حوّل النظام السوري الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب إلى مناسبة من أجل إعادة العلاقات السياسية معه، واستقبال التعازي وتحريك المنظمات المرتبطة به، وسط مزاج إقليمي يحاول إعادة الاعتبار والاعتراف بالنظام السوري والتطبيع معه مستغلاً الكارثة، وأمام هذه المؤشرات اعتبرت منظمات حقوقية وإنسانية، أن العمليات الإغاثية والمساعدات الدولية المقدمة للنظام السوري، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال غربي سوريا، في السادس من فبراير /شباط، أصبحت البوابة المجانية للتطبيع مع النظام، بعد سنوات من التهديد بالمحاكم والعقوبات.
ووقعت 22 منظمة حقوقية وإعلامية وطبية أخرى، بيانًا مشتركًا يؤكد على ضرورة عدم التهاون مع الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري، وغيره من الأطراف، بحق الشعب السوري، وألا تكون الكارثة الإنسانية التي حلت نتيجة الزلزال وسيلة للاستثمار السياسي، مشيرة إلى أن عملية الاستجابة للزلزال يجب ألا تصبح وسيلة لإعادة العلاقات مع نظام متورط بجرائم حرب ضد شعبه.
223 طائرة «مساعدات للنظام»
وقالت منظمة “منسقو استجابة سوريا” في بيان الجمعة إن أكثر من 223 طائرة وصلت إلى مطارات حلب ودمشق واللاذقية وتمت السيطرة عليها من قبل قوات النظام السوري وتحويلها إلى مخازن ومستودعات لتباع فيما بعد ضمن الأسواق المحلية. كما أن أكثر من 28 دولة ترسل مساعدات تحت مسمى مساعدات إنسانية للمتضررين في مناطق النظام السوري، من بينها إيران التي تستمر بنقل المعدات العسكرية تحت مسمى مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال.
ووفقاً لفريق “منسقو استجابة سوريا” فإن أكثر من عشرة أيام ومنظمات المجتمع المحلي تناشد المجتمع الدولي بدخول المساعدات الإنسانية والمعدات الثقيلة إلى الشمال السوري لإغاثة المنكوبين ورفع الأنقاض دون جدوى، و “كل ما يتم الآن هو بعلم وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والذين كانوا أحد أسباب معاناة السوريين على مدار الأعوام السابقة إلى جانب روسيا والصين من حيث التلاعب بقرارات مجلس الأمن على صعيد الملف الانساني السوري”. واعتبر الفريق أن الولايات المتحدة التي ادعت أنها فصلت مسار المساعدات الإنسانية عن العقوبات، يمكن القول بأن العقوبات أصبحت ضد الشعب السوري فقط وليس ضد النظام السوري.
في غضون ذلك، وقعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وأكثر من 20 منظمة حقوقية وإنسانية وغير ذلك، منها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية ورابطة الأطباء المغتربين السوريين – سيما -والمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية واتحاد المنظمات الألمانية السورية والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير بيانًا مشتركًا أكدت فيه على أن الاستجابة للزلزال يجب ألا تصبح وسيلة لإعادة العلاقات مع نظام متورط بجرائم ضد الإنسانية.
وقال البيان “يجب الأخذ بعين الاعتبار التاريخ الطويل لتسييس المساعدات من قبل النظام السوري وألاَّ تعطيه الكارثة الإنسانية فرصةً للإفلات من العقاب، ولتهاون المجتمع الدولي مع جرائمه بحجة الوصول للمحتاجين.
وأطلقت الأمم المتحدة نداء استغاثة للاستجابة للكارثة، وبناءً عليه تدفقت المساعدات إلى مناطق النظام السوري مما يزيد عن 25 دولة، في حين تأخر الأسد 8 أيام قبل أن يعلن عن السماح باستخدام المعابر الحدودية مما لا يترك مجالاً للشك أن الغرض هو الاستثمار السياسي في كارثة إنسانية.
3 نقاط
وتعتقد المنظمات السورية الموقعة على الرسالة بضرورة تذكير هذه الدول، والدول الداعمة للنظام السوري بالنقاط الأساسية التالية:
أولاً، أن النظام السوري على مدار 12 عاماً تسبب في مقتل ما يزيد عن 200422 مواطناً سورياً مدنياً، بينهم 22953 طفلاً، و11955 امرأة، وعمليات القتل سياسة منهجية لدى النظام السوري وتشكل جرائم ضد الإنسانية.
ثانياً أن النظام السوري ما زال مستمراً في ارتكاب الانتهاكات بحق الشعب السوري، من أبرزها الإخفاء القسري والتعذيب، بناءً على ذلك، فإن إعادة العلاقات مع النظام السوري أو أية محاولة لتأهيله تعتبر دعماً لنظام متورط بجرائم ضدَّ الإنسانية، وهذا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
ثالثا، أن النظام السوري وعبر كافة الوزارات المنخرطة في الاستجابة لا يقدم بيانات الضحايا والمتضررين، ولدينا شكوك عن حقيقة الأرقام التي تصدر عنه. رابعا أن حليف النظام السوري (روسيا) استخدم الفيتو 4 مرات ضد دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال شرق وشمال غرب سوريا.
الباحث لدى مركز مشارق ومغارب للدراسات عباس شريفة اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أن النظام السوري حوّل الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب إلى مناسبة من أجل فتح علاقات عامة واستقبال التعازي وتحريك المنظمات المرتبطة بالهلال الأحمر السوري ورجال الدين المسيحيين والمنظمات المسيحية والفنانين، بهدف المطالبة برفع العقوبات والادعاء أن هذه العقوبات المفروضة أثرت على الاستجابة للكارثة الإنسانية.
وقال الباحث: هذا غير صحيح لأن المساعدات لا تخضع للعقوبات ثم أن العقوبات هي على الشخصيات النافذة لدى النظام السوري والأدوات التي تستعمل بقتل الشعب، مضيفاً أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استثنيا لمدة 6 أشهر التحويلات المالية التي تذهب للأعمال الإغاثية.
مساعدات معروضة للبيع
ورأى شريفة أنه ثمة مزاجاً إقليمياً يحاول تأهيل النظام أو التطبيع معه بهذه المناسبة مستغلاً الكارثة الإنسانية وغير مهتم بالشعب السوري، مدللاً على ذلك بجملة من التقارير المحلية والأصوات في مناطق سيطرة النظام والتي كانت تتحدث عن عدم وصول هذه المساعدات الإنسانية إلى المستحقين، بل إنها كانت معروضة للبيع أو تم تحويلها إلى السوق السوداء ومستودعات الحرس الثوري الإيراني والفرقة الرابعة ولم تصل إلى الشعب السوري.
وبرأي المتحدث فإن هذا دليل على أن النظام يستغل العمل الإنساني ومساعدات الأمم المتحدة من أجل دعم آلته العسكرية بالإضافية إلى أنه عطّل وأخّر دخول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري وكان يضغط من أجل عدم إرسالها إلى معبر باب الهوى.
وقال: تقريبا 65 بالمية من المساعدات وصلت إلى مناطق النظام رغم أن نسبة الضرر هناك لا تزيد عن 35 بالمئة بينما لم تحصل مناطق المعارضة إلا على 35 بالمئة من المساعدات الإنسانية رغم أنها المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال، ما يدل على وجود تسييس وتحكم ومحاولة لمعاقبة الشعب السوري وتأهيل النظام بحجة العمل الإغاثي دون النظر إلى كارثة الشعب السوري.
من جهته، اعتبر الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية علي العبد المجيد أن المساعدات اليوم باتت تشكل بوابة للتطبيع من قبل المجتمع الدولي بإشراف الأمم المتحدة بوجود مؤشرات عديدة أولها مسألة تمرير المساعدات عبر الحدود وخلق مسار جديد للتطبيع، معتبرًا أن هذه المحاولات جزء من محاولة استرداد سيادة النظام.
مساعدات قليلة للمعارضة
وقال المتحدث: هناك حجم مساعدات هائل أعطي للنظام ولم يعط للمعارضة وسط تلكؤ دولي بتقديم المساعدات للمناطق المنكوبة في مناطق سيطرة المعارضة، حيث عمل النظام السوري على محاولة استثمار كبير للكارثة بهدف العودة للحصن العربي وإحياء مسار التطبيع مع المجتمع الدولي.
وبالنظر لدور الأمم المتحدة، رأى الباحث السوري أنه كان بالإمكان إدخال المساعدات عبر الحدود عن طريق الأمم المتحدة ودون ولاية مجلس الأمن وقراراته بالاستناد إلى الحجج القانونية التي تشرّع هذا التحرك وتدحض الفرضية الروسية التي تصنف إدخال المساعدات كخرق للسيادة، وهي عديدة وفقاً لدراسة قانونية معمقة أجريت في هذا الإطار، أبرزها: عدم مصادقة سورية على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الأربع والذي يشترط موافقة الحكومة الرسمية، مما يعني أن إدخال المساعدات سيكون قانونياً حسب المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف والتي تشرع إدخال المساعدات الإنسانية بموافقة أطراف النزاع. إضافة للاستناد إلى سوابق قانونية قضت فيها محكمة العدل الدولية – بصفتها السلطة الأعلى في تفسير القانون الدولي الإنساني – كقضية نيكاراغوا ذات السياق المشابه للسياق السوري من حيث تصنيف النزاع ووجود سلطات الأمر الواقع وآلية عمل المنظمات الإنسانية في إدخال المساعدات.
المصدر: «القدس العربي»