تغييرات تكتيكية وتحالفات جديدة: تطرأ على العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة انعطافة تخلق مرحلة جديدة في هامش القوات في المنطقة. لا يدور الحديث بعد عن “شرق أوسط جديد” لكن إسرائيل تتابع من كثب التطورات السياسية في المنطقة وخريطة المصالح كثيرة الأذرع. للصين وإيران دور متزايد في الخريطة الحالية، مقابل الولايات المتحدة التي توجه الوسائل والمقدرات باتجاه الحرب الروسية الأوكرانية، مخلفة فراغاً يحتله آخرون.
في 10 آذار وقع اتفاق بين إيران والسعودية بعد قطيعة في العلاقات منذ العام 2016. الوسيط هي الصين، التي لها مصالح اقتصادية في المنطقة، انطلاقاً من رغبة سعودية في خطوات إيرانية لوقف الحرب الأهلية في اليمن.
في الأسبوع الماضي، استقبلت المملكة وزير الخارجية السوري بعد مقاطعة طويلة على الدولة، منذ بدأت الحرب الأهلية. وتأتي الخطوة كترسيم لعودة سوريا إلى حضن الدول العربية. وإلى جانب ذلك، فإن تونس وسوريا تعيدان السفيرين إحداهما لدى الأخرى.
في جناح آخر من الخليج الفارسي، عينت إيران سفيراً لها في الإمارات، بعد سنوات من التوتر. وبالتوازي، أعلنت قطر والبحرين عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهم.
يصبح هذا الأسبوع قريباً أكثر منا. فوفقاً للتقارير، بعد قطيعة أكثر من عقد ونصف في العلاقات مع حماس، رحبت السعودية برئيس المكتب السياسي لمنظمة الإرهاب إسماعيل هنية وإلى جانبه خالد مشعل.
أداة الصين
“في نظرة تاريخية واسعة، تعد هذه مرحلة جديدة توقف فيها الدولاب منذ الربيع العربي”، يقول لـ “إسرائيل اليوم” اساف اوريون، باحث كبير في معهد بحوث الأمن القومي.
“منذ 2010 دخلت سوريا في حرب أهلية، وتموضعت إيران في كثير من الفضاءات التي نشأت في المنطقة، وتوجهت ضدها الدول الملكية حولها. أما الآن فنرى نوعاً من إعادة التنظيم، ومصمما الأساس هو تركيز الولايات المتحدة على أجزاء أخرى من العالم، ولذا تستثمر أقل في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، فإن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة قل منذ الهجوم الإيراني في السعودية في 2019”.
ووفق اوريون، فإن المفهوم في الشرق الأوسط القاضي بأن التصميم الأمريكي يقل، يجسد للدول التي تحتاج للحرص على نفسها بطريقتين: الأولى، أن تخفض الخطر من إيران نفسها من خلال سلسلة العلاقات والتهدئة، ومثال ذلك استئناف العلاقات الإيرانية – السعودية. والأخرى، تنويع المساند من القوى العظمى، مثلما تعمل بضع قوى في المنطقة.
“الصين لا تعرض ضمانات أمنية كالولايات المتحدة، فهي تعمل بأداتها المفضلة – الأداة الاقتصادية – ومن خلالها تحقق أهدافاً سياسية”، يقول اوريون.
ينبغي الإيضاح بأن الولايات المتحدة لا تهجر المنطقة. الحقيقة هي أن السعودية تقيم علاقات مع الصين، وفي الوقت نفسه تطلب ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وتشتري طائرات من شركة “بوينغ” الأمريكية بعشرات المليارات. “نرى في المنطقة نوعاً من تنوع المساند، وتكاثر العلاقات، والموردين والحوارات، لكن ليس تحيزًا لطرف ما”، يقول اوريون.
تتابع وزارة الخارجية التطورات في المنطقة وتصف الوضع بشكل مشابه: “الكل يتحدث مع الكل. إذا كان واضحاً إلى أي طرف ينتمي كل واحد قبل خمس سنوات، فثمة ميل لتعدد الحوار في السنوات الأخيرة “.
إيران تتموضع
اتخذت كل من إيران والصين، بل وإسرائيل أيضاً، خطوات مهمة للغاية في تغيير الخريطة منذ التوقيع على اتفاقات إبراهيم. إسرائيل هي الأخرى “تتحدث مع الكل”، مثلاً – رسمياً مع الإمارات، وبشكل غير رسمي مع دول أخرى في محاولة لتوسيع الاتفاقات. كما أن تحسين العلاقات بين إسرائيل وتركيا في الأشهر الأخيرة، بعد قطيعة طويلة، تعيد تصميم خريطة القوى.
إن تسلل الصين إلى المنطقة بقوة اقتصادية، آخذة في جمع القوة، يلتقي إسرائيل مرتين. لأن الولايات المتحدة تركز جهودا أقل، وبالتالي ضعفت مكانة إسرائيل، وكذا بسبب حقيقة أن الولايات المتحدة تعرّف إسرائيل كالعدو رقم واحد لها.
الجبهة الأكثر معنى التي تشخصها إسرائيل هي إيران، التي تضعف محاولات عزلها. الاتفاق النووي لم يعد، لكن لا توجد عقوبات ذات مغزى في الموضوع، وهي تعمل لتصبح جهة في المنطقة تسعى الدول إلى قربها كي تقلل مخاطر من ناحيتها.
“لإيران الكثير من الثقة بالنفس، وتشعر بأن العزلة انتهت. الدولة نشطة جداً في العراق وسوريا وحيال تركيا. قد تنجح في تهدئة الحرب في اليمن”، يقول اوريون، ويضيف: “لا يوجد حب بين إيران والسعودية. ثمة منفعة في عودة العلاقات بين الدولتين في هذه المرحلة”.
كما أسلفنا، على المستوى الأمني تلقت إسرائيل عرضاً لمحور المقاومة، بما فيه إيران، والعراق، واليمن، وسوريا ولبنان، والذي يرتبط مع الساحة الفلسطينية، ابتداء من التخطيط والتنفيذ للعملية في مجدو، وانتهاء بعشرات الصواريخ إلى أراضي إسرائيل من لبنان.
وعلى حد قول اوريون، فحقيقة أن نصر الله يسمح لنفسه “بأكثر”، تبرز تصدع صورة قوة إسرائيل، وهذا يؤثر على الجانب الأمني وعلى رغبة الدول في المنطقة في توسيع العلاقات معنا.
كما أن تشخيص إسرائيل كضعيفة أكثر في هذه الفترة من ناحية داخلية عقب الاحتجاجات في البلاد، وضعف الحكومة كما يبدو تجاه الخارج، كانا المحفز لمحاولات متزايدة للعمل ضدها في هذا الوقت.
ويدعي اوريون: “مقياس قيمة إسرائيل في اتفاقات إبراهيم مبني من الأمن الذي تعرف كيف تعطيه، والذي يتضمن استعداداً لاستخدام القوة بما فيها القوة السياسية المتمثلة في العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
“هذان الأمران يضعفان في الفترة الأخيرة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يدعى إلى واشنطن، وزيارته إلى الإمارات ألغيت في أعقاب حجيج بن غفير إلى الحرم. وهذا لا يغلق الباب وليس نهاية المطاف، لكنها صورة الوضع في هذه اللحظة.
الجانب الإسرائيلي
مصدر سياسي يصوغ الأمور بشكل مختلف ويدعي بأن التطورات السياسية – الأمنية هي “نتاج إحباط إيراني كبير جداً بعد أن أقاموا فروعاً في المنطقة ويدفعون ميزانية كبيرة لحماس، وهذا لا يزال يردع إسرائيل من مهاجمتها في كل ساحة ممكنة”. وعلى حد قول هذا المصدر، فإن “إسرائيل تحبط معظم الأعمال التي تستهدف الاستنزاف والتخريب فيها، وهذا يصبح مؤشراً كلاسيكياً للضعف العربي المتراكم”. إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل لا تزج يدها إلى الصحن، حتى وإن قل الإسناد الأمريكي. إسرائيل تقيم ممثليات في دول حول إيران، مثل أذربيجان، والبحرين والإمارات وقريباً ستفتح سفارة رسمية في تركمانستان.
مثل المصالح الاقتصادية مع الصين، تعمل إسرائيل بشكل مشابه على تعميق العلاقات مع الدول التي أقامت معها علاقات في الماضي. مشاريع اقتصادية تتحقق مع الولايات المتحدة والهند والإمارات، وثمة اجتماع سنوي في المغرب لمنتدى النقب في أيار، استمراراً للقمة التي عقدت في السنة الماضي في “سديه بوكر” [النقب].
يؤدي النشاط الإسرائيلي بالإيرانيين لأن يسددوا بالعملة ذاتها ويحاولوا تجنيد حلفاء في المنطقة، هكذا يقول قادة إسرائيليون، وهذا هو سبب اتصالاتهم مع السعودية والإمارات والبحرين.
وماذا بخصوص إسرائيل والسعودية؟ لا مؤشرات على اختراق إسرائيلي في المنطقة قريباً، على خلفية شخصية بعض الوزراء الكبار في إسرائيل. ومع ذلك، لا تستبعد وزارة الخارجية هذه الإمكانية.
المصدر: إسرائيل اليوم/القدس العربي