أثيرت في الآونة الأخيرة، مزاعم بشأن نية تركيا الانسحاب من حلف الشمال الأطلسي “الناتو“، بالتزامن مع تصريحات مسؤول أمريكي سابق دعا فيها لطردها بسبب سياساتها في المنطقة.
وشهدت تركيا دعوات داخلية للانسحاب من حلف الناتو. ومن جهته، ذكر مساعد رئيس حزب الوطن التركي، إيثام سنجاق، بأن تركيا قد تقرر مغادرة حلف شمال الأطلسي في غضون خمسة أو ستة أشهر.
وتابع وفقا لصحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية، أن “استفزازات الناتو” تدفعها لاتخاذ هذه الخطوة من خلال وضع تركيا في مواجهة مع جارتها اليونان، واستدراجها إلى الصراعات في الشرق الأوسط، وأخيرا حادثة القرآن في السويد وهولندا. وأضاف سنجاق أن ثقة الأتراك في الولايات المتحدة الأمريكية تزعزعت بينما زادت بروسيا.
وأوردت الصحيفة أن زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، يعتبر ما حدث في ستوكهولم من استفزازات ضد أنقرة، مخططاً محكماً هدفه دعم تشكل مناخ سياسي ودبلوماسي يستبعد تركيا من حلف الناتو.
أنقرة: لا نفكر بالانسحاب من الناتو
وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر اتشليك، بأن تركيا لا تبحث مسألة الانسحاب من حلف الشمال الأطلسي “الناتو” ولا تفكر بذلك.
من جهته دعا مستشار الأمن القومي السابق للولايات المتحدة جون بولتون، في مقال على صحيفة “وول ستريت جورنال” لإخراج تركيا من الناتو، متهما إياها بأنها لا تعمل كحليف في ظل سياستها الإقليمية.
وشدد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، على أن مطالبات “الخروج من الناتو”، أو الطرد، غير منطقية لأن تركيا أحد أصحاب حلف الشمال الأطلسي، مضيفا: “من الذي سيخرجنا؟ نحن أصحاب الإرادة التأسيسية في الناتو”.
وفي تأكيده على أن تركيا دولة رئيسية في مهام الناتو، شدد اتشليك على أن “الحديث عن انسحاب تركيا من الناتو يعني إلغاءه”.
الأكاديمي التركي توغرل إسماعيل، ذكر أنه قد سبق أن تم تداول تصريحات حول انسحاب تركيا المحتمل من الناتو وأحد أسباب ذلك السياسة الأمريكية.
ورأى أن بقاء تركيا في الناتو يضمن لها الحماية من الأعداء الخارجيين ومن أعضاء الناتو أنفسهم، ناهيك عن أنه يحافظ على استقلاليتها، مشيرا إلى أن قبول عضوية السويد في الناتو من قبل تركيا يعتمد على تصرفاتها.
مغادرة الناتو يعرض تركيا للخطر
الخبيرة التركية أوزنور كوتشوكير سيريني، قالت لـ”عربي21″، بأن تركيا لا تفكر بالانسحاب من الناتو، وقد أكدت السلطات على ذلك، مشيرة إلى أن مغادرة الناتو يؤدي إلى عزل تركيا وجعلها عرضة للخطر في ظل التوازن الهش بين العالمين الغربي والشرقي.
وشددت على أنه لا ينبغي اتخاذ هذا القرار إلا في اليوم الذي تقرر فيه تركيا وبشكل واضح العمل مع تحالف آخر، وبتشكيل يتحدى الناتو فعليا.
تركيا تتصرف وفقاً لمصالحها
وفي الوقت ذاته لا تريد تركيا التصرف تحت عباءة التبعية لحلف شمال الأطلسي، وتتخذ قراراتها في القضايا المتعلقة بوحدة أراضيها وحقوقها ومصالحها بمعزل عن التحالف، وتعد أنشطة التنقيب في شرق المتوسط والعمليات العسكرية في سوريا أكبر دليل على ذلك، كما تذكر الخبيرة التركية.
وتابعت بأن تركيا التي تدرك موقعها الجغرافي الاستراتيجي وأهميتها المتزايدة على الساحة الدولية، تعطي أيضا رسائل ضمنية للعالم الغربي مثل “إذا خيبت ظني فهناك بدائل أخرى”، وكانت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العام الماضي بشأن عضوية البلاد في منظمة شنغهاي للتعاون دليلا على ذلك.
وأشارت إلى أن مكانة تركيا وأهميتها في حلف الشمال الأطلسي “الناتو” موضوع نقاش منذ فترة طويلة، وكان من أبرز الأحداث بهذا الصدد ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الناتو يعاني من موت دماغي، في إشارة للعمليات التركية في سوريا والقرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دون التشاور مع الحلفاء.
وتسبب شراء تركيا أنظمة الدفاع الجوي “أس400” من روسيا وزيادة التعاون معها في أزمة بين أنقرة ودول الناتو، وخاصة الولايات المتحدة، ومع فرض عقوبات على تركيا تم استبعادها أيضا من برنامج “أف35″، وفي الوقت الحالي لا تزال الطائرات المقاتلة “أف16” لم تُبَع رغم دفع ثمنها.
وذكرت الكاتبة أن “الفيتو” التركي على عضوية السويد وفنلندا في الناتو بسبب دعمهما للمنظمات الإرهابية، أضاف طبقة جديدة من ردود الفعل الغاضبة على تركيا.
وتابعت بأن العالم الغربي ينفذ أنشطة دعاية وتشويه بشكل ممنهج ضد تركيا، ويتم رسم صورة بأنها حليف غير موثوق به وخطير ويتصرف من تلقاء نفسه، ويعمل على تخريب الناتو بالتعاون مع روسيا، رغم الإسهامات الكبيرة التي قدمتها أنقرة لتحقيق السلام العالمي.
وأضافت أن تركيا قدمت مساهمات من خلال إنقاذ العالم من الجوع بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، باتفاقية الحبوب، والوساطة الناجحة التي قامت بها في ظل الحرب، كما أن العديد من الخبراء في العالم طالبوا بمنح أردوغان جائزة نوبل للسلام.
ورأت أن إبطاء عملية انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو تعد تطورا إيجابيا، لأن عضويتهما ستثير روسيا أكثر وتزيد من خطر نشوب حرب نووية.
تركيا مهمة للناتو
وشددت على أن انسحاب تركيا من الناتو في ظل هذه البيئة الحربية لن يكون قراراً صحيحاً، ودولة مثلها، والتي لديها أهمية حيوية بين الشرق والغرب، يجب أن تشارك في جميع التشكيلات المهمة.
وتابعت، بأن الناتو ليس لديه أي نية لطرد تركيا، التي تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف من حيث عدد القوات ولديها مساهمة رئيسية في ميزانيته، بخلاف الدول الأوروبية التي تمتلك جيوشا غير مؤهلة.
وأضافت أن الأخبار المتلاعبة والتصريحات السياسية بأسلوب “يجب الاختيار ما بين تركيا والسويد” في الناتو لا تهدف إلا لتخويف تركيا.
وأوضحت أن تركيا تدرك أهميتها داخل حلف الناتو وعلى المسرح العالمي حاليا، ولا تنوي التراجع وتقديم التنازلات بشأن أي قضية، والمشاكل لن تنتهي إلا عندما يعترف فيه الحلف بأن تركيا تتصرف كدولة مستقلة وذات سيادة ووفقا لمصالحها وحقوقها الوطنية.
وانضمت تركيا لحلف الناتو رسمياً في 18 شباط/ فبراير عام 1952 ووقع بروتوكول الانضمام رئيس الجمهورية آنذاك جلال بايار.
وكانت تركيا الدولة الـ13 في ترتيب الدول المؤسسة للحلف الذي تأسس عام 1949، بعد الولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وأيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال.
المصدر: عربي21