.د.مصطفى حجازي. أحد المفكرين العرب القلائل الذين اختصوا بعلم النفس الاجتماعي. وعمل على بلورة رؤيا علميه نفسيه اجتماعيه مجتمعية. لإنساننا العربي في العقود السابقه وللآن. وتميزت كتاباته بالربط بين الحياة الفرديه. وضمن الجماعه. والعلاقة مع السلطات الاجتماعيه المتنوعة. وعلى رأسها السلطه السياسيه. ودورها الأساسي في صناعة التخلف الاجتماعي. ضمن سلسلة القهر العمودي في المجتمع من رأس النظام الحاكم وصولا لعموم أفراد المجتمع. وعبر الزمن… وفصل ذلك في كتابه التخلف الاجتماعي سكلوجية الإنسان المقهور. الذي كتبه في الثمانينات من القرن الماضي. واستمر في متابعة دراسة أوضاع انساننا العربي نفسيا واجتماعيا. فكتب عن الأحداث الجانحين. والصحه النفسيه في الأسرة والمجتمع. وعن الشباب العربي والمستقبل. وكتب بعد عقدين على كتابه التخلف الاجتماعي. كتاب الإنسان المهدور متمما له. ومتوسعا في دراسة موضوع القهر. ليصل إلى الهدر الإنساني للفرد والجماعه والمجتمعات أيضا. وداخل البنى المجتمعية. وبوجود السلطات الاستبدادية بتنوعها وامتدادها داخل الواقع. ومن خلال العولمة وسيطرة النظام العالمي الغربي. عبر المال والسلاح والهيمنة والتبعية. وإدارة المجتمعات ورعاية الصراعات واستثمارها. وعبر السيطرة الاعلاميه. وتحول العالم كله إلى مزرعه للنظام العالمي. وتحول الدول والمجتمعات لمجال حيوي للمصالح. من خلال استغلالها .أو إدارة صراعاتها. أو دعم دولها الاستبدادية. أو رعاية ودعم وتحفيز الصراعات المجتمعية الداخليه. من دينيه. لاثنيه. لطائفية. واعتبار كل ذلك مجالا استثماريا مباشرا وبعيد المدى. ويؤدي ذلك كله. للهدر الانساني المتعدد المستويات.الذي يطال المجتمعات. ويحتوي على القهر السياسي والاجتماعي داخل دول الاستبداد. ونتائج كل ذلك كارثية على البشر أفرادا وجماعات ومجتمعات.. في بلادنا العربيه…
.د مصطفى حجازي وضمن مشروعه هذا. كان كتابه هذا .إطلاق طاقات الحياة. الذي أكد بدايته على أن علم النفس الإيجابي علم حديث. ظهر في بداية القرن الحالي. وأنه مثل ثورة في مجال علم النفس. بحيث كان التركيز سابقا على الجانب المرضي النفسي وعلى كيفية العلاج فقط. واعتبار علاج المريض النفسي .سيؤدي مباشرة لعودة الإنسان لحالته السويه. ويعيش حياته باتزان نفسي ومجتمعي. بينما أكد علم النفس الايجابي أن هناك ما يجب عمله مع الإنسان نفسه. وفي ظروف حياته المحيطه. يؤدي ليعيش الإنسان حياة سويه وهانئه. وليس فقط علاج المرض النفسي .أو إلغاء ظروف القهر والهدر. رغم أهمية ذلك. لكن مع عدم كفايته…
.في الفصل الأول من الكتاب. تم التركيز على تعريفنا بعلم النفس الإيجابي. وأكد أن هناك بذور سابقه لهذا العلم في انطلاقته الحديثه. وتحدث عن مرتكزات والياته. وتناول التفكير الإيجابي. بصفته آليه عقليه ذهنية لها امتدادها النفسي العاطفي. كأحد مرتكزات بناء الشخصيه الايجابيه والناجحه والمنفتحه على الحياة والمالكه لقدرها. والعامله على بناء الحياة الأفضل. وركز على الانفعالات والفعاليات الايجابيه. وان الإنسان في بنيته النفسيه والعقلية والعاطفية . يتحرك لبناء حياة أفضل. وهناك محفزا شعوريا يحرك الإنسان لحسن حاله ومآله. وان الإنسان كائن صانع لنفسه ولحياته…
.أما في الفصل الثاني فيتحدث عن إطلاق طاقات الحياة. حيث ركز على أن التخلف الاجتماعي يعيد إنتاج نفسه عبر القهر والهدر الإنساني. الذي يزرع داخل الشخصيه الانسانيه. آليات التسليم والانهزام والضياع والعجز وعدم المبادرة والخوف من المواجهه.وعدم القيام بالدور الإنساني الفاعل. أسماه العجز المتعلم. وأنه ليس قدرا. وان الإنسان عليه أن لا يستسلم لظروف القهر والهدر. وعليه المواجهه والتحدي. وأعاد كل ذلك لما أسماه طاقة الحياة. كقوة دافعه في الإنسان. واعتبرها وراء كل سلوكيات الإنسان في بحثه الدؤب عن الحياة الأفضل. وان كل التقدم البشري والتطور الحضاري سببه طاقة الحياة. التي صنعت من البشريه اليوم ماهي عليه من التقدم على كل المستويات. وأكد على طاقة الحياة لتفسير التجارب الفرديه والجماعية والاجتماعية للبشر. في مواجهة السجون والمعتقلات والتعذيب والاحتلال وتفسير صمودهم. واستشهد اخيرا بثورات الربيع العربي. التي قام بها الشعب العربي. متجاوزة العجز المتعلم. ومتحركة لصناعة أقدارهم وتحقيق الحريه والكرامه الانسانيه والعداله الاجتماعيه والديمقراطية…
.أما في الفصل الثالث فقد بحث في التفكير الإيجابي نفسه. مقوماتها وآلياته.. حيث ركز على دور المعرفه في التعامل مع الحياة بصفتها المجال الحيوي. وكونها أداة الإنسان لبناء الحياة الأفضل. وتناول الوعي بصفته وسيلة إدراك الوضعية المعاشه فرديا وجماعيا. وكيفية إدارة الوعي للعمل للحياة الأفضل. فركز على الانتقاء. كآليه لتحديد الأهداف ورجاحتها وكونها هي الأفضل. وتحدث عن التعظيم. وهو السلوكيات والأفكار التي تحول الرؤى إلى واقع. وذلك عبر العمل المباشر ومتابعته. وتحدث عن التعويض. بصفته آليه فكرية سلوكية. تتناول البدائل في حال فشل ما تم العمل عليه أو تطلب تعديله. والعمل على الانتقال لمسارات أخرى. أما في بحثه عن الآليات. فقد ركز على خطوات المنهج العلمي في التعاطي مع المشكلات. عبر المعرفه اولا وضرورة امتلاك شروطها الكامله. ثم الانتقال للخطوه التاليه. بالبحث عن الحل الصحيح وتمثله. والاستفادة من كل الممكن والمتاح من أجل الوصول للحل الصحيح وتنفيذه. بما فيها التفكير العلمي والابتكاري والحواري والتفاعلي مع الآخرين. وكل ذلك يعاد اختباره بالعمل على تنفيذ الحلول المقترحة. والتأكد من صحتها. والاستعداد دوما لمراجعتها وتطويرها. لتحقيق الهدف المطلوب. وهو التقدم الفردي والعام. الذي يؤدي لحسن الحال. كما يسميها المفكر. وهكذا يؤدي التفكير الإيجابي للوفاق مع الذات. ومع الأخرين .وفي الحياة. ويصنع الإنسان نفسه عبر نجاحه. وهي الآليه التي تصنع نجاح المجتمع وتقدمه وحياة المجتمع الأفضل…
.أما في الفصل الرابع. فيبحث في التفاؤل والأمل. بصفتهما من أهم آليات التفكير الإيجابي. ولإطلاق طاقات الحياة. ويفصل في كل منهما مدرسيا و علميا. وكون التفاؤل .هو قوة الدافع الداخلي الذي يرى في الإنسان إمكانية تحسين حياته. وفي المجتمع والحياة ما يبرر هذا التفاؤل وما يؤكده عبر تجارب الغير. وعبر الحياة الانسانيه المعيشه. وكذلك الأمل كدافع جواني شخصي موجود في كل إنسان. يكون كالنور. يضيء نفسه وطريقه. ويعطيه الطاقة لصناعة حياته الأفضل. متجاوزا لكل العقبات فرديا ومجتمعيا…
.أما الفصل الخامس فتحدث عن الدافعية الجوانيه الأصيلة. والتي يؤكد فيها على كون الإنسان في بنيته العقليه والنفسيه والعاطفية والروحانيه. فيه ما يدفعه نحو الأفضل على كل هذه الصعد. وان الإنسان منفتح لما يجب. ولا سقف لطموحه. وفصل علميا ومدرسيا حول الدافعية الجوانيه. وذكر كل المدارس والاجتهادات حول ذلك. وتوصل اخيرا أن الإنسان يحكمه الدافع لتحسين حياته دوما. وعلى كل المستويات. وأنه يتجاوز المادي والعادي ليصنع الأجدى والمعنى والرساليه في حياته. وأنه قد يصل لمرحلة الاستغراق في متابعة ما يريد. و هي انشغال كامل في العمل للهدف المنشود. وبغض النظر عن الجهد المبذول. وعن التضحيه المقدمه. ومقترنا ذلك مع حالة راحة نفسيه وسعاده. تجعل الإنسان في حالة امتلاء نفسي. تعزز وجوده وكيانه واعتبار لنفسه. هذا حال العلماء والمصلحين والثوار. وكل من يستغرق في عمل له آثاره الجماعيه العظيمه. وهو متميز بإنجازه. وملتزم بقضايا عظيمه كرساله في الحياة وللحياة وهو سعيد بذلك…
.أما الفصل السادس فيتحدث عن الاقتدار الإنساني وبناؤه. وهو يحدد كيفية تفعيل الطاقة الإيجابية في الإنسان وتفعيلها. سواء على المستوى المعرفي والعلمي وامتلاك الوعي عموما. وذلك عبر تحقيق الكفاءة بوجوهها العلميه. والشخصية. والمهنية .والاجتماعية. والأخلاقية. وتوسع بالدراسة علميا ومدرسيا. وتحدث عن الاقتدار المعرفي والحكمه. واقتدار الشجاعه. واقتدار الحس الإنساني. واقتدار العداله. واقتدار الاعتدال. واقتدار التسامي. و الترفع عن الصغائر. وتوسع في ربط تلك الاقتدارات مجتمعيا وفي المحيط ودوره به. وفصل حول آليات تحقيق الاقتدار الإنساني. عبر المثابرة والمجابهه و العمل الدؤوب. وكذلك الاستعداد للتراجع والتوقف لمعالجة الخطأ والبحث عن بدائل. واسماها العزوف. وركز على النمو الدائم. بصفته تفعيل الاقتدار الانساني. الذي يعبر عن الفاعليه الذاتيه والجماعية. كقدرة على معرفة الواقع. والقدرة على التحرك نحو الأفضل والعمل فعلا لذلك. وتحدث عن الذكاء العاطفي. الذي يمثل تزاوجا بين النشاط الانفعالي والذهني العقلي في الإنسان. والذي يضبط التحكم بالذات والحماسه والدافعيه الذاتيه. والتحكم بالعاطفة وحسن التصرف مع الآخرين. والتحكم بالنفس وضبطها. وذكر كل من بحث في الذكاء العاطفي وانهم متفقين بالعمق. ومتنوعين في بعض التفاصيل. وتحدث عن قياس الذكاء العاطفي وفق قواعد محدده. والعمل على تنميته لدى الناس. كتدعيم لطاقة الحياة .وكدور ايجابي لعلم النفس فرديا ومجتمعيا. وتحدث أيضا عن المرونة الاستيعابية. كأحد أركان بناء الاقتداء الذاتي والتفاعلي للإنسان في تفاعله محيطه والحياة. وكذلك في بيئته الخاصه ذاتيا وفي الأسرة. ومن خلال ظروف نشأته وتربيته السويه. وفي البنيه المجتمعية المحيطه. وركز أيضا على التعامل مع الشدائد. كفعل إيجابي ناجح. وعبر التحصين الذاتي. وعبر حل المشكلات. والتعامل الانفعالي الإيجابي. وتطوير المعرفه وتعديلها حسب الحاجه. والاهتمام في الجانب الصحي. والنظرة التكاملية التي تستخدم كل المعطيات لتحقيق الاقتدار الإنساني على أفضل وجه…
.أما الفصل السابع فقد ركز على القياده التحويلية المنميه. فتحدث عن ضرورة وجود النماذج الايجابيه كقدوة. وأكد ضرورة الانتقال من نموذج الرئيس المتبع. إلى نموذج القائد النموذج. والمثل المحتذى بوعي وحب أيضا. وتحدث عن الإدارة. وضرورة تحولها لحاله تعايشيه نموذجية انسانيه تقدم الأفضل. سواء بوجود النموذج أو الدافعية الملهمه. أو التحفيز الذهني. أو تقدير الجهد والدور. الذي سيؤدي للرضى الذاتي والاحساس بالمعنى والجدوى والإنتاجية. وفصل كثيرا في ذلك. ليقدم أفضل صيغة لتفعيل طاقات الإنسان في عمله الإنتاجي والحياة فردا وضمن الجماعه. وهذا ما أسماه القياده التحويلية المنميه…
.أما الفصل الثامن والأخير. فهو يتحدث عن الانفعالات الايجابيه. السعاده وحسن الحال. حيث يؤكد أن الإنسان يتحرك لبناء حياته الأفضل على كل الصعد. نفسيا ومجتمعيا وعاطفيا وروحيا.. وان تكامل كل ذلك يصنع السعاده والشعور بالرضى والمعنى في الحياة. وان ذلك يحدث دوما ودائما. وان لا سقف لحسن حال الناس. ولا لحاجتهم للسعاده والامتلاء النفسي طول الوقت. وتحدث عن الانفعالات في الحياة. السلبيه كحمايه للوجود والحياة . والايجابي المنميه للوجود والدافع للعمل للحياة الأفضل. وفصل في ذلك علميا ومدرسيا. وركز على حسن الحال والسعاده بوصفهما حالتين مترابطتين متكاملتين. موضوعيا وفي الإنسان. وتوصل للقول أن مكونات حسن الحال هي. قبول الذات.والعمل لأهداف في الحياة. والنمو الشخصي كبناء للذات. ووعي المحيط والتحكم به كإدراك وتحريك وتفعيل. والتصرف باستقلالية ودافعيه شخصيه. والتركيز على الايجابيه مع الآخرين. وركز البعض على القبول والإسهام والتماسك والتدامج.. والتجديد الاجتماعي لحسن الحال. وتحدث أيضا عن السعاده بصفتها حسن الحال الذاتي. كخبرات. ذاتية ساره. ورضى عن النفس. وفصل حول السعاده. كأساس جسدي أو روحي أو عاطفي. وكلها تجسيدات لتنويع شعور السعاده عند الإنسان. يحتاجها ويتحرك لتحقيقها. وتوافقت النظريات النفسيه الحديثه. على السعاده بكونها تتحقق: بحياة كريمه. ورضى وجودي والعيش في بيئه آمنه وخصبه حيث الماء والخضره. والمناخ المعتدل.والسكن والحماية والأمن. ووجود علاقات تفاعلية انسانيه ايجابيه ومتعاونه. وعلاقات اسريه جيده وموده وتراحم. كل ذلك يضمن البقاء والنماء والأمن… وينتهي اخيرا أن على الإنسان أن يغلب الايجابيه والأمل والعمل. على السلبيه والهروب والانكفاء. ويتصدى لصناعة مصيره فرديا وجماعيا ومجتمعيا… هنا ينتهي الكتاب…
.وكرأي.. نقول…
.إننا اطلنا في تلخيص الكتاب لأهميته ولأنه أشبه بماده دراسيه مركزه. تستوجب الاطلاع والتنويه. واحببنا أن نقدم الدافع للاطلاع على الكتاب. وعلى إنتاج المفكر عموما. فهذه الكتابات مهمه لتأسيس الوعي الذاتي والمجتمعي. وتدفع الإنسان منا ليأخذ دورة الرسالي في الحياة بغض النظر عن الخلفيات العقائدية المحترمه جميعها. وان وعيه هذا سيجعله إنسانا إيجابيا وفعالا على مستواه الشخصي والعائلة والمجتمعي العام. وعلى كل الصعد. وسيقدم للإنسان قراءه لنفسه ولمجتمعه بوضعيته التفاعلية على كل المستويات. وسيقدم له الدافع معرفيا وسلوكيا. ليحقق وجوده وكيانه ويكون ثورة على ذاته وفيها. وثائرا في مجتمعه. وسيجد نفسه مجددا لدوره الرسالي..كإنسان يتحرك للحرية بصفتها إنسانية الإنسان. والكرامة الإنسانية التي لا يعلو عليها شيئ. والعدالة الاجتماعية بصفتها المجال الحيوي المعاش لبشر متساوين وأحرار. والديمقراطية في المجتمع والدوله. بصفتها أفضل ما أنتج العقل البشري من أجل بناء الحياة المشتركه مجتمعيا. وعيشها بأحسن أحوالها.
.هناك سنجد السعاده وحسن الحال والحياة الافضل للإنسان الفرد والمجتمع والإنسانية أيضاً …