بعد رحلة تهجير قسري من مدينة حلب عام 2016، استقرّ الحال بمحمد برهوم في بلدة رام حمدان بريف إدلب (شمال سورية)، لكن المنزل الذي يقيم فيه مع زوجته وأطفاله لم يعد صالحاً للسكن بسبب الزلزال المزدوج الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في السادس من فبراير/ شباط الماضي، حاله حال مئات المنازل في شمال غرب البلاد.
على الرغم من معاناة محمد، إلا أنه لم يحصل بعد أكثر من 20 يوماً من حدوث الزلزال على أي نوع من المساعدات التي تعينه على تدارك وضعه، على الرغم من وصول المساعدات الأممية والعربية والشعبية إلى المنطقة، يقول لـ”العربي الجديد”، إن لجنة مختصة بالكشف عن المنازل المتضررة أبلغته بأن البناء الذي يقيم فيه لم يعد آمناً للسكن بعد تصدعه بشكل كامل، لكنه لم يجد من يساعده حتى بخيمة يأوي إليها مع عائلته، ولا حتى أي نوع من المساعدات الغذائية أو المخصصة للطوارئ، ويقول: “وصلت المساعدات إلى البلدة، لكن لم توزع بشكل عادل. حالياً، لا أعرف كيف أتدبر أمري، اشتريت شادراً لأقيم فيه، وأحد الأصدقاء دعاني للإقامة لديه مع عائلتي ليومين أو ثلاثة بينما أتدبر أمري”. أيضاً، يتقاسم حمزة دياب، الذي يقيم في ريف إدلب الشمالي وتصدّع منزله أيضاً بسبب الزلزال، المصير ذاته مع محمد برهوم، إذ لم يحصل على أي مساعدات، كما يؤكد لـ”العربي الجديد”.
في مخيم للإيواء أقيم بشكل عاجل لاستقبال المتضررين من الزلزال في بلدة عزمارين، قضاء مدينة سلقين، بريف إدلب، والتي تعد من أكثر المناطق تضرراً، تقيم حوالي 210 عائلات، لكن لم تحصل جميعها على المساعدات. يقول محمد حاج علي، وهو أحد الذين لجأوا مع عائلاتهم إلى المخيم، إن المخيم لم يتم اعتماده من قبل وزارة التنمية والشؤون الإنسانية التابعة لحكومة الإنقاذ، الأمر الذي أخر وصول المساعدات، ويشير في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أنهم قدموا طلباً للوزارة لاعتماد المخيم وتمت الموافقة على ذلك، لكن لم تصلهم سوى فرش بدائية للنوم.
وجالت “العربي الجديد” في المخيّم الواقع في تل عمار، قرب عزمارين، واستمعت لشكاوى الأهالي، الذين أعربوا عن حاجتهم للخيام، ودورات المياه، والمياه، والغذاء، وأدوات النظافة وغيرها، والتي لم يصلهم أي شيء منها.
يقول يوسف حاج علي، وهو صاحب الأرض التي أنشئ عليها المخيم، لـ”لعربي الجديد”: “فّر الناس من منازلهم بعدما تصدّعت، ولم نجد حلاً سوى بإقامة المخيم على أرضي الزراعية رغم بقاء المحصول فيها. تبرع أحد فاعلي الخير بـ40 خيمة، لكن لك أن تتخيل كيف يمكن لـ210 عائلة أن تعيش في 40 خيمة”، يضيف: “هناك خيام للنساء وأخرى للرجال، أي ليس لكل عائلة خيمة، ولا يوجد أي دعم أو إغاثة للمخيم، ولا حتى دورات مياه”، مشيراً إلى أن النساء “يقطعن مسافات طويلة لقضاء الحاجة في العراء مع غياب دورات المياه”.
وتحتاج المنظمات التي تتولى توزيع المساعدات إلى موافقة أو اعتماد من قبل وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة الإنقاذ للتوزيع في إدلب أو ريفها. ويشير ناشطون إعلاميون في أحاديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الوضع فيها أفضل مما هو عليه الحال في ريف حلب، الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني” (المدعوم من تركيا)، إذ تتحكم طواقم رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) بعملية توزيع المساعدات. كما أنه لدى كوادر “آفاد” بطء شديد في العمل أو عدم اكتراث لحالة الناس.
ويتهم الناشط المقيم في ريف حلب أحمد حجازي المنظمات الإغاثية الناشطة في هذا الريف بالفساد وعدم المسؤولية، ويقول لـ”العربي الجديد”: “الكثير من حمولات شاحنات الإغاثة كان مصيرها المستودعات، وقسم منها تم توزيعه على موظفي المنظمات وعائلاتهم وأقاربهم، والجزء القليل على المتضررين”، ويشير إلى أن “عدداً من المنظمات تقوم بجولات بشاحنات فارغة تحمل اسم منظمة معينة بهدف التصوير والدعاية للإيهام بتوزيع المساعدات وإرسال الصور للداعمين أو نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي”.
يضيف حجازي أن هناك سوءاً في عملية تنسيق توزيع المساعدات على المحتاجين أو مراكز الإيواء، كما أن بعض المراكز وصلتها ثلاث أو أربع دفعات من المساعدات من منظمات أو جهات مختلفة، فيما لم تدخل مراكز أخرى أي فرق إغاثية، كحال المراكز في مدينة جنديرس، وهي أولى المناطق المتضررة من الزلزال، لناحية عدد الوفيات والمصابين والمنازل المدمرة، وكذلك مخيم يحمول بريف أعزاز.
وجالت “العربي الجديد” في مخيم يحمول للإيواء المؤقت، حيث تمركزت عند مدخله دورية للشرطة العسكرية تابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.
لجأ مروان محمد نقار إلى المخيم بعدما انهار منزله بفعل الزلزال، وأصيبت ابنته وبقيت ثمانية أيام في المستشفى. وبعد إخراجها بقيت مع أهلها في المخيم، يقول والدها لـ”العربي الجديد”: “قبل أيام ساءت حالة الطفلة فجراً. طلبنا سيارة الإسعاف لكن لم يتم السماح للسيارة بالدخول إلى المخيم، وفارقت الحياة قبل وصولها إلى المستشفى بنصف ساعة”، عازياً السبب إلى تأخر إسعافها.
يتذمر الناس كثيراً داخل المخيم، حتى أن البعض منهم خرج بما يشبه تظاهرة احتجاجاً على الوضع القائم، وقد أخفى معظمهم وجوههم خوفاً من الملاحقة. يقول رضوان نحاس، وهو نازح من مدينة عندان، شمال حلب، وأحد القاطنين في المخيم، إن السلطات المحلية منعت دخول أي نوع من المساعدات باستثناء المياه، منتقداً في حديثه لـ”لعربي الجديد”، استخدام السلاح والسلطة لمنع دخول المساعدات، ويؤكد أن الناس في المخيم يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، مشيراً إلى اضطرار سكان المخيم لاتباع أساليب جديدة، كالاحتجاج، في حال لم يتم تغيير الوضع القائم وفتح باب المخيم أمام المساعدات.
أما عن الآلية المتبعة في عملية توزيع المساعدات للمتضررين من الزلزال، وشكاوى الكثير من المتضررين من عدم تلقيهم المساعدات، فيقول مدير قسم المناصرة في جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية” سارية عقاد إنه من الصعب الاستجابة لجميع المتضريين في كارثة بهذا الحجم، مشيراً إلى أن دولاً بحالها ترتبك في مثل هذه الكوارث.
يضيف متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أن من تضرر منزله بشكل كامل، ومن فقد شخصاً من عائلته، يصنف متضرراً من الفئة الأولى. ومن تضرر منزله بشكل جزئي ويبحث عن خيمة أو مأوى قبل إصلاح منزله، يختلف تصنيفه وتعامل المنظمات معه، فلا توجد خيام تكفي لجميع الفئات، وحتى التعامل مع من هذه حاله يكون في مرتبة أقل من شريحة المتضررين من الفئة الأولى بشكل عام.
ويشير عقاد إلى أن “المساعدات إما تكون عينية عبر الشاحنات، أو من خلال الأموال التي يتم شراء مواد بها من الداخل قبل أن توزع على المتضررين أو المستحقين. وشهدت الأيام الأولى ارتباكاً بسبب عدم دخول الشاحنات الأممية، وأيضاً عدم القدرة على الوصول إلى الأموال في المصارف التركية، لإدخالها والشراء بها من الداخل السوري”، ويشير إلى أن الحل جاء بعد أربعة أيام من وقوع الكارثة، لافتاً إلى أنه “خلال الأيام الأولى للكارثة، كانت هناك ندرة في المواد، لكن تتركز الجهود اليوم بحسب الأولويات وتلبية نداءات المتضررين”.
ويقول عقاد إنه من غير الممكن تحقيق كل ما يطلبه محتاجو المساعدات، مضيفاً: “يجد البعض أن حصوله على سلة إغاثية وعدم حصوله على مبلغ مالي أو نوع آخر من الدعم الإغاثي نقص أو تقصير. لكننا نوزع ما يصلنا. من جهة أخرى، لجأ الكثير من المتضررين إلى منازل أقربائهم ومعارفهم، ما صعب الوصول إليهم. وحتى إن وصلنا إليهم، لن يكون سهلاً إغاثة العائلة المتضررة من دون العائلة المستضيفة”.
ويشير عقاد إلى عدم وجود قاعدة بيانات موحدة لدى الجهات الإغاثية والمنظمات، مع وجود متضررين غير مستفيدين، لافتاً إلى أن الاستجابة لا تزال مستمرة، مع وجود أولوية لمراكز الإيواء، ثم من تضررت منازلهم جزئياً أو كلياً إما بالترميم أو إيجاد بديل.
من جهته، يقول مدير وحدة المعلومات في “وحدة تنسيق الدعم” التابعة للائتلاف السوري قاسم يازجي، لـ”العربي الجديد”، إن الوحدة أصدرت تقارير عدة منذ اليوم الأول للكارثة عن أبرز الاحتياجات بعد إجراء مسوحات لتقييم الاحتياجات، ويلفت إلى أن كل الإحصائيات وضعت أمام الجهات الداعمة بمن فيها الأمم المتحدة والحكومات والمنظمات والجمعيات المحلية، يضيف: “دائماً ما تجرى اجتماعات واتصالات تنسيق مع مكاتب المنظمات في جنوبي تركيا (مقر الوحدة). لكن الواقع على الأرض قد يختلف، لا سيما خلال الاستجابة لكارثة بهذا الحجم”.
المصدر: العربي الجديد