يعيش السوريون بين نارين وهما الزلزال المدمر وسرقة النظام السوري للمساعدات التي تصلهم من قبل الدول والمؤسسات الإنسانية.
وفي هذا السياق، يكشف مصدر خاص لـ”العربي الجديد” من مدينة جبلة الساحلية، غربي سورية، أن نظام بشار الأسد سرق المعونات التي جاءت من الدول العربية، ولم يصل للمتضررين إلا “بطانيات قديمة وسلة غذائية متواضعة” في حين تم سحب المعونات الجديدة إلى مخازن الهلال الأحمر وإدارة التعيينات بجيش النظام.
ويقول المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن فرقاً إغاثية وأخرى تابعة للهلال الأحمر السوري، أحضروا المساعدات إلى ملعب جبلة، وصوروا وصولها وتفريغها، لكنهم عاودوا تحميلها على مرأى السكان، بعد أن وضعوا أغطية قديمة وأبقوا على عبوات الماء وربطة خبز وأربع بيضات لكل أسرة.
في المقابل، قالت الناشطة السورية “هايدي هافي Haidi Hafi” من دمشق إن المساعدات التي وصلت إلى سورية من عشر دول بعد الزلزال، تقدر بمئات ملايين الدولارات، لكنها لم توزع للمتضررين حتى اليوم، مؤكدة أن طلبات الاستغاثة التي وصلتها بلغت الآلاف داعية إلى وقف السرقات “ليس وقت أن تملؤوا جيوبكم يا مسؤولين” لأن المبالغ والمساعدات العينية التي وصلت سورية برأيها، تكفي لإعادة الوقوف وكفاية جميع المحتاجين، لكنها تسرق ولا توزع لمستحقيها.
وتابعت الناشطة من دمشق والتي أعلنت منذ يومين عن حملة تبرعات، أن المدارس والملاعب والصالات الحكومية مغلقة، في حين ينام المتضررون بالشوارع والحدائق، مشيرة بالوقت نفسه إلى تقاعس نظام الأسد بنجدة العالقين تحت الأنقاض.
وتتالت شكايات السوريين بمناطق سيطرة نظام الأسد خلال الأيام الماضية حول سرقة المساعدات الدولية، وربط توزيع المساعدات. كما كشفت مصادر لـ”العربي الجديد”، عن توثيق سرقات بمنطقة “سطامو” بريف اللاذقية، كما وثق ناشطون سوريون سرقة المواد الغذائية وفراش النوم والأغطية التي وصلت عبر مساعدات دولية لمدينة حلب، لكن النشطاء بينوا سرقتها قبل وصولها إلى صالة الحمدانية بجلب حيث ينام متضررو الزلزال على الأرض.
وفي حين لم تدخل مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية، سوى قافلة مساعدات من الأمم المتحدة ظهر الخميس، بعد أربعة أيام من الزلزال، رغم أنها الأكثر تضرراً منه، يتوالى وصول طائرات المساعدات لمناطق سيطرة بشار الأسد، محملة بحسب صحيفة الوطن القريبة من النظام اليوم، بأطنان المساعدات الإنسانية الإغاثية والغذائية والطبية لمتضرري الزلزال في المطارات السورية بحلب واللاذقية ودمشق الدولي، والمقدمة من الدول الشقيقة والصديقة لسورية، بعد أن حطت أمس، بحسب الصحيفة نفسها، ست طائرات إماراتية وطائرة عراقية وأردنية وهندية وباكستانية وأرمينية وفنزويلية وليبية وتونسية.
وتزامن استمرار وصول المساعدات عبر المطار مع وصول قوافل المساعدات عبر البر القادمة من العراق، حيث أرسل هذه القوافل الحشد الشعبي العراقي الذي أعلن مدير إعلامه مهند العقابي أن حملة الحشد الشعبي كبيرة جداً والهدف منها مساندة الشعب السوري.
كما وبحسب تصريح لرئيس منظمة الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي، وصلت مساعدات إنقاذية من منظمات الهلال الأحمر في المجموعة العربية ومنها الإمارات – الكويت – العراق الذي أرسل طائرة مساعدات حطّت في مطار دمشق الدولي، ووصلت أمس إلى مطار حلب طائرة الهلال الأحمر الجزائري مزوّدة بـ160 طن مساعدات و26 متطوّعاً مزودين بكلاب مدرّبة للمساعدة في إنقاذ العالقين، والقوافل لا تهدأ، وكلهم يعملون بالتنسيق وبإشراف الهلال الأحمر العربي السوري.
ويقول رئيس الائتلاف السوري المعارض السابق، نصر الحريري لـ”العربي الجديد” رغم هول وكارثية الزلزال، ولكن علينا أن نتذكر أن نظام الأسد قتل وبليلة واحدة نفس عدد قتلى الزلزال، خلال مجزرة الغوطة عام 2013، بل وتابع بمجازر ليزيد القتلى المطالبين بالحرية عن 500 ألف سوري، بمعنى أن النظام الذي قتل وهجر نصف الشعب السوري، لا يمكن أن يمتلك الشرعية وتمثيل السوريين، ليظهر بدور الضحية ويستغل حالة إنسانية لأغراض سياسية، ويكون مصدر استلام وتوزيع المساعدات، لأنه من الطبيعي أن يسرقها ويسخرها لدعم الجنود والميليشيات التي يعجز عن إطعامها ومنحها الأجور.
ويوضح الحريري لـ”العربي الجديد”، أن حكومة الأسد تتذرع على الدوام بالعقوبات الدولية وأنها تعيق وصول المساعدات، رغم أن جميع العقوبات استثنت المساعدات الإنسانية والطبية، وما الدعوات إلا للخروج من العقوبات، داعياً الدول الشقيقة والمنظمات الدولية لتوجيه المساعدات إلى شمال غرب سورية، واصفاً محافظة إدلب التي تؤوي نحو 5 ملايين سوري، بالمنطقة المنكوبة بعد اقتراب عدد القتلى فيها جراء الزلزال من ألفي قتيل.
ويؤكد الحريري أن لدى الائتلاف توثيقا لتواطؤ بعض الإدارة بالأمم المتحدة مع نظام بشار الأسد، وتوزيع جل مساعدات السوريين له بعد الرشى والفساد والتجاوزات، مكرراً أن المساعدات التي تخرج عن الأمم المتحدة والدول المانحة، جلها تصل لمناطق الأسد ولا تصل لمستحقيها.
ولم ينكر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحكومة بشار الأسد، عمرو سالم، السرقات التي طاولت المساعدات قائلاً: أرسلنا دوريات مباشرةً إلى “سطامو” وتبين أن هناك مختارين يوزعان، وكل منهما يوزع لأقاربه، “قمنا بحل المشكلة وجرى توزيع المساعدات بشكل عادل للجميع”.
وبين الوزير خلال تصريحات لإذاعة “شام اف ام” أمس الخميس، أن هناك نقصاً بالنسبة للحرامات ووسائل التدفئة في مراكز الإيواء، كاشفاً عن حوالي 55 ألف شخص في مراكز إيواء حلب، و55 ألف شخص في مراكز إيواء اللاذقية، مشيراً إلى أنه أقيم حساب للجنة العليا للإغاثة ووصلت تبرعات بعدة مليارات، وتزيد بشكل لحظي. ويستغل نظام بشار الأسد، بحسب الاقتصادي السوري، عماد الدين المصبح، مأساة الزلزال لرفع العقوبات، رغم أن العقوبات لا تطاول الأعمال الإنسانية.
وكان وزير الإدارة المحلية والبيئة- رئيس اللجنة العليا للإغاثة حسين مخلوف، وخلال مؤتمر صحافي أول من أمس الأربعاء طالب الأمم المتحدة برفع العقوبات عن نظام الأسد بذريعة أنها تضر بالعمل الإنساني، وأن الوضع صعب جداً والاحتياجات تتعاظم على حسب قوله.
كما وجّه رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري، خالد حبوباتي نداء للدول الأوروبية والمنظمات والجمعيات الوطنية العربية والأجنبية بإعلاء الصوت لرفع الحصار الغربي عن الشعب السوري الذي يواجه محنة حقيقية في مواجهة ما خلفه الزلزال، بحسب حبوباتي خلال مؤتمر صحافي أمس، منوهاً بالعلاقات التاريخية مع أوروبا حيث آن الأوان لإزالة هذه الموانع والحواجز من طريق تدفق الاحتياجات الضرورية من غذاء ودواء ومقومات حياة.
ويعقّب عماد الدين المصبح لـ”العربي الجديد” بأنه وللأسف، لاقت دعاية النظام آذاناً واستجابة لدى الدول العربية ومن ثم العالم، فرأينا الطائرات تكسر الحصار وتتزايد المساعدات الدولية، في حين تعاني مناطق شمال غرب سورية، المنطقة الأكثر تضررا ووفيات من الحاجة وندرة المعدات وشح المواد الغذائية “لسنا ضد أهلنا في سورية ولكن اعتدنا على متاجرة الأسد بأوجاع السوريين لسرقة المساعدات”.
ويضيف المصبح أن نظام الأسد “فتح باب التسول” باسم الزلزال وحاجة السوريين، إذ وفضلاً عن المساعدات الدولية أطلقت محافظة ريف دمشق، حملة لدعم المتضررين في محافظات حلب واللاذقية وحماة في مبنى المحافظة، كما أعلنت نقابة الفنانين عن فتح حملة أخرى “لدينا معلومات بطلب نظام الأسد مساعدة من رجال أعمال سوريين بالخارج بذريعة الزلزال والمتضررين”.
وبلغت المساعدات النقدية فقط، بحسب تصريح عضو مجلس الشعب عن محافظة ريف دمشق، عبد الرحمن الخطيب، النقدية 4 مليارات و483 مليون ليرة سورية من أهالي محافظة ريف دمشق، عدا عن المواد الغذائية والحرامات، حيث تجاوزت قيمة المساعدات العينية أكثر من ملياري ليرة سورية.
كما أعلن المصرف التجاري بدمشق عن فتح حسابين لاستقبال تبرعات متضرري الزلزال، الأول يعود لاتحاد غرف التجارة والثاني لاتحاد غرف الصناعة السورية، مبيناً خلال بيان أول من أمس، أن الحسابات المفتوحة تتلقى أيضاً الحوالات الخارجية من قبل المتبرعين سواء عن طريق المصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي التي لديها حسابات فعّالة في الخارج أو شركات الصرافة العاملة في سورية.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن أمس عن تمويل جديد بقيمة 3.5 ملايين يورو لصالح المتضررين في كل المناطق السورية، بحسب ما ذكرته البعثة الأوروبية في سورية الخميس.
وقالت البعثة إنها فعلت آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي، بعد تلقي طلب من دمشق يخص ذلك، وتشجع دول الاتحاد على إرسال المساعدات للسوريين.
وجدد الاتحاد الأوروبي التزامه بمساعدة السوريين من خلال شركائه على الأرض، وبالأخص في هذا الوقت العصيب على الرغم من “التحديات المتزايدة على جانبي الحدود”.
وأوضح الاتحاد أن العقوبات على النظام السوري لا تمنع إيصال المساعدات الإنسانية، وذلك في مواجهة المعلومات المضللة المنتشرة على نطاق واسع بشأن عقوبات الاتحاد الأوروبي بعد الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا، على حد وصفه.
المصدر: العربي الجديد