مشروع “القناة الجافة” بين البصرة وتركيا.. رؤية طموحة طريقها وعرة

“الطريق وعرة بسبب التحديات السياسية والأمنية والتمويلية الكبيرة، أمام طموح العراق لأن يصبح مركزًا للنقل بين آسيا وأوروبا، عبر إنشاء ميناء الفاو الكبير في مدينة البصرة، جنوبي البلاد، ومشروع ممر القناة الجافة، الأوسع في المنطقة”.

هذا ما خلص إليه تحليل الباحثين “بيلجاي دومان” و”محمد ألاجا”، الذي نشره موقع معهد دول الخليج العربية، وترجمه الخليج الجديد، وتناول مشاريع النقل الكبرى بين العراق وتركيا ومنها ممر القناة الجافة.

ومن المتوقع أن يكون ميناء الفاو الكبير، أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط، حيث حطم حاجز الأمواج الخاص به بطول 10 أميال رقم جينيس للأرقام القياسية، حسب التحليل.

ومن المخطط أن يمتد مشروع الميناء، بقيادة شركة “دايو” الكورية الجنوبية، على مساحة تزيد عن 20 ميلا مربعا، ويشمل مناطق صناعية ومشاريع إسكان ومناطق جذب سياحي، وكلف حتى الآن أكثر من 4.83 مليار دولار، ويتميز الميناء بأنه يهدف إلى أن يكون مركزًا للنقل بين آسيا وأوروبا.

وسيشمل المشروع طريقًا سريعًا وخطًا للسكك الحديدية يطلق عليه اسم ممر “القناة الجافة”، والمتوقع اكتماله بحلول عام 2038 بتكلفة قرابة 20 مليار دولار، ويمر عبر الديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل ويمتد إلى الحدود التركية، ما يتيح الوصول إلى ميناء مرسين وأوروبا عبر إسطنبول.

ويرى التحليل أن نجاح المشروع الذي يواجه الكثير من التحديات، يعتمد على عدد من العوامل الجيوسياسية منها الدور الإيراني الذي قد لا يكون مرحبا به، بل يمكن أن يسعى لتخريبه في حال لم ينجح القائمون عليه في تخفيف مخاوف إيران.

من زاوية أخرى، يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في العراق وكذلك التوترات بين أربيل وبغداد إلى تعريض المشروع للخطر.

وعلى جانب الفاعلين من غير الدول، يمكن لتنظيم الدولة، وحزب العمال الكردستاني وبعض المليشيات الشيعية أن يكون لها دور تخريبي مما يوجب التنسيق الأمني بين تركيا والعراق وحكومة شمال العراق.

إقليميا يؤثر المشروع على الجغرافيا السياسية الخليجية ولديه القدرة على زعزعة الوجود الإيراني في المنطقة، لأنه سيربط دول الخليج مباشرة بتركيا. مع حلم أن يصبح ممرًا للنقل بين البحر والبر، يهدف العراق إلى أن يأخذ مكانه في الخط التجاري بين ميناء مرسين في تركيا، وميناء بندر عباس في إيران، وميناء خالد في الشارقة.

يتوقع التحليل أنه إذا تم الانتهاء من هذا المشروع الضخم، فمن المتوقع أن يتجاوز الفاو ميناء جبل علي في دبي، والذي يعد حاليًا أكبر ميناء للحاويات في الشرق الأوسط. ويمكن للممر أن يشكل بديلا لممر البحر الأحمر ويوفر الكثير من الوقت على حركة التجارة.

وفي هذا السياق، كان الأتراك قد ناقشوا خطط مشاريع النقل التي ستربط الخليج بأوروبا، وأكدوا أن خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة ستمر عبر العراق.

قد يكون الدعم السياسي أو حتى المالي من دول الخليج الثرية، مثل السعودية والإمارات، مفيدًا، لا سيما بالنظر إلى مدى تأثيره على التدفقات التجارية والنقل وفي نفس الوقت قد يثير حساسيات وتخوفات.

ونحو خطوة أكثر عملية، يذكر التحليل أن ممثلي دول المنطقة، اجتمعوا في مؤتمر بالبصرة بين يومي 6 و8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لمناقشة المشروع، فيما لم تشارك إيران ربما تعبيرا عن رفضها.

وحسب الباحثان، من الممكن أن توفر المشاريع الكبرى في العراق فرصًا كبيرة للأحزاب السياسية وقوات الأمن أو الميليشيات التابعة لها لتجميع المكاسب المالية، فيما يحظى مشروع الميناء بدعم الزعيم الشيعي “مقتدى الصدر”.

وكما تنافست جهات شيعية محلية على الشركة التي سيرسو عليها تنفيذ الميناء، يتوقع الباحثان أن يكون هناك تنافس على مشروع القناة الجافة، حيث تقوم شركة “بيج” الإيطالية بإجراء دراسات الجدوى، ومن المرجح أن تلجأ الحكومة العراقية إلى الشركات العالمية لبناءه أيضًا.

وتقدر الحكومة العراقية تكلفة بناء خط سكة حديد مزدوج المسار من البصرة إلى الحدود التركية بـ 13 مليار دولار.

وبما أن الممر يوفر إمكانية تحفيز الاقتصادات المحلية، فإن العشائر أيضا فضلا عن المليشيات تحاول أن يكون لها حصة، فعلى سبيل المثال، نظمت قبيلة “شايع” في البصرة احتجاجات عام 2021 للمطالبة بوظائف في الميناء.

وقاد “فرحان الفرطوسي”، مدير سلطة الموانئ العراقية المر تبط بالتيار الصدري، مفاوضات مع “دايو” لتوفير المزيد من فرص العمل لأعضاء “بيت شايع”.

من جهة أخرى، يرى الباحثان أن المصالحة بين أربيل وبغداد ستكون حاسمة لنجاح القناة الجافة حيث تخضع حدود تركيا بالكامل مع العراق لسيطرة حكومة إقليم كردستان.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود قلق في الإقليم من إنشاء ممر يتجاوز المعابر الحدودية القائمة ويجعل الطريق بين بغداد والأراضي التركية بديلا عن الممر الحدودي القائم.

بالمحصلة يرى التحليل أن تحقيق مثل هذا المشروع يبقى صعبا جدا في ظل التحديات الهائلة التي يواجهها العراق.

المصدر | بيلجاي دومان ومحمد ألاجا،/ معهد دول الخليج العربية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى