في مقال تحليلي لافت نشره موقع “المعهد الأطلسي” Atlantic Council كتب الباحث علي بكير، الأستاذ المساعد بجامعة قطر والزميل غير المقيم بالمعهد، أن مصر “تستولي على آلاف الكيلومترات” من المنطقة البحرية الليبية.. فما قصة مرسوم السيسي الذي لا يتحدث عنه أحد؟
وأكد الباحث أن اقتطاع النظام المصري لجزء من المنطقة البحرية الليبية، عبر القرار المفاجئ الذي وقعه الرئيس عبد الفتاح السيسي بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والذي ظهر للنور في 13 ديسمبر/كانون الأول 2022، يأتي ضمن محاولات الأخير للبحث عن موارد جديدة لاقتصاد بلده المنهار، حيث يطمع في العثور على موارد غازية ونفطية بآلاف الكيلومترات في المياه الليبية التي تم الاستيلاء عليها بموجب القرار.
وأشار الكاتب إلى أن القرار المصري كان أحاديا وحدث دون تشاور مسبق أو مفاوضات مع الليبيين، لذلك كان لافتا أن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وحلفاء السيسي في شرقي ليبيا اجتمعوا على رفضه.
ووصفت الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوحدة القرار بأنه “لا يتوافق مع أحكام القانون الدولي، وغير عادل، ولم يؤخذ بحسن نية”. وأكدت الوزارة أن الخطوة المصرية تنتهك المياه الإقليمية الليبية و”تتعارض مع تصريحات القاهرة في المحافل الدولية بشأن احترامها لسيادة ليبيا ووحدة أراضيها”.
وفي شرقي ليبيا، أصدر مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح بيانا أعرب فيه عن “عدم موافقته على الخطوة المصرية الأحادية التي اتخذت دون مشاورات مسبقة في هذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد”.
وفي دعوة مصر لسحب المرسوم على وجه السرعة، اعتبرت لجنتا الخارجية والدفاع في مجلس النواب قرار السيسي “انتهاكًا للسيادة الليبية وتعديًا على الحدود البحرية للبلاد”. وتم التأكيد أن المرسوم “ينتهك مصلحة ليبيا في البحر الأبيض المتوسط” ويتعارض مع القانون الدولي.
ويشدد الكاتب على أن هذه الحادثة كانت من اللحظات النادرة التي اتفق فيها الطرفان المتصارعان الرئيسيان في ليبيا على شيء ما.
ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان حلفاء القاهرة في الجزء الشرقي من ليبيا قد تبنوا مثل هذا الموقف من منطلق إيمان حقيقي، أو لأنهم لا يفضلون تصويرهم على أنهم يؤيدون الخطوة المصرية لقطع جزء من المنطقة البحرية الليبية.
ويلفت الكاتب إلى أنه على الصعيد الإقليمي، احتفلت اليونان بالقرار المصري بالتعدي على الحدود البحرية الليبية، ومن المعروف أن أثينا لديها خلافات مع طرابلس وأنقرة في شرقي المتوسط.
وزعمت الصحافة اليونانية أن مرسوم السيسي يبطل آثار اتفاقية ترسيم الحدود التركية الليبية لعام 2019 المودعة لدى الأمم المتحدة.
ورداً على هذه المزاعم، نقلت وكالة “الأناضول” الرسمية التركية عن مصادر دبلوماسية بأنقرة تأكيدها أن قرار مصر الأحادي بترسيم الحدود الغربية مع ليبيا عبر تسع إحداثيات جغرافية “لا يتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط”.
وفي مصر، وكتبرير للقرار، أكدت صحيفة “الأهرام” الحكومية المصرية أنه “خطوة وقائية في ظل حالة عدم الاستقرار في ليبيا”.
وجادل آخرون، مثل وزير البترول المصري السابق، بأن الإجراء الأحادي يأتي في سياق الضرورة الملحة للاستفادة من ثروة شرق البحر المتوسط.
ويرى الكاتب أن الحكومة المصرية قررت الاستيلاء على جزء من المنطقة البحرية الليبية، حيث يمكن العثور على المزيد من حقول الغاز، بسبب عدم قدرة ليبيا على الدفاع عن نفسها ضد تجاوزات الدول الأخرى وطموحاتها.
ويشدد الباحث على أن السيسي ودائرته المقربة لهم تاريخ في متابعة ثروات الدول العربية الغنية بالنفط، ففي إحدى تسريبات عام 2015، سُمع السيسي وهو يسخر من ثروات الخليج بينما كان يطلب من دول مجلس التعاون الخليجي تحويل عشرات المليارات من الدولارات له.
قال السيسي: “لديهم أموال مثل الأرز”.
ويذكر الكاتب أنه وفقًا لبعض التقديرات، تلقى نظام السيسي حوالي 42 مليار دولار من دول خليجية بين عامي 2013 و2015.
ويقدر إجمالي المبلغ الذي تلقته مصر من دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من 2011 إلى 2019 بنحو 92 مليار دولار.
لكن التردد الخليجي الأخير في تمويل السيسي خلق أزمة عنيفة وسرع من الانهيار الاقتصادي لمصر، والذي حدث رغم المساعدات الخليجية الضخمة.
ويقول الباحث إن السيسي كان يراهن لفترة طويلة على أن بعبع الإسلام السياسي سيجبر دول الخليج العربي على الحفاظ على تمويلها غير المشروط لنظامه المتعثر، ومع ذلك، كانت هناك علامات متزايدة على أن هذه الدول مترددة في تقديم الدعم المالي له في المستقبل.
ويضيف أنه “في غياب الدعم المجاني، سيبحث السيسي عن طرق لزيادة موارد البلاد دون تغيير الطريقة التي تدار بها البلاد لعقد من الزمان”.
وبرأي الكاتب يأمل السيسي أن يؤدي المرسوم المتعلق بليبيا إلى صرف انتباه الجمهور عن القنبلة الاقتصادية الموقوتة واكتشاف موارد نفطية وغازية جديدة من شأنها أن تدعم اقتصاد البلاد المنهار.
ويختتم علي بكير تحليله بالقول: “في حين أن السيسي قد يكون قادرًا على بيع الاستيلاء على جزء من المنطقة البحرية الليبية للجمهور باعتباره انتصارًا رخيصًا وسريعًا، فمن غير المرجح أن يكون هذا هو الحل لمشاكله الداخلية المتصاعدة، وعلاوة على ذلك، من شأن هذا الإجراء أن يعقد الأزمة الليبية والعلاقات الليبية المصرية والوضع في شرق البحر المتوسط”.
المصدر: “القدس العربي”