخلافات بين العائلتين يؤثر على البنية المجتمعية للطائفة العلوية الكريمة وبالتالي يؤثر على بنية النظام وما تسرب من التسجيلات الثلاث لرامي مخلوف قد تكون رسائل يراد إيصالها من الجانب الروسي للنظام وأعتقد بالنهاية المخلوف سيرضخ لطلبات عائلة الأسد، أما بخصوص تكنيس النظام وما تسرب في الإعلام الروسي وردود الأفعال عليها من شبيحي النظام أمثال خالد العبود أعتقد أنه يبقى في إطار الإعلام ولم تتبناها مراكز الدولة، أي ليست من جهات رسمية.” ثم قال :” بخصوص هشاشة النظام وإزالتها أعتقد أن الروس وصلوا لقناعة بأن نظام الأسد لا يمكن إعادة تأهيله بسبب الفساد المستشري في صفوفه، وكذلك عدم سيطرته على الشخصيات النافذة حيث انقسموا بين الإيرانيين والروس، وهنا لا بد من الإشارة إلى الدور الإيراني وهي الورقة القوية بيد الروس سيفاوضون الإسرائيليين والأميركان عليها لكسب أكبر قدر من مكتسبات لمصالحها في سورية وبالتالي في الشرق الأوسط وجزيرة القرم.ورحيل النظام لن يتم إلا عبر صفقة دولية، كون الشعب السوري مصادر قراره، لذا أعتقد بأن هناك تفاهمات بين الدولة النافذة في سورية على إزالة هذا النظام في ظل تنفيذ قانون قيصر”.

من جهته أكد السيد عمر شحرور رئيس حزب العدالة والتنمية السوري لإشراق” أن حكم عصابة آل أسد راحل خلال الفترة القادمة لأسباب عديدة أولها أنه في القرن الواحد والعشرين وبعد ثورة الاتصالات والتواصل لم يعد مقبولاً أن تحكم الشعوب بالأنظمة الديكتاتورية الفاسدة خاصةً بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي السابق التي كانت تمد معظم الديكتاتوريات بوسائل حمايتها واستمرارها، وبالتالي فقدت الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة المفسدة سندها وحاميها ، وأيضاً ساعد التطور العلمي وثورة الاتصالات بنشر قيم الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان ، ولا شك أنه بالنسبة لثورات الربيع العربي وسورية خصوصاً كان للنموذج التركي بقيادة حزب العدالة والتنمية التركي بعد احتكاك العرب شعوباً وأنظمة معه أثر مباشر في اشتعال ثورات الربيع العربي. أما على المستوى السوري فالشعب السوري الغني بمقدراته الطبيعية والبشرية تعرض إلى تفقير وتجهيل وتهجير من قبل حكم عصابات عسكرية وأمنية طائفية سرقت خيرات أرضه وشعبه على مدار عقود ومارست كل أنواع الجرائم بحق شعبنا من مجازر وحشية وتدمير وتهجير خاصةً بعد 2011 وبالتالي تحتاج سورية إلى 400 مليار دولار لإعادة إعمارها وعقود لإعادة الوحدة الوطنية التي دمرها آل أسد.” وأضاف شحرور” ما بعد 1970 حكمت سورية عصابتان من مصاهرة آل أسد – مخلوف إحداهما عسكرية والأخرى اقتصادية ولكن كجميع العصابات في التاريخ تختلف قياداتها وتتصارع بينها وبأشكال متعددة حتى تصل الذروة في صراع دموي إفنائي، ومهما تم تأجيل هذا الصراع فلا بد أن ينفجر لأنه صراع حول السلطة والمال كما جرى في التاريخ كله، لا أشك أن حكم هذه العصابتان ومؤيديهم قارب على السقوط إلا أن تدخل الميليشيات الطائفية لحزب الله والدعم الإيراني الهائل ثم الروسي حال دون سقوطه بل ساعد في تثبيت أركانه إلى حد ما، أو تأجيل موته المحتم، وساهم في ذلك ضعف قوى الثورة والمعارضة السورية بسبب شرذمتها وغياب جيش وطني سوري وتسلط قوى إرهابية مثل الدواعش وجبهة النصرة وضربهم مقدرات كبيرة للثورة السورية. لقد قال بوتين ووزير خارجيته مراراً أنه لولا تدخلنا في سورية لسقط النظام! خلال 15 يوماً، ولكن لم يعلم شعبنا أن تدخلهم جاء بخذلان غربي وعربي لثورتنا السورية وتأييد إسرائيلي لتحقيق مزيد من الدمار في سورية.

المصدر: صحيفة إشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى