تتسارع الأحداث واللقاءات والزيارات المتبادلة في البلاد العربية لإعادة النظام السوري إلى حضن النظام الرسمي العربي بما يعني إعادة الاعتبار للنظام السوري وإضفاء شرعية مستجدة عليه من طرف النظم العربية الرسمية..والملفت للنظر أن هذه العودة تتم بمبادرة من الصين تمهيدًا لإجراء تغييرات في الوضع العربي قد لا يستفيد منها العرب وقد لا تكون في مصلحتهم العامة وإن كانت تبدو في مصلحة هذا الحاكم أو ذاك النظام فئويًا أو شخصيًا..
الواضح حتى الآن أن ما يجري من أنشطة وتصريحات علنية ليس إلا المرحلة الأخيرة من مصالحة مع النظام السوري بمعنى أنها تأتي في سياق إخراج إتفاقيات بهذا الخصوص تمت فيما سبق..المهم أن تنفيذ إعادة العلاقات مع النظام قد دخلت مرحلة التنفيذ الفعلي..
وعلى الرغم من أن أية متغيرات في الواقع السوري لم تحصل، كذلك لم تحصل أية متغيرات في سلوك النظام السوري في أي مجال من مجالات السياسة أو العلاقات الداخلية أو العربية أو العالمية..الأمر الذي يثير الاستغراب الشديد من توقيت إعادة الشرعية العربية له ومن مغزاها ومآلاتها على الوضعين السوري والعربي..
بداية لا بد من التساؤل عن دوافع الصين لهذه المصالحة وخلفياتها ومصلحتها فيها .. هل هي دوافع ذاتية مصلحية أو أنها إيحاءات خارجية لغايات ما غير واضحة حتى الآن ؟؟ سيما وأن الصين تحتفظ بعلاقات جيدة جدًا مع الكيان الصهيوني ومع روسيا التي تسيطر على القرار في الأجزاء السورية التي تقع رسميًا تحت سلطة النظام..
إننا نتساءل عن المصلحة العربية في إعادة الاعتبار والاعتراف بالنظام السوري حاليًا في الوقت الذي تعاني سورية من إعتلال خطير ناتج عن سيطرة قوات احتلال أجنبية على كامل الأرض والقرار السوري ..فما بين أميركا وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل تخضع الجغرافيا السورية لعمليات اقتسام وتقسيم من قبل هذه الأطراف كما لعملية استنزاف وهيمنة على مواردها جميعًا ..وفيما تحتل إيران وميليشياتها المذهبية الحاقدة مساحات واسعة تستمر في عمليات التغيير الديمغرافي والتهجير وشراء الأراضي والعقارات وبناء المدارس لتغيير هوية المجتمع وتركيبته الاجتماعية الموزونة تاريخيًا..
وفيما تمسك روسيا بزمام السلطة الرسمية ليكون النظام عبارة عن شاهد زور أو غطاء لإضفاء شرعية مزيفة على الاحتلالات الأجنبية وتقسيم سورية وتقاسمها؛ فإن أميركا تصادر موارد الجزيرة السورية وبترولها وتفرض فيها ميليشيات انفصالية كردية مأجورة، أما تركيا فتمارس دور الشرطي المستفيد في بعض أجزاء الشمال السوري ..كل هذا يجعل من الاعتراف بالنظام السوري وكأنه إعتراف بهذا الواقع القائم وإضفاء شرعية عربية رسمية عليه ..مع ما يحمل هذا المنحى من نتائج مستقبلية خطيرة على مستقبل سورية وعموم المنطقة العربية..
ألا يعني مثل هذا الاحتضان مجددًا للنظام السوري اعترافًا ضمنيًا بما في الواقع من احتلالات واعتلالات دون أن تكون هناك أية آفاق لتغيير أي منها أو حتى تعديلها والتخفيف من آثارها..
من جهة أخرى كيف يتسنى لنظم عربية رسمية سبق وأعلنت تأييدها لمطالب الشعب السوري وانتفاضته وسحبت اعترافها بالنظام لمعرفتها بما يشنه من عدوان على الشعب السوري وما يشكله من تهديد وخطر على مستقبل سورية ووحدتها وهويتها العربية…خاصة وأن بعض تلك النظم أقحمت نفسها في أتون الأحداث فقدمت أموالًا وأسلحة وساهمت في تأسيس ميليشيات أو فصائل عسكربة هدفها المعلن كان إسقاط النظام وإن كانت نتائج تدخلاتها لم تخدم هذا الهدف المعلن..ومع أن دولًا عربية عدة كانت طرفًا مباشرًا في صراعات وأنشطة متنوعة لتدعيم مطالب الشعب السوري، إلا أنها اليوم تبادر إلى الاعتراف بالنظام دون أن تحقق شيئًا من أهدافها المعلنة ..أليس من حق الشعب السوري أن يعرف ما الذي جرى وماذا تغير حتى تتراجع تلك الدول عما كانت تعلنه دائمًا ؟؟ أليست على علم بالواقع السوري وما فيه من احتلالات وتقسيمات وأخطار مصيرية أساسية ؟؟
أليس من حقنا أن نتساءل لماذا الآن علمًا أن النظام لم يتراجع بوصة واحدة عن رفضه وتصديه لكل مطالب الشعب السوري وعن ممارساته القمعية الإجرامية بحق سورية وشعبها ؟؟ ألا يعلم هؤلاء أن النظام ما يزال يعتقل عشرات آلاف الشباب ويخضعهم لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل ؟؟ ألا يعني الاعتراف بالنظام راهنًا تخليًا تامًا عن مصير هؤلاء المعتقلين ومعهم ملايين المهجرين قسريًا ومن يعيش منهم في مخيمات بائسة ذليلة ؟؟ هل هذا ما يريده أو يوافق عليه من يعيدون علاقاتهم مع النظام ؟؟
ألا يدرك هؤلاء أن الأخطار التي تهدد سورية وتحول دون إرادة شعبها ومطالبه هي ذاتها تهدد بلادهم وكل العرب وهويتهم ووجودهم ذاته ؟؟
ألا يدركون أن المصير العربي واحد وأن ما يجري في سوربة مرآة لمستقبل المنطقة العربية كلها ؟؟ أليس من حقنا أن نسأل كيف تمدون أيديكم إلى نظام مجرم فتك بشعبه وارتكب مئات المجازر بحقه ولم يتراجع عن أية ممارسات قمعية وإجرامية بحق شعبه ؟؟ أليس من حقنا أن نطالبهم في أبسط الإيمان وأضعفه أن يفرضوا تنازلات على النظام أقلها الإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين والنازحين وإخراج الميليشيات وقوات الاحتلال الأجنبية وعودة الأمر الطبيعي إلى مقومات المجتمع والحفاظ على هويته ؟؟ اليس من حقنا أن نتساءل هل يوافقون على مصير لبلادهم مشابه لمصير سورية الراهن؟؟
إننا نستغرب ونتساءل عن دوافع هؤلاء الحقيقية للاعتراف مجددًا بالنظام بعد كل الذي ارتكبه بحق الشعب والأرض والوطن …
إننا إذ نقدر ونثمن كل ما قدمته دول عربية في مساعدة الشعب السوري عينيًا وعيانيًا ؛ نطالبها بالتمسك بمواقفها السابقة المعلنة والمعروفة من قضية الشعب السوري ..وننبه الجميع إلى أن بقاء الأمر الواقع السوري كما هو مختلًا لصالح نظام القهر والإجرام والاحتلالات الأجنبية ، لن يكون في مصلحة أي طرف عربي والآتي قريب ومنظور..إننا لا نتمنى إلا كل الخير لكل العرب نطالب الجميع ألا يتخذوا من المواقف ما يعاكس تطلعات الشعب السوري وأوله الاعتراف بالنظام القائم وإعادة إضفاء شرعية عربية رسمية عليه.